مع بدايات توحيد المملكة وانعدام البنية الاقتصادية للبلاد فتح الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- باب الهبات للمواطنين تقديراً ووفاءً وحباً لهم وطمعاً في تحسين مستوى دخلهم، وذلك عن طريق ما يعرف ب"الشرهات"، وتطورت فيما بعد لتصبح بمسمى المناخ أوالعوائد "المخصصات" التي تصرف في موعد سنوي محدد؛ عادة ما يكون بداية كل سنة جديدة أو منتصف السنة في رجب.. وقبل الموعد بشهر أو شهرين يكون أغلب أهل "الشرهات" قد اكملوا استعداداتهم أو انطلقوا بالفعل إلى العاصمة في موعد مبكر وفي مواكب أو قوافل جماعية تسمى (مراكيب ابن سعود)، حيث تتوافد من جميع انحاء البلاد لاستلام "الشرهة"، وبعضهم يملك الراحلة التي تحمله وأكثرهم لا يملك شيئاً، فيضطر إلى مرافقة القافلة مشياً على الاقدام قاطعاً مئات ان لم تكن آلاف الكيلو مترات، وحينها عرف بعض المصطلحات الطريفة التي اطلقها هؤلاء لرفع تصنيفاتهم، مثل:(الرديفة) و(الغلام) و(راعي الشداد) والتي لايزال بعضها يستخدم رسمياً في مداولات الصرف لهؤلاء أو عوائلهم لدى وزارة المالية.. ملتقى ساحة ثليم وفي هذا الوقت تستقبل الرياض آلاف القادمين وتكتظ ساحة (ثليم) بطوفان البشر عندما تتحول إلى ملتقى يموج بالبشر، لا يتكرر في الجزيرة العربية الا بمثل هذا المكان، وتشهد الساحة تظاهرة سنوية فريدة يلتقي فيها اهل الغرب بالشرق والشمال بالجنوب، ويتناقلون من خلالها الاخبار والمستجدات الاخرى ويستغل مثل هذا التجمع الكبير لتحقيق وتنفيذ بعض المهام ذات الصبغة الاعلامية في ظل انعدام كل وسائل الاعلام عندما تختلط النداءات داخل الساحة بين باحث عن (ذلول) فقدت قبل أشهر تحمل وسم صاحبها، أو بندقية أو أي شئ ثمين آخر بادئا نداءه بالعبارة المتعارف عليها: (يا من عيّن الذاهبه جزاه الله خير)، وآخرون يجدونها فرصة للاشادة برجل اسدى معروفاً يستحق شرف (رد الثناء) أو (بياض الوجه) عند ما تحمل الرايات البيضاء وهي قطع من القماش يطوف بها تلك الجموع منادياً، وهو يردد على مدى ثلاثة أيام (بيض الله وجه) فلان الفلاني من المكان الفلاني الذي عمل كذا وكذا.. فيذكر اسمه كاملا وعائلته أو قبيلته والمكان الذي يقطنه وقد يأتي الضد من مروج (سواد الوجه) لرجل تخاذل عن أداء واجب من الواجبات التي لايعذر تاركها في العرف السائد عندما يطوف مردداً (سوَد الله وجه فلان الفلاني) حتى انه لا يخلو المكان في نفس الوقت من مناديين يرددون اسم نفس الشخص أحدهم يقول بيض الله وجهه، والاخر يقول سود الله وجهه، فلا يجد السامع في ذلك غرابة تحت قناعة (كل يذكر ما واجه). وصف الرحلة الشيخ خالد بن مقبل الحجر تحدث لنا عن أهمية تلك العوائد و"الشرهات" مع بداية توحيد البلاد في ظل انعدام الوظائف المدنية والعسكرية والمصادر الاخرى، مشيراً إلى انه عرفها قبل سنة السبلة عام 1347ه، وحكى لنا كيفية تسيير القوافل سنوياً إلى الرياض في طلب تلك "الشرهات".. وقال: رافقت أول "ركب" على ظهور الجمال و"سرحت" بنا من الأسياح بالقصيم إلى الرياض، وكانت "حروة" الخمسين بعضها "مردوفة" عدا من كانوا يسيرون على اقدامهم، وليلة تاسع "وحنا قاربين في المغرزات، تعشينا وعينا خير ونمنا في المغرزات"، وقبل صلاة الفجر استيقظنا وشربنا قهوتنا ثم لبسنا "عمايمنا" وهي شعار القادمين وانطلقنا "درهام" فوق ظهور الجيش ودخلنا دروازة الثميري ثم "نوخنا" في مناخ ساحة قصر الحكم، وكانت الساحة تكتض بالقادمين، فلا تكاد تسمع الا "رغاء" الابل واصوات المنادين، بعد ذلك تقدم رئيس "خبرتنا" وهو رئيس الركب بتسجيل الاسماء وكتب اسم الرجال "الحشيم" هو الاول والاخر "على ساقته" وقدمها لرجََََال ابن سعود.. ابراهيم بن جميعة.. وكان ابن جميعة وهو من وزراء الامام "بخيص" برجال القبائل والعوائل والرجال الحشيمين ويعرفهم باسمائهم، وبعد ما سجلنا اسماءنا ولم يكن هناك طلب اثبات أو توقيع .. انتقلنا إلى البطحاء وكل واحد منا "عقل ذلوله" وشب ناره بعد ما صرفوا لنا الضيافة وهي قهوة وهيل وطحين وسكر ومعها حطب و"تنكة قاز" والتي كانت تصرف لكل قادم إلى الملك.. وزيادة على ذلك كان مضيف ابن سعود مفتوح ومع موعد العشاء أو الغداء يخرج "سعيدان" وهو "المضايفي"، ويطوف الساحات وينادي على المراكيب "اقلطوا الله يحييكم في مضيف معزبكم عبدالعزيز".. ثم يستقبلهم "ابن خريمس".. المضايفي الثاني.. ويوزعهم حسب مكانتهم وفي الصباح ذهبنا لقصر الحكم ودخلنا "الليوان" وكبارنا راحوا يسلمون على الملك بالمجلس وبدأوا مناداتنا بالاسماء مقرونة باسم امير الركب أو أهل البلدة، وكل واحد يتسلم شرهته من يد ابراهيم بن جميعة، وكل شخص يعطى بحسب مكانته ومصروفاته بعضهم يعطى عشرون روبية ايام الروبية وبشت وطعام، وبعضهم أكثر وبعضهم اقل فكانت تبدأ من سبع روبيات.. جموع القوافل في ساحة قصر الحكم للسلام على المؤسس أربعون إلا ريالاً ..! ويضيف الشيخ الحجرفي ذلك اليوم تسلمت عشرين روبية و"خيشتين .. وقاعدة" والخيشتين كيسين رز عراقي "موره"، والقاعدة حمولة جمل من تمر الاحساء، فكنا نعطى "بروة" وهي سند تحويل لابو العينين وكان رجال عند ابن سعود في "الفرضة" رجال يقال له "الخنين" .. رجَال قصيَر كني أشوفه ..!!، وبدأت تزداد هذه "الشرهة" حتى وصلت أربعين الا ريالاً ..! (39) ريالاً، وبقيت ثابتة ما تزيد ولا تنقص لين جاء ريال (القرطاس). سنة الجمعة وأشار إلى أنه في سنة أخرى بعد معركة السبلة بسنة على ما أظن؛ توجهنا إلى الرياض في موعدنا، واذكر ان الملك عبد العزيز استغل هذا التجمع الكبير الذي يضم قادمين من جميع أطراف وأطياف دولته وخطب في الوفود القادمة في سنة عرفت بسنة (الجمعة) خطب في القادمين خطبة عصماء.. أخذت صدى كبيراً.. وحفظها عن ظهر قلب بعض من سمعها، حيث حثهم على التمسك بالعقيدة وتطبيق منهج الإسلام والحفاظ على الوحدة الوطنية، وأوضح لهم سوء الفهم من البعض فيما يخص البرقية والسيارة ومدارس البنات.. القرى في انتظار القوافل ويتذكر ابو ثامر الشيخ عبد الرحمن العذبي استعدادات القرى والهجر النجدية وهي تستطلع اخبار قدوم "قوافل الشرهات" من الرياض بعد شهر أو شهر ونصف، وذلك عند ما يعودوا محملين بالاطعمة والمؤن ومستلزماتهم الاخرى التي اشتروها بعد تسلم مخصصاتهم والتي تكفيهم لمدة عام كامل.. فكانت القرى تخرج عن بكرة ابيها صغاراً وكباراً تستقبل قوافل القادمين من على مسافة بعيدة خارج القرية فكانوا بدورهم ينيخون مطاياهم ليوزعوا الهدايا والصوغات التي احضروها من الرياض خصوصا على صغار السن.. مسميات طريفة ويتذكر العذبي بعض المصطلحات الطريفة المرتبطة بالعوائد و"الشرهات" والتي عرفها الناس آنذك والتي لا يزال بعضها يستخدم حتى الوقت الحاضر في المداولات الرسمية للعوائد السنوية وعرفوا وقتها "الرديفة" وهو الراكب الثاني مع صاحب الذلول، و "الغلام" وهو المملوك القادم مع صاحبه و "راعي الشداد" الذي يقبض 15 ريالاً بينما يقبض الرديفة والغلام عشرة ريالات فقط يأخذها غالبا صاحب المطية.. وقال عرف ايضا وقتها جماعة "العويرجان" الذين يخرجون من الرياض أو ينسلون من بعض القوافل الاخرى، ويتلقفون القوافل الجديدة لينظموا اليهم ويرافقوهم إلى القصر، ويسجلوا اسماءهم مرة أخرى للحصول على عوائد اخرى وقد يكرروا العملية عدة مرات، حيث كانت الاسماء تحصر عن طريق حصر الركايب القادمة أولاً؛ مستغلين بذلك عدم طلب اثبات أو هوية والتي تكاد تكون معدومة أو حتى مرفوضة في تلك الفترة. واضاف أن من الطريف ما عرف انذاك ب "دين الرجبية"، وهي المداينات التي تؤجل إلى شهر رجب، وهو الموعد الذي يستكمل فيه صرف "الشرهات" والمناخ والمخصصات الاخرى، فكانت أغلب وثائق المداينة المكتوبة تؤجل أو تحدد موعد تسديد الدين في "الرجبية" في منتصف السنة.. الشيخ خالد الحجر قافلة تتوقف في الصحراء قبل وصولها إلى الرياض