مناسبة الاحتفاء بتأسيس الدولة السعودية الأولى يأخذنا إلى ملامح بعيدة رصدتها عدسة الذكريات التي توثق بحرص متناهٍ وأناقة بديعة كل ما حدث من تنظيمات مدروسة وقرارات حاسمة أرست القاعدة المتينة لتأسيس المملكة العربية السعودية وذلك وفق نظام العدل والأمن والأمان الذي نعيشه كمواطنين وينعم به المقيمون في كل المساحات الجغرافية لوطننا والذي يعتبر أساس الملك والركيزة الأولى نحو استقرار وتنمية أي بلد. التقاط التفاصيل وإعادة صياغتها عبر السطور كان مما رواه الرحالة الأجانب أثناء مرورهم بالجزيرة العربية وما شاهدوه من أحداث عاشوها وأصبحوا شاهدين عليها ووثقوها في مؤلفاتهم.. الدكتور سعود الخديدي الحائز على درجة الدكتوراه في التاريخ الحديث بجامعة الملك عبدالعزيز وعضو الجمعية التاريخية السعودية يأخذنا في رحلة سرد عميقة للأحداث من خلال قراءة متأنية قائلاً: نحاول أن نتتبع ما كتبه اثنان من الرحالة الذين زاروا شبه الجزيرة العربية الرحالة الأول هو "جون لويس بوركهارت" والذي تجول في شبه جزيرة العرب وقابل حكام الحجاز ورافق محمد علي في حملته على الحجاز وعرف مكونات حكم الدولة السعودية الأولى ونقل عن قرب العديد من الجوانب المهمة في تكوينها والتي من أهمها العدل والأمن. والرحالة الثاني أمين الريحاني والذي قابل الملك عبدالعزيز سنة 1922م حيث قدم من الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى شبه الجزيرة العربية وقابل الشريف حسين حاكم الحجاز وقتها ثم الإمام يحيى حميد الدين في صنعاء وقابل بعد ذلك الإمام محمد الإدريسي حاكم عسير وقابل حكام جنوب جزيرة العرب وحكام العراق وقابل السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن ويكتب عنه وعن تلك الرحلة. وتابع.. من خلال السرد نسلط الضوء على جانبين مهمين كتب عنها أولئك الرحالة ألا وهما العدل والأمن في الدولة السعودية إذا نجد الرحالة "بوركهارت" قد كتب عن العدل والأمن في الدولة السعودية الأولى وتحديداً في عهدي الإمامين عبدالعزيز بن محمد بن سعود والإمام سعود بن عبدالعزيز، إذا يذكر عن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود أن مناطق الجزيرة العربية كانت قبل أن تصبح لحكم آل سعود تخضع للفوضى لكن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود وابنه الإمام سعود قد علموا البدو احترام القانون والمحافظة على السلم العام كما علموهم أن يلتزموا بقرارات المحكمة في منازعاتهم وأن لا يحكم السلاح بينهم ويذكر "بوركهات" أن الإمام عبدالعزيز هو أول من أرسل القضاة إلى المناطق في ظل حكمه كما أنه كان يختار القضاة من بين أكفأ العلماء وأكثرهم استقامة حيث كان يخصص لهم مخصصات سنوية من الخزانة العامة وهؤلاء القضاة يحكمون بين الناس طبقاً للشريعة الإسلامية كما كان من حق المتخاصمين استئناف الحكم لدى قاضي الدرعية ويذكر "بوركهات" أن هذه الخطوة قد حمت البلاد من اللصوص والسرقة. وأشار "بوركهات" إلى أن سكان نجد والحجاز واليمن أصبحوا أكثر ارتباطاً بالنظام الجديد نظراً لأنهم عانوا الأمرين في سائر أنحاء البلاد ودون أن يعترض طريقهم أحد ولم يعد يخشي الناس قطاع الطرق الذين يعيشون على السلب والنهب، ثم يذكر عن الإمام سعود بن عبدالعزيز أنه قد اشتهر بعدله الصارم وذاع صيته في احترامه لأتباعه المخلصين ولكبار السن. ومن القوانين التي ذكرها "بوركهات" في عهد الإمام سعود أن السارق يجبر على إعادة ما سرقه، والاكتفاء بذلك أما إذا صاحب السرقة (عنفا) فإن العقوبة تتجاوز مجرد رد الأشياء المسروقة التي تقدر بقدرها، وإذا صاحب السرقة قتل أو إصابة فقط، فإن العقوبة تختلف وفق كل حالة، ويذكر أيضاً أن الإمام سعود حاول الحد من حالات الطلاق بين مواطنيه لأن زيادة معدلاته تؤذي من الناحية الاجتماعية والأخلاقية. فيما أشارٍ د. سعود إلى ما ذكره الريحاني في كتابه ملوك العرب أن العدل والأمن صنوان فلا يقوم واحد دون الآخر كما يشير إلى ذلك أ.د عبدالعزيز الثنيان بجامعة الملك عبدالعزيز في بحثه و دراسته المعنونه "شخصية السلطان عبدالعزيز كما رسمها "يراع الريحاني "في ملوك العرب وفي تقريره السري "كتاب الريحاني" إذا يذكر الريحاني أن حكم ابن سعود لا يعرف في سبيل العدل كبيراً أو غنياً، ثم يضرب الريحاني بعض الأمثلة التي تدل على عدل السلطان عبدالعزيز وإقامة الحقوق بالقسطاس المستقيم؛ ليعم الأمن والأمان البلاد كلها إذ يقول "الريحاني" واذا كان العدل أساس الملك فالأمن أول مظهر من مظاهر العدل، وفي نجد اليوم مساحة شاسعة من الأمن ما لا نجده في بلادنا أو في أي بلاد متحضرة، حيث يقول: ولا يعتقد القارئ بأنني أبالغ بما أقول.. رحلتي لنجد استغرقت 5 أشهر قطعت خلالها الدهناء مرتين جنوباً في طريقي من الأحساء إلى الرياض وشمالاً في طريقي من القصيم إلى الكويت كانت حقائب مالي مكسورة والأقفال مفتوحة وهي بعيدة عني طوال النهار مع الحملة وكان في خدمتي أناس من البدو ورغم ذلك لم أفقد شيئاً من حاجياتي، واختتم حديثه بأن الأمن في نجد لا يحتاج لرحلة إثبات، فالمسافرون من مكان لآخر والقوافل تسير 40 يوماً دون أن تتعرض لأذى في رحلتها. أمين الريحاني جون لويس بوركهارت