من المعروف بأن الإدارة هي جزء في حياتنا يتعلق بكل مكونات هذه الحياة، فمن يذهب إلى الصلاة هو يدير صلاته زمانياً ومكانياً، لذا فالإدارة متحققة في يومياتنا وهي ليست أبداً ذلك المفهوم المؤسسي فقط الذي يصرفه كثيرٌ من الناس إلى بيئة العمل في الشركات. وبما أن الأبناء والأسرة يمثلون ثمرة جهد الإنسان، فإن إدارة الأبناء تعتبر أعظم شكل من أشكال القيم الإدارية في حياتنا على الإطلاق. وكثيرٌ من الآباء والأمهات اليوم هم بين ثلاثة أشكال من أشكال إدارة الأبناء، أولهم إدارة الحقوق، وثانيهم إدارة الحب، مع أن كلا الشكلين يمكنهما إكمال الآخر وخدمة أهدافه الاستراتيجية، إلا أن بعض الآباء والإمهات في جميع ثقافات العالم قد يجنحون نحو إدارة الأبناء بتفعيل شكل الإدارة الذي يقوم على الحقوق فقط، وبعضهم الآخر قد يختار شكل الإدارة الذي يقوم على الحب فقط، وثالث تلك الأشكال هو الذي يدمج فيه الآباء والأمهات ما بين مفهومي الإدارتين. وإدارة الأبناء وفق مفهوم الحقوق فقط يعني أن الأبناء عليهم تحقيق الشكل المطلوب من حقوق الوالدين وفق ما فرضته الشريعة من برٍ واحترام وحسن مصاحبة، وبعدٍ عن العقوق، وأما إدارتهم وفق مفهوم الحب منفرداً يعني أن الآباء والإمهات يقومون بإدراة أبنائهم بإعلاء قيمة الحب، حتى لو صدر من الأبناء ما يغضبهم، فيواصلون ودهم وحبهم والرأفة بهم رغم أخطائهم في حقهم، وأما النمط الثالث الذي يدمج بين إدارة الحقوق وإدارة الحب فهو منهجٌ متوازن ولكنه يحتاج إلى تأصيل منذ الطفولة. ولتأصيل منهج إدارة الأبناء بتوازن وفق مفهوم الحقوق والحب معاً، لابد من صناعة جو أسري وبيئة أسرية تحيط بالطفل منذ بدء وعيه بحيث تكون تلك البيئة الأسرية بيئة سليمة ومتزنة وعادلة، بحيث يتلقى هذا الطفل القدر الكامل أو شبه الكامل من التربية القائمة على العدالة، وهي التربية التي يفهم من خلالها الطفل بأنه محبوبٌ جداً ومرغوبٌ جداً ومرحومٌ جداً مقابل حقوق بسيطة عليه تجاه الوالدين وهي فقط الاحترام. إن هذا النموذج المتوازن في التربية والغائب عن الكثير من البيوت هو النموذج الوحيد الذي يصنع إدارة أبناء قائمة على نموذجي الحقوق والحب. ومن دون تحقيق هذه العدالة والشفافية في تربية الأبناء، سينتج لدينا أبناء سيدخلون في صراعات مع الوالدين عندما يكبرون، وسيقعون فريسة الاضطرار للعيش وفق نموذج الحقوق من دون حب وهذا ما يولد الكثير من حالات العقوق، أو نموذج الحب من دون حقوق وهذا أيضاً يولد الكثير من حالات الظلم حيث يظلم الأبناء آبائهم وأمهاتهم ويستغلون خيرية هؤلاء الآباء والأمهات استغلالاً يخالف الفطرة السوية. من أجل هذا، فعلينا أن نؤسس ونربي أطفالاً يستقبلون من آبائهم وأمهاتهم إدارة حقوق وحب متوازنة حين يكبرون لكي نصنع بالفعل أسر سعيدة بمعنى الكلمة وليس فقط سعيدة أمام كاميرات الهاتف.