إنّ على إيران أن تُدرك أن أطماعها المُتصاعدة، وجشعها المُتزايد والمتواصل، وسعيها في الاستيلاء والسطو على ثروات وخيرات وموارد جيرانها، أصبحت مرئية ومُشاهدة ومكشوفة للعالم، بحيث لن تسترها التصريحات السياسية الماكرة.. الحقوق الخاصة بكل دولة يشهد عليها التاريخ، وتُدلل عليها الجغرافيا، وتُثبتها وتُؤكد عليها القوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية، فإذا توافرت هذه العناصر الرئيسية في أية قضية من القضايا الدولية، فإن الحلول ستكون حاضرة إيماناً من كُل طرف بأهمية أخذ وإعطاء كل طرف من الأطراف حقوقه المشروعة، وإثباتاً لحسن النوايا التي يريد كل طرف أن يثبتها بالأعمال والأفعال والسلوكيات والممارسات أمام الأطراف الأخرى ذات العلاقة، ولترفع منزلته ومكانته ومصداقيته في المجتمع الدولي. فإذا بنينا على هذه الافتراضات الإيجابية والبنَّاءة وما قد تُثمر عنها من نتائج هادفة وسامية بين الدول، فإننا نجد ازدهاراً للأمن والسَّلام والتعاون بين الأطراف المعنية التي بدورها تساهم بتعزيز حالة الرخاء والرفاه والاستقرار على جميع المستويات الشعبية والاجتماعية والدولية، وفي مقابل هذه الافتراضات الإيجابية، تأتي الافتراضات المُعاكسة التي تجعل من النتائج مغايرة تماماً بسلبياتها العظيمة. نعم، إن عدم الأخذ بالشواهد التاريخية، وتجاهل الدلائل الجُغرافية، وإهمال القوانين والاتفاقات والمعاهدات الدولية، يقيناً ستؤدي لتصعيد حالة التوتر بين الأطراف المعنية التي ستكون حتماً حريصة على أخذ حقوقها المشروعة بالأعمال والأفعال والطرق والأساليب والسلوكيات التي تراها مناسبة لإثبات حقوقها مما يقربها جميعاً للصدام، ويصعّد فرص النزاع الذي تتراجع معه فرص الرفاه والرخاء والازدهار الشعبي والاجتماعي، وتغيب معه حالة الأمن والسِّلم والاستقرار الإقليمي والدولي والعالمي. فإذا أخذنا هذه المعادلة السياسية المبنية على افتراضات سهلة الطرح، وممكنة الاختبار على أرض الواقع، وعرضناها على السلوك السياسي الإيراني تجاه "حقل الدُّرة" - حقل غاز الدُّرة - الواقع جغرافياً في المياه الإقليمية لدولتي الكويت والمملكة العربية السعودية، فما الذي يمكن قراءته؟ وما الذي يُمكن أن تقود إليه من نتائج؟! لقد تمثل السلوك السياسي الإيراني بالتصريحات الرسمية من الحكومة الإيرانية، والمتمثلة في، أولاً: تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، بحسب موقع CNN بالعربية في 26 مارس 2022م نقلاً عن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية، الذي قال: إن "حق إيران محفوظ للاستثمار من حقل "آرش / الدرة" المشترك بينها وبين الكويت والسعودية"، وأضاف أن "حقل "آرش / الدرة" هو حقل مشترك بين دول إيرانوالكويت والسعودية وهنالك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيرانوالكويت"، وأضاف أنه "وفقا للأعراف الدولية فإن أي خطوة للاستثمار والتطوير في هذا الحقل يجب أن تتم بالتنسيق والتعاون بين الدول الثلاث، لذا فإن الخطوة الأخيرة للكويت والسعودية التي جاءت في إطار وثيقة للتعاون هي خطوة غير قانونية ومناقضة للأعراف الجارية والمحادثات المنجزة سابقا ولا تأثير لها على الوضع القانوني للحقل ولا تحظى بموافقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية". أما ثانياً: فتتمثل في تصريحات وزير النفط الإيراني جواد أوجي، بحسب موقع الحرة في 12 يوليو 2023م نقلاً عن رويترز التي نقلته عن وكالة تسنيم الإيرانية، الذي قال: "إن وزارة الخارجية في بلاده ستتابع موضوع حقل غاز الدرة المعروف باسم أراش في إيران." وأضاف الموقع: إن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قال: "إن طهران تتابع هذه القضية مع الكويت في محادثات ثنائية." للوهلة الأولى، قد يرى المُطلع على هذه التصريحات الإيرانية أنها تُعبر عن سلوك سياسي إيجابي يهدف للتفاوض ويدعو للحوار، إلا أن هذه النظرة المتفائلة للتصريحات الإيرانية تجاه "حقل الدُّرة" تتوارى عندما نعلم أنها جاءت أولاً رداً على الاتفاق السعودي - الكويتي الذي تم في 12 مارس 2022م، وأشار له موقع قناة العربية بالقول: "وقع وزير الطاقة السعودي ونظيره الكويتي، وثيقة لتطوير حقل غاز الدرة في الخليج. وقالت مؤسسة البترول الكويتية في بيان إن حقل الدرة من المتوقع أن ينتج مليار قدم مكعبة يوميا من الغاز الطبيعي و84 ألف برميل يوميا من المكثفات. وسيجري تقسيم الإنتاج بالتساوي بين الشريكين." أما ثانياً: فإن التصريحات الإيرانية الأخيرة جاءت رداً على التصريحات الصادرة من المملكة العربية السعودية في 4 يوليو 2023م، وأشارت لها واس، المُتضمنة أنه: "إشارةً لما تم تداوله حول حقل "الدرّة"، فقد أوضح مصدرٌ مطّلع في وزارة الخارجية لوكالة الأنباء السعودية بأن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة، بما فيها حقل الدرة بكامله، هي ملكية مشتركة بين المملكة العربية السعودية ودولة الكويت فقط، ولهما وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة. وأضاف المصدر أن المملكة تجدد دعواتها السابقة للجانب الإيراني للبدء في مفاوضات لترسيم الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة بين المملكة والكويت كطرفٍ تفاوضيٍ واحد مقابل الجانب الإيراني، وفقاً لأحكام القانون الدولي." وكذلك رداً على التصريحات الكويتية في 10 يوليو 2023م، وأشارت لها وكالة الانباء الكويتية كونا، المُتضمنة تأكيد "نائب رئيس مجلس الوزراء وزير النفط وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار الدكتور سعد البراك إن حقل الدرة حق للكويت والسعودية، ومن لديه ادعاءات عليه ترسيم الحدود. وأضاف، أنه لا مجال لمفاوضات مع إيران إلا بعد ترسيم الحدود وفق القوانين الدولية، مؤكداً أن ادعاءات إيران غير مبنية على أساس بترسيم واضح للحدود. وتابع نحن والسعودية فريق واحد، ولدينا تفاهم كامل مع السعودية، ولدينا التزام ثنائي مع بعضنا ونستند على حدودنا المرسمة رسميا ودولياً." فإذا وضعنا هذه التصريحات مع بعضها البعض، فإننا نُدرك حقيقةً مدى التضليل والتزييف السياسي والقانوني الذي تهدف له التصريحات الإيرانية، ومدى الأطماع الإيرانية الكامنّة خلف هذه التصريحات السياسية والدبلوماسية المُضللة والمُخادعة. نعم، لقد عبَّرت التصريحات الإيرانية عن تضليل سياسي وقانوني مُمنهج عندما ادعت زوراً وبُهتاناً بأن "الخطوة الأخيرة للكويت والسعودية التي جاءت في إطار وثيقة للتعاون هي خطوة غير قانونية ومُناقضة للأعراف الجارية والمُحادثات المنجزة سابقا"، لأنها تعلم يقيناً قانونية هذه الخطوة المبنية على قواعد القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقات والأعراف الدولية؛ ولقد عبَّرت التصريحات الإيرانية عن فوضوية السياسة الإيرانية تجاه المجتمع الدولي عندما رأت نفسها فوق القانون الدولي بقولها "ولا تأثير لها على الوضع القانوني للحقل ولا تحظى بموافقة الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، لأنها تعلم يقيناً عدم أحقيتها ب "حقل الدُّرة" بحسب قواعد القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقات الدولية؛ ولقد عبَّرت التصريحات الإيرانية عن أطماعها المُتصاعدة في الثروات العربية التي ألِفت واعتادت سرقتها ونهبها من الأراضي العربية عندما صرحت بقولها "إن طهران تتابع هذه القضية مع الكويت في محادثات ثنائية" في الوقت الذي تُصر فيه على رفض ترسيم الحدود بحسب قواعد القانون الدولي المعمول بها بين الدول، وتؤكد عدم احترامها لحقوق جيرانها المادية والطبيعية ورغبتها بالاستحواذ على ما ليس لها بعدم الاستماع لمطالب ودعوات المملكة العربية السعودية ودولة الكويت بوجوب الاحتكام لقواعد القانون الدولي وتطبيق ما نصت عليه الاتفاقات والمعاهدات الدولية ومن ذلك "اتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار" التي فُتح باب التوقيع عليها في مونتيغو باي، جامايكا، في ديسمبر 1982م، وبدأ نفاذ هذه الاتفاقية في نوفمبر 1994م. وفي الختام من الأهمية القول إن على إيران أن تُدرك أن أطماعها المُتصاعدة، وجشعها المُتزايد والمتواصل، وسعيها في الاستيلاء والسطو على ثروات وخيرات وموارد جيرانها، أصبحت مرئية ومُشاهدة ومكشوفة للعالم بحيث لن تسترها التصريحات السياسية الماكرة، ولن تُحسنها اللغة الدبلوماسية المُضللة، ولن تحققها الشعارات العاطفية الزائفة والمُخادعة. نعم، إن على إيران أن تعلم يقيناً أن امتثالها للاتفاقات والمعاهدات الدولية، والتزامها بقواعد القانون الدولي، واحترامها لجيرانها وللدولة الراعية للمُصالحة السعودية الإيرانية - جمهورية الصين الشعبية -، سيُمكنها من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية داخل حدودها الجغرافية، وسيمنحها فرصة الاندماج في المجتمع الدولي، وسيعود على شعبها ومجتمعها بالتنمية التي غابت عنها بسبب سياساتها السلبية تجاه شعوب ودول المنطقة والعالم. نعم، إن "حقل الدّرة" منح إيران فُرصة تاريخية لتثبت للعالم حسن نواياها تجاه شعوب ودول المنطقة، ولتؤكد رغبتها الحقيقية بتعزيز حالة الأمن والسلم والاستقرار الإقليمي والدولي، ولتتمكن من تحقيق التنمية والرخاء والرفاه والازدهار الذي يتطلع له شعبها، ولتُغير من النَّظرة السلبية التي عُرفت عنها بسبب سلوكياتها العدائية وأطماعها غير المشروعة.