مؤرخ بريطاني: ابن سعود يستقبل شعبه سنوياً ويصرف لهم نقوداً وثيقة مداينة عام 1355ه تشترط تسليم باقي القيمة باستلام الخراج في رجب لم تقتصر ذكرى شهر رجب على الرقم الذي أصبح أكثر تداولا وشهرة غرة رجب (1 / 7) تاريخ ميلاد الطيبين وموعد توظيفهم في الغالب وإحالتهم على التقاعد، بل كان لهذا الشهر ذكريات أكثر بعدا وأكثر عمقا ذلك لأن أيامه ارتبطت بحياة الآباء والأجداد الاقتصادية والمعيشية ارتباطا وثيقا عند ما كانت ميزانية الدولة تعلن في بعض سنواتها بهذا التاريخ، وعندما كانوا يبقون طيلة أيام سنتهم يترقبون دخول الشهر ليحل موعد صرف مخصصاتهم السنوية التي أطلقوا عليها اسم الشرهات أو المناخ قبل أن تصبح الخراج أو العوائد السنوية، وأخذ اسم مناخ من مناخات أي مبارك الإبل لكثرة أعداد القادمين وامتلاء ساحات العاصمة داخل المدينة ومحيطها خارج الأسوار بالقادمين من كل وجهة أثناء ما فتح الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- باب الهبات للمواطنين تقديراً ووفاءً وطمعاً في تحسين مستوى دخلهم، وكانت وفود القادمين تحل على العاصمة على شكل قوافل ضخمة تسمى قوافل الشرهات وفي الغالب "مراكيب ابن سعود". استعداد مبكر قبل الموعد بشهر أو شهرين -كما جرت العادة- يكون أغلب المستفيدين في القرى والبوادي والمدن البعيدة قد أكملوا استعداداتهم أو انطلقوا بالفعل إلى العاصمة في موعد مبكر وفي مواكب أو قوافل جماعية، حيث تتوافد من جميع أنحاء البلاد ومن لا يملك منهم راحلة تحمله يضطر إلى مرافقة القافلة مشياً على الأقدام قاطعاً مئات الكيلو مترات، وحينها عرف بعض المصطلحات الطريفة التي أطلقها هؤلاء لرفع تصنيفاتهم وقسموا القادمين إلى: (الرديفة) و(الغلام) و(راعي الشداد) والتي بقيت إلى حد قريب يستخدم بعضها رسمياً في قوائم وسجلات الصرف لهؤلاء أو عوائلهم لدى وزارة المالية. وتفصيلا ف"الرديفة" هو الراكب الثاني مع صاحب الذلول، و"الغلام" وهو المملوك القادم مع صاحبه و"راعي الشداد" صاحب المكانة الذي يقبض 15 ريالاً بينما يقبض الرديفة والغلام عشرة ريالات فقط، وعرف وقتها جماعة "العويرجان" الذين يخرجون من داخل الرياض أو ينسلون خفية من بعض القوافل الأخرى بعد ما يكونون قد قبضوا مخصصاتهم، فيتلقفون قوافل جديدة لينضموا إليهم ويرافقونهم إلى القصر كقادمين جدد، ثم يسجلون أسماءهم مرة أخرى للحصول على عوائد أخرى وقد يكررون العملية عدة مرات، حيث كانت الأسماء تحصر عن طريق إحصاء الركايب القادمة أولاً؛ مستغلين بذلك عدم طلب إثبات أو هوية والتي تكاد تكون معدومة أو حتى مرفوضة في تلك الفترة وعلى ذلك بإمكان راعي الشداد كما يسمى أن يضيف رديفه أو غلاما وهميا ويقبض شرهته. ملتقى ساحة ثليم وفي هذا الوقت تستقبل الرياض آلاف القادمين وتكتظ ساحة (ثليم) بطوفان البشر عندما تتحول إلى ملتقى يموج بالقادمين من كل صوب، وفي مشهد فريد لا يتكرر في الجزيرة العربية إلا بمثل هذا الوقت وفي هذا المكان، وتشهد الساحة تظاهرة سنوية يلتقي فيها أهل الغرب بالشرق والشمال بالجنوب، ويتناقلون من خلالها الأخبار والمستجدات الأخرى، فيما يكون سوق الرياض قد استعد لموسم بيع وشراء سبقها بمحاولة توفير كل الاحتياجات من مطعم وملبس فيما تنشط أسواق بيع الإبل والخيول والبنادق والذخيرة، وجرت العادة أن يكون كل هؤلاء ضيوفا للملك عبدالعزيز طالت أو قصرت مدة إقامتهم. وصف البريطاني فيسي يذكر المؤرخ البريطاني المختص في الجزيرة العربية وليم فيسي وهو يصف كرم الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأريحيته وصفا استثنائيا وما حدث في سنة 1928م مقتبسا رؤيته من مقاله نشرت في أم القرى فيقول: إذا أردت على ذلك دليلاً فقف بباب قصر جلالته عند الصباح تلقى عدد الذين ينيخون ركابهم على بابه بين وافد وصاحب حاجة وكلهم يقيمون في دار ضيافته جميع أيام إقامتهم يطعمون ثم يعطون الأعطيات والكساء ويرجعون لأهلهم فرحين، وإذا ما وصفنا ما كان للوافدين هذه المرة فإنما نصف حالة دائمة من عادات جلالة الملك منذ نشأته حتى الآن. يصل الوفد إلى الباب فيستقبلهم صاحب الضيوف ويدخل بهم لمكان يتناولون القهوة، ثم يمر بهم كاتب يكتب أسماءهم. ومن عادة العرب إذا وفد رئيس منهم أو زعيم يركب في ركابه عدد بنسبة موقع الرئيس ومكانته، فقد يرافق الرجل الواحد الخمسين والمئة والمئتين والثلاث مئة والأربع مئة كل هؤلاء تقيد أسماؤهم وتعرض على جلالة الملك فيجلس لهم ويقابلهم حيث يتقبل سلام كل واحد منهم فردا فردا، ثم يخرجون وترتب لهم منازلهم فإن نزلوا في البيوت فبها وإلا فتعطى لهم الخيام وتذبح لهم الذبائح بنسبة عددهم. فيطعمون طعام الظهر وطعام المساء في قصر جلالته في اليوم الأول، ثم ترسل لهم ضيافتهم مدة إقامتهم وإلى مكان إقامتهم إن اشتهوا ذلك ويكون فيه الأرز والأنعام والسمن والسكر والقهوة والشاي والحطب والهيل فإذا أرادوا الانصراف عرضت أسماؤهم على جلالة الملك فيوضع بجانب كل اسم المقدار الذي يعطى له من الدراهم وما يعطى من كساء. ولقد بلغ مجموع من وفد على جلالته في تلك السنة منذ وصوله الرياض ما لا يقل عن خمسة وعشرين ألفاً وكلهم أطعموا أياما وعادوا بأعطيات مالية وكساء، وكثير منهم لا يكتفي بما يفرض له من عطاء بل يرسل كتبا لجلالته يطلب أعطيات متنوعة، فمنهم من يطلب شراء فرس أو ناقة، ومنهم من يطلب معونة على زواج، وخلاصة جميع هذه الطلبات تعرض على جلالته كل يوم فيأمر فيها بما يراه مع النظر لحالة صاحب الطلب وما يحتاج لعون، وكثير منهم يطلب حوالات لإحدى سواحل الخليج لتكون معونة لعياله فينال ذلك، ولجلالته ساعات من نهاره يقدم له أوراق الحوالات إلى السواحل فيمضيها باسمه وكل ما فيها، وإذا دخلت المضيف الخاص بالضيوف، وذلك غير المكان الذي يأوي إليه الفقراء والضعفاء، وجدت أن الذين يتناولون الطعام فيه عددهم يتراوح على الدوام بين الخمس مئة وألف. وصف الرحلة والوصول قبل أكثر من عقدين كنا قد التقينا شاهد عيان عاش التجربة بنفسه أكثر من مرة ووصفها وصفا دقيقا من بداية الرحلة حتى الوصول ثم العودة أثناء مرافقته لإحدى قوافل الشرهات وذلك في العام 1346ه، أو كما قال قبل السبلة بسنة وننقل هنا سرد لما قاله الشيخ خالد بن حجر العنزي -غفر الله له- ننقلها مع إبقاء بعض المصطلحات اللفظية حرفيا بسليقته -رحمه الله- كما وردت على لسانة دون تغيير حينما قال: خاويت أول "ركب" على ظهور البل و"سَرَحت" بنا من طراف الأسياح إلى الرياض، وكانت الرحلة "حروة" الخمسين مركوبة بعضها "مردوفة" عدا من كانوا يسيرون على رجليهم وليلة تاسع "وحنا قاربين في المغرزات - تعشينا وعيّنّا من الله خير ونمنا في المغرزات. وقبل صلاة الفجر استيقظنا وشربنا قهوتنا ثم لبسنا "عمايمنا" وانطلقنا "درهام" فوق ظهور الجيش ودخلنا دروازة الثميري ثم "نوخنا" في مناخ ساحة قصر الحكم، وكانت الساحة تكتظ بالقادمين، فلا تكاد تسمع إلا "رغاء" الإبل وأصوات المنادين بحثا عن بعض الذين فقدوهم في الزحام، بعد ذلك تقدم رئيس "خبرتنا" وهو رئيس الركب بتسجيل الأسماء وكتب اسم الرجال "الحشيم" هو الأول والآخر "على ساقته" وقدمها لرجال ابن سعود.. ابن جميعة.. وكان ابن جميعة رجالٍ "بخيص" برجال القبائل والعوائل والرجال الحشيمين ويعرفهم بأسمائهم، وبعد ما سجلنا أسماءنا ولم يكن هناك طلب إثبات أو توقيع. انتقلنا إلى البطحاء وكل واحد منا "عقل ذلوله" وشب ناره بعد ما صرفوا لنا الضيافة وهي قهوة وهيل وطحين وسكر ومعها حطب و"تنكة قاز" والتي كانت تصرف لكل قادم إلى الملك.. وزيادة على ذلك كان مضيف ابن سعود مفتوح ومع موعد العشاء أو الغداء يخرج "سعيدان" وهو "المضايفي"، ويطوف الساحات وينادي على المراكيب "اقلطوا الله يحييكم في مضيف معزبكم عبدالعزيز".. ثم يستقبلهم "ابن خريمس". المضايفي الثاني.. ويوزعهم حسب مكانتهم وفي الصباح ذهبنا لقصر الحكم ودخلنا "الليوان" وكبارنا راحوا يسلمون على الملك بالمجلس وبدأوا مناداتنا بالأسماء مقرونة باسم أمير الركب أو أهل البلدة، وكل واحد يتسلم شرهته وكل شخص يعطى بحسب مكانته ومصروفاته بعضهم يعطى عشرين روبية أيام الروبية وبشتا وطعاما، وبعضهم أكثر وبعضهم أقل فكانت تبدأ من سبع روبيات.. إلى أربعين إلا ريالاً!! ويتابع الشيخ الحجر حديثه عن الرحلة: في ذلك اليوم صرفوا لي عشرين روبية و"خيشتين .. وقاعدة" - الخيشتين كيسين رز عراقي "موره" وزن 90 كيلو - والقاعدة حمولة جمل من تمر الأحساء، فكنا نعطى "بروة" وهي سند تحويل لأبو العينين وكان رجال عند ابن سعود يستقبلنا في "الفرضة" رجال يقال له "الخنيني".. رجَال قصيّر كني أشوفه..!!، وبدأت تزداد هذه "الشرهة" حتى وصلت أربعين إلا ريالاً..! (39) ريالاً، وبقيت ثابتة ما تزيد ولا تنقص لين جاء ريال (القرطاس). جدير بالذكر أن أول إصدار ورقي نقدي كان في عهد الملك سعود -رحمه الله- سنة 1379ه. دين الرجبية وأضاف أن من الطريف ما عرف آنذاك ب "دين الرجبية"، وهي المداينات التي تؤجل إلى شهر رجب، وهو الموعد الذي يستكمل فيه صرف "الشرهات" والمناخ والمخصصات الأخرى، فكانت أغلب وثائق المداينة المكتوبة تؤجل أو تحدد موعد تسديد الدين في "الرجبية" أي رجب في منتصف السنة. وجاء في نص وثيقة مداينة كتبت عام 1355ه ما يلي: "أقر عبدالعزيز بن محمد السعيدان أن عنده وفي ذمته ل عبدالله بن علي الفهد ثمانين ريال قيمة بندق فرخ بلجيك أم حذوة صفراء استلم منهن أربعين ريال والباقي "مفهوقات" إلى حتن (وقت) استلام خراجه في شهر رجب القريب. شهد به كاتبه صالح بن مخلد الشمري وعبدالرحمن بن عبدالله السعيدان وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين كتبته في الرابع من رمضان سنة 1355ه ثم عاد الكاتب وكتب مخالصة قال فيها: حضر عندي البائع عبدالله بن علي الفهد وأقر باستلامه باقي حقه عدا ونقدا بتاريخ الحادي (ربما قصد الحادي عشر أو الحادي والعشرين) من شعبان سنة 1356 ه وصلى الله على محمد. استمرار صرف العوائد في هذا الوقت لا يزال صرف العوائد السنوية مستمرا بشكل سنوي مع نهاية كل سنة بعد أن تضاعفت بالمئات وما زالت يحسب لها حساب وربما يربط موعد صرفها بتسديد بعض الالتزامات بعد أن تضاعف الصرف بالمئات وصارت ال "أربعين ريالا" على سبيل المثال أربعة آلاف وقد تصل 10 أو 20 ألفا حسب حالة المستحق وصارت تصرف في وقت محدد وآلية صرف إلكتروني تودع في الحساب البنكي للمستفيد مباشرة. لباس إخوان من طاع الله مدخل بوابة قصر الحكم صورة لوثيقة تأجيل الدين للرجبية وتسديده قافلة جمال