ما إن تدخل الهدن الأممية بين الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي الإرهابية حيّز التنفيذ في مختلف الجبهات القتالية في اليمن، حتى توجّه الميليشيات كل طاقتها من العنف والصراع وتقوم بتفريغها في الخلافات داخل أجنحتها المتعددة والمتصارعة وضد السكان والقبائل في صنعاء المُحتلة وبقية المناطق الواقعة تحت احتلالها. وأعلنت الأممالمتحدة الثلاثاء الماضي، عن تجديد الهدنة الأممية في اليمن لمدة شهرين إضافيين، من 2 أغسطس 2022 وحتى 2 أكتوبر 2022، بعد أربعة أشهر من إعلانها في مطلع إبريل الماضي، ويتضمن هذا التمديد للهدنة التزاماً من الأطراف بتكثيف المفاوضات للوصول إلى اتفاق هدنة موسَّع، بعد حراك دبلوماسي ووساطات دولية بين الأطراف اليمنية. وأدى تمديد الهدنة الأممية لشهرين إضافيين إلى خلافات شديدة داخل الأجنحة الحوثية المتصارعة، ظهرت مؤشراتها على الأرض وفي وسائل الإعلام التابعة لها، ووسائط التواصل الاجتماعي، حيث تتهم بعض الفصائل العسكرية والقبلية الأقل تأثيراً في مراكز القيادة الحوثية، أن أجنحة أقوى منها داخل الميليشيات تحتكر الامتيازات المالية والسياسية التي تجنيها من الهدنة. وتستحوذ ميليشيات الحوثي على عوائد مالية ضخمة إثر سماح الحكومة الشرعية اليمنية بدخول سفن الوقود عبر ميناء الحديدة، إذ بلغت السفن المحملة بالمشتقات النفطية خلال الفترة 2 أبريل وحتى 22 يوليو الماضي (26) سفينة بإجمالي كميات (720,000) طن متري، وإيراداتها من الرسوم الجمركية والضريبية بلغت أكثر من 105 مليارات ريال يمني، وكان يفترض تخصيصها لدفع مرتبات الموظفين المدنيين بحسب بنود الهدنة، إلا أن الميليشيا استحوذت عليها. كما تخشى بعض الأجنحة ذات التأثير القبلي والعسكري، لاسيما الفصائل غير المرتبطة مباشرة بقيادة الحرس الثوري الإيراني الموجودين في صنعاء، من أن الأجنحة الأقوى تأثيراً ونفوذاً والمرتبطة بالحرس الإيراني، ستستغل الهدنة الأممية المُعلن عنها، لتتفرغ خلالها لإضعاف الفصائل الأخرى المنافسة لها داخل الميليشيات، إضافة لتنفيذ تصفيات جسدية للعديد من القيادات العسكرية والمشايخ والشخصيات التي تعتبرها القيادة الحوثية عناصر مُزعجة. ويقول شيخ قبلي كبير في مناطق سيطرة الحوثي ل"الرياض" طلب عدم ذكر اسمه، خوفاً من تعرضه للتصفية بسبب وجوده في صنعاء: "إن هناك حرباً خفية بين الأجنحة الحوثية المتصارعة، وعندما تكون الحرب مشتعلة في الجبهات القتالية مع الحكومة الشرعية والمقاومة الشعبية تعمل قيادة الميليشيات على تهدئة وتخفيف وتيرة هذه الحرب الخفية بداخلها، ويشعر الجناح العقائدي المرتبط بالإيرانيين ويقوده عبدالملك الحوثي في هذه الحالة، بالحاجة لبقية الأجنحة والقيادات العسكرية والقبلية والسياسية ورجال الأعمال المحسوبين عليها من أجل استغلالهم في الحرب ضد السلطة الشرعية". ويضيف "حين تتوقف المواجهات في الجبهات القتالية وتُعلن هدنة برعاية أممية، تشعر قيادة الميليشيات بعدم الحاجة للأجنحة والقيادات والمشايخ والشخصيات العسكرية التي تعتبرهم عناصر مُزعجة وترى أن ارتباطهم بها وعلاقتهم معها قائم على أساس المصلحة وليس الولاء والعقيدة" مشيراً إلى أنها سرعان ما تستغل الهدنة الأممية، لاستئناف حربها الداخلية الخفيّة للتخلص من بقية الأجنحة الحوثية غير العقائدية. في هذا السياق تحدث عضو المجلس السياسي الأعلى للانقلاب الحوثي الشيخ سلطان السامعي عن إجباره على مغادرة صنعاء، وسط أنباء عن انتقاله إلى المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات الحوثي شمالي محافظة تعز، ويعد شخصية حوثية بارزة عمل منذ 2010 لاستقطاب المنتسبين للأحزاب اليسارية لصالح الحوثيين بحكم أنه ذو توجه يساري مؤيد للثورة الخُمينية ومالك قناة الساحات الفضائية المُمولة من إيران ومقرها في الضاحية الجنوبية لبيروت. ومنذ مايو 2019 ظهرت ملامح صراع بين جناح الشيخ سلطان السامعي وجناح أحمد حامد، مدير مكتب رئيس المجلس الانقلابي مهدي المشاط، حيث احتج السامعي على قرار حامد بمنع أعضاء المجلس السياسي الأعلى للانقلاب بمخاطبة حكومة الانقلاب إلا بتوقيع من مكتب المشاط، معتبراً هذا نوعاً من الإقصاء والتهميش. اتهم الشيخ السامعي، ميليشيات الحوثيين، بإقصاء أعضاء المجلس السياسي الأعلى للانقلاب، وإدارة صنعاء كما تدار "البقالة". إلى ذلك توعد القيادي الحوثي والمعين عضو في مجلس شورى الانقلاب، عبدالسلام جحاف، بتمزيق وتصفية أمين أبو راس، عضو المجلس السياسي الأعلى للانقلاب ورئيس المؤتمر الشعبي العام في صنعاء. ويقول كوادر وقادة المؤتمر الشعبي العام في صنعاء: إن الجناح العقائدي الحوثي المرتبط بالحرس الثوري الإيراني في صنعاء المُحتلة، زاد من حدة استهدافه لحزب المؤتمر وكوادره القيادية والجماهيرية في المناطق الواقعة تحت احتلال الحوثيين خلال الهدنة الأممية التي جرى تمديدها الثلاثاء الماضي، شهرين إضافيين من 2 أغسطس الجاري حتى 2 أكتوبر المقبل. وأنشأت ميليشيات الحوثي كياناً بديلاً لحزب المؤتمر الشعبي العام، تحت مسمى "أحرار المؤتمر" بقيادة عضو اللجنة الدائمة الرئيسة، عضو مجلس النواب عن المؤتمر، الشيخ علي الزنم، ضمن محاولاتها لتمزيق الحزب، لكن قيادة المؤتمر سارعت في يوليو الماضي، أثناء الهدنة الثانية، إلى اتخاذ قرار فصل الشيخ الزنم من المؤتمر بتهمة تمزيق الحزب لصالح الحوثي.