تسارعت الجهود الدولية، لاسيما من قبل الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط، خلال الساعات الماضية لنزع فتيل توتر يتكرر في هذا التوقيت من كل عام خلال السنوات القليلة الماضية مع إصرار متطرفين يهود على اقتحام باحات المسجد الأقصى في القدسالمحتلة، ونشوب مواجهات شبه يومية بينهم والشرطة الإسرائيلية من جهة وبين الفلسطينيين من جهة أخرى. وأجرت الإدارة الأميركية سلسلة اتصالات مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وأطراف أخرى دعت خلالها إلى المحافظة على "الوضع التاريخي" في حرم المسجد الأقصى، ووقف "الاستفزازات" الإسرائيلية في الأماكن المقدسة. وتحدثت مصادر فلسطينية عن تحركات مكثفة لمصر والأمم المتحدة للتوسط بين الاحتلال والفصائل الفلسطينية في غزة، بعد تهديد الأخيرة بالرد على "الاعتداءات" في المسجد الأقصى. كما أجرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اتصالين هاتفيين بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، بهدف دفع جهود التهدئة، وشدد غوتيريش على ضرورة "تجنب أي استفزاز بأي ثمن". وفي السياق ذاته، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة مغلقة بناء على طلب من الإمارات وفرنسا والصين والنرويج وأيرلندا بشأن التوترات والمواجهات في القدس، إلا أن الانقسام كان سيد الموقف، فدعت خمس دول أوروبية، لم تنضم إليها الإمارات ولا الصين، إلى إنهاء المواجهات والتوتر وإدانة "جميع أعمال الإرهاب وإطلاق الصواريخ من غزة على جنوب إسرائيل". وقالت أيرلندا وفرنسا وإستونيا والنرويج وألبانيا في بيان مشترك: "يجب أن يتوقف العنف فورا، يجب تجنب وقوع المزيد من الضحايا المدنيين.. يجب أن يتم احترام الوضع الراهن للأماكن المقدسة بالكامل". وتزامن ذلك مع إعلان الفصائل الفلسطينية "حالة الاستنفار والتأهب" في صفوفها خلال الأيام القادمة. وأكدت الفصائل في بيان، عقب اجتماع مشترك لها بدعوة من حركة حماس في غزة، "استمرار رفع حالة الاستنفار العام حماية للأقصى والقدس من عدوان الاحتلال". ودعت الفصائل إلى "استمرار حالة الاشتباك الدائمة بكل أشكالها مع الاحتلال في الضفة الغربيةوالقدس والخليل دفاعاً عن المقدسات ورفضاً للاحتلال والاستيطان والتهويد". وحذرت من أن "الهجمة الشرسة التي تستهدف القدس والمسجد الأقصى لن تقتصر على اليومين المتبقيين من عيد الفصح اليهودي، وهي مستمرة خلال الثلث الأخير من شهر رمضان المبارك والأيام التي تلي عيد الفطر السعيد". وعرضت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس مشاهد مصورة لاستهداف مسلحيها طائرات حربية إسرائيلية أثناء شنها غارات على قطاع غزة ليل الاثنين /الثلاثاء. وذكرت مصادر فلسطينية أن الطائرات الإسرائيلية قصفت بعدد من الصواريخ موقعا تابعا لأجنحة عسكرية في خان يونس جنوب القطاع، ما خلف أضرارا مادية، وكانت هذه المرة الأولى التي تشن فيها إسرائيل غارات على غزة منذ أشهر. ويرى مراقبون أنه مع تصاعد نذر اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية ربما يكون مستقبل الائتلاف الإسرائيلي الهش على المحك وسط انسحابات منه وتعليق القائمة العربية مشاركتها فيه بسبب الاعتداءات على الأراضي الفلسطينية والأقصى. وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن الحكومة الإسرائيلية تواجه خطر "الانهيار الوشيك"، وتابعت الصحيفة في تحليل لها أن "الائتلاف الحاكم الإسرائيلي يواجه تمردا محتملا من جانب حزب عربي مستقل حذر من أنه سيترك الحكومة إذا استمر العنف حول المسجد الأقصى"، في إشارة للقائمة العربية الموحدة. ورأت الصحيفة أنه إذا انسحب حزب "القائمة العربية الموحدة" أو حتى أحد أعضائه، من الائتلاف الحاكم، فسيؤدي ذلك إلى أن تتحول حكومة نفتالي بينيت إلى حكومة أقلية، ومن ثم يستحضر سيناريو التصويت على حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات برلمانية خامسة في فترة تزيد قليلا عن ثلاث سنوات. ويقول محللون: إن الحكومة الإسرائيلية تحاول من هذا المنطلق احتواء الأمور وعدم التصعيد، إلا أنها تدفع من قبل بعض المتطرفين إلى تحركات لا ترغبها. ويرى نهاد أبو غوش الكاتب الفلسطيني المتخصص في الشؤون الإسرائيلية أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اعتادت احتواء التيارات الدينية الأصولية، وإشراكها في مؤسسات الدولة، "ولكن وفق حصة محدودة وغير حاسمة"، ولكن في العقدين الماضيين، "بتنا نشهد جنوحا متزايدا من قبل المجتمع الإسرائيلي وتياراته المختلفة نحو اليمين واليمين المتطرف". وعزا ذلك لأسباب كثيرة من بينها "ارتفاع نسبة المستوطنين في القدس والضفة إلى مجمل اليهود في المجتمع الإسرائيلي، حيث تضاعف عددهم أكثر من ست مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو (1993) حتى الآن، أي من نحو 120 ألف مستوطن إلى أكثر من 750 ألفا، وزادت نسبتهم في المجتمع الإسرائيلي من حوالي 3 % إلى أكثر من 12 % حاليا". وأضاف أن "الجماعات اليمينية المتطرفة انتقلت من هامش الخريطة السياسية إلى مركزها المقرر، وباتت جميع التيارات الصهيونية تتعامل معها باعتبارها تيارات مشروعة تمثل جزءا أصيلا من المشهد الإسرائيلي العام". فهل يعمل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم على احتواء التوتر وعدم المجازفة بعملية عسكرية موسعة من أجل التفرغ لترميم صفوفه، أم أنه سيجد في تنفيذ عمل عسكري جديد على قطاع غزة طوق النجاة لتثبيت أقدامه؟!