المطلع على قوائم المستفيدين من عوائد وزارة المالية السنوي (المناخ) قد يعثر على مسميات شعبية صرفة غير معروفة ويصعب فهمها للأجيال الصاعدة مثل كلمة: راع شداد - والغلام - والرديفة وأسماء أخرى خصص لهم عوائد سنوية مكتفين بالمسمى نفسه دون اسم أو رقم هوية. وتنشط هذه الأسماء قديما بمثل هذه الأيام من كل سنة إذ تكون العاصمة الرياض على موعد مع كرنفال سنوي لا يوجد في أي عاصمة من عواصم العالم عند ما تزدحم طرقاتها ومحيطها كاملا بقوافل القادمين من كل صوب والذين يكونون قد تحركوا من أيام بل شهور حسب المسافة في سباق محتدم مع دخول شهر رجب حتى يدركوا بداية صرف مخصصاتهم. بعض كبار السن ممن تردد عدة سنوات على الرياض واستلم مخصصاته قبل معركة السبلة العام 1347 ه سبق وأن رووا لنا إحدى رحلات المناخ عندما انطلقوا من القصيم وتحديدا الأسياح وكانت قافلتهم تضم نحو 50 ذلولا مردوفة أي يركبها اثنان عدا من يرافقهم مشيا على الأقدام ممن لا يملك المطية وفي اليوم التاسع وصلوا المغرزات وباتوا هناك وقبل صلاة الفجر لبسوا الأعمة البيضاء (العمامة) والتي كانت شعار أو لباس (مراكيب بن سعود) القادمين للمناخ أو العوائد السنوية وتوجهوا لقصر الحكم درهام (الدرهام ركض أو هجيج إبل الركوب) ودخلوا عبر دروازة الثميري إذ تسجل أسماؤهم وعادة ما يصنفهم قائد الركب ويقدمهم لكاتب القصر بين راع الشداد - والرديفة - والغلام والأول صاحب المطية (الذلول) والرديفة الراكب الثاني على أرداف الناقة أما الغلام فهو الصبي أو المملوك وفي بعض الأحيان يقيد راع الشداد أسماءهم وهم غير موجودين ويقبض مخصصاتهم حيث لا يطلب أي إثبات وفي أحيان أخرى يتلقفهم قبل دخول الدروازة بعض من سكن الرياض أو المراكيب التي سبقتهم واستلموا مخصصاتهم يطلقون عليهم (عويرجان) ويقيدون أسماءهم معهم وبعد تسجيل كل الأسماء يتوجهون لساحة البطحاء عندما ترسل لهم مؤونة الضيافة من القصر الملكي والمكونة من قهوة وهيل وسكر وشاي إضافة للتمر والطحين وحطب أو (تنكة) قاز وفي المساء يخرج (مضايفي بن سعود) والمدعو سعيدان يطوف الساحات والمناخات يدعوهم للعشاء مناديا بأعلى صوته: (تفضلوا الله يحييكم في مضيف معزبكم عبدالعزيز) ويتكرر هذا المشهد وقت الغداء حيث يستلمهم عند الوصول المضايفي الثاني ويدعى ابن خريمس يوزعهم حسب مكانتهم وفي اليوم الثاني أو الثالث يذهبون لقصر الحكم ويسلمون على الملك عبدالعزيز مباشرة ثم يتسلمون مخصصاتهم بحسب مكانتهم أيضا فكانت تلك الأعوام إذ ما زلنا نتعامل بالروبية الهندية يستلم بعضهم 20 روبية وبشتا وطعاما وبعضهم 7 إلى 10 روبيات وطعام وفي ذلك العام تسلم أحد هؤلاء 20 روبية وخيشتين وقاعدة والخيشة تعارفوا بأنها كيس زنة 77 كيلو من مورة (رز) العراق أما القاعدة فهي تمر حساوي حمولة جمل وعند فراغ المخازن يعطون (بروة) وهي سند تحويل لأبوعينين في المنطقة الشرقية يستقبلهم هناك رجل الفرضة ويدعى (الخنيني) لاستلام مخصصاتهم من الطعام وفي سنوات لاحقه بدأ يزداد المخصص النقدي حتى وصل حسب قول أحد كبار السن إلى «أربعين إلا ريالا» أي 39 ريالا!! مع بداية التعامل بالريال وبقيت دون نقص أو زيادة حتى عرفوا الريال (القرطاس) الاسم الذي أطلقوه على الريال الورقي. أثناء عودة مراكيب ابن سعود تستقبلهم المضارب والقرى باحتفالية مختلفة وعلى مسافة من أبواب القرية يتلقفهم الأطفال والصبيان فينيخون ركائبهم ويوزعون الحلوى والألعاب والملابس ومختلف الهدايا ومع انقضاء منتصف إلى كامل الشهر تتغير الأحوال وتقضى الحاجات كما تقضى الديون وفي تلك الفترة شاع اسم (دين الرجبية) وهي الديون التي يقيدها التجار قيمة طعام ومستلزمات ويربط موعد تحصيلها بعوائد المناخ عند صرفها في رجب وعادة ما يرفع التاجر قيمة السلعة مثلما يفعل مع البيوع المؤجلة. القوافل تقدم للرياض من كل صوب العمامة البيضاء شعار القادمين للمناخ دروازة الثميري سعود المطيري