في ظل حالة التشكك التي تنتاب السلطات الصينية تجاه شركات التكنولوحيا المحلية، والحملة التي شنتها السلطات ضد هذه الشركات خلال العام الماضي تصور بعض المحللين الغربيين أن الصين ستفقد أحد أهم أسلحتها في الصراع التكنولوجي الذي تخوضه ضد الولاياتالمتحدة. لكن التطورات على الأرض الصينية كشفت عن ظهور سلاح جديد قد يكون أكثر فعالية وأقل إثارة للقلق وهو شركات التكنولوجيا الناشئة الصينية أو ما يطلق عليها اسم "العمالقة الصغار". وفي تحقيق نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، ترصد الوكالة الأميركية رهانا صينيا جديدا على جيل جديد من الشركات الناشئة التي تم اختيارها في إطار برنامج حكومي طموح يستهدف تعزيز صناعة التكنولوجيا والإلكترونيات الصينية حتى تتمكن من منافسة وادي السيلكون ،عاصمة التكنولوجيا، الأميركية. وقد أثبتت هذه الشركات، غير المعروفة غالبا، قدرتها على تقديم أشياء مبتكرة وفريدة، وتستهدف قطاعات مهمة استراتيجيا مثل الإنسان الآلي والحوسبة الكمية وأشباه الموصلات. ورغم أن برنامج "العمالقة الصغار" بدأ منذ نحو عشر سنوات، فإنه لم يلفت الانتباه قبل الحملة القوية التي شنتها السلطات الصينية ضد إمبراطوريات التكنولوجيا العملاقة مثل علي بابا وتينسنت تكنولوجي. فقد أصبح لقب "عملاق صغير" يعني بالنسبة للمستثمرين والموظفين أن الشركة التي تحمله في منأى عن العقوبات التنظيمية التي تستهدف شركات التكنولوجيا العملاقة. ومنح الرئيس الصيني شي جينبينج مباركته الشخصية لهذا البرنامج وهو ما اعتبره لي كاي فو المدير الإداري المؤسس لشركة سينوفيشن للاستثمار "مساعدة للشركات الناشئة بطرق عديدة: فهو دعم وضمانة وشرف. إنه خاتم الموافقة" لهذه الشركات. ويعتبر هذا البرنامج عنصرا أساسيا في استراتيجية طموحة للحزب الشيوعي الحاكم في الصين لإعادة بناء صناعة التكنولوجيا الصينية. فعلى مدى أكثر من عقدين تبنت الصين نموذج وادي السليكون الأميركي بدرجة كبيرة، وهو ما سمح لرواد الأعمال والمستثمرين بتحقيق طموحاتهم بأقل قدر من الرقابة الحكومية. وأدى هذا إلى نجاح ضخم وظهور كيانات صينية عملاقة. لكن الحكومة الصينية بدأت تشعر بالقلق من تنامي قوة ونفوذ هذه الكيانات فبدأت التحرك ضدها على مستويات متعددة. وفي الوقت نفسه بدأت الصين تحويل موارد وإمكانيات قطاع التكنولوجيا نحو المجالات الأهم من الناحية الاستراتيجية مثل الرقائق الإلكترونية والتطبيقات الكبيرة. ومنذ عام 2019 منحت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية 4762 شركة ناشئة لقب "عملاق صغير"، أغلبها تعمل في مجالات أشباه الموصلات والآلات الذكية والصناعات الدوائية. ويأتي هذا النمو بحوافز سخية من الحكومة المركزية أو السلطات الإقليمية بما في ذلك تخفيضات ضريبية وقروض سخية وسياسات تسهل استقطاب المواهب في هذه المجالات. وجاءت الحرب التجارية التي شنتها الولاياتالمتحدة ضد الصين في سنوات حكم الرئيس السابق دونالد ترمب لتزيد إصرار الحزب الشيوعي على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا والصناعة. فقد اتضح ضعف وانكشاف الموقف الصيني عندما قرر ترمب فرض عقوبات على شركات صينية عملاقة مثل هواوي تكنولوجيز لمعدات الاتصالات وسيميكونداكتور مانيفاكتشورنج إنترناشيونال كورب، مما حرمها من شراء مكونات أميركية حيوية مثل الرقائق والبرمجيات الصناعية، ومثل أنظمة تشغيل الأجهزة الذكية، مما جعل الصين تستهدف تحقيق استقلال تكنولوجي على أوسع نطاق. وفي يناير الحالي رصدت وزارة المالية الصينية 10 مليارات يوان على الأقل لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة حتى 2025، حيث يتم توجيه جزء من القروض مباشرة إلى الأبحاث ذات الأولوية في الشركات الناشئة. وتستهدف الصين وجود 10 آلاف شركة تحمل لقب "عملاق صغير" بحلول 2025. ويقول باري ناوتون أستاذ الاقتصاد الصيني في جامعة كاليفورنيا الأميركية "من الواضح أن اختيار هذه الشركات يخضع لاحتياجات وسياسات صناعية محددة للصين، يتم اختيار الشركات ليس فقط لأنها شركات جيدة، لكن لآنها أيضا تلائم احتياجات السياسة الملحة للحكومة في اللحظة الراهنة".