لا شك أن غياب الجرأة وروح المبادرة يفوت كثيراً من الفرص في مجال العمل، فقد يتقن الشاب مهارة معينة، ويكون مهيأ لنيل جرعة تدريبية تعزز من قدراته، بيد أنها تتبخر عند أول مقابلة توظيف ينالها، في ظل غياب التهيئة والإعداد الجيد، وكيف يقدم نفسه للآخرين من خلال بناء سيرة ذاتية موضوعية تليق بمسيرة طالب أو متدرب، الفكر يحتضن الأساس، واكتمال البناء منوط بالتدريب والممارسة، وقبل هذا وذاك عامل الثقة ومدى رسوخها في نفوس الشباب، والتي تعد حجر الزاوية في انطلاقته وتحقيق طموحاته، وبقدر ما تشكل الثقة زخماً معنوياً رئيساً في البناء الفكري المؤسس لثقافة العمل، تجد النيل منها يتسرب عن حسن نية من خلال مؤثرات تسهم في تمرير الضعف والقدح في المستوى والمحتوى، بمعزل عن قياس موضوعي منصف وبتعميم يجانب الصواب، لا سيما حين يكون التساؤل منصباً حول عدم تأهيل الشباب لسوق العمل، باختلاف أنشطة السوق وتنوع المهن، من قال ذلك؟ وكيف يطمح الشاب إلى بناء ذاته وتحقيق التوازن لا سيما النفسي، وهو يقرأ النتيجة سلفاً، أنه غير مؤهل للعمل؟ أضف إلى ذلك النقد المتواصل للتعليم، وأنه غير قادر على تأهيل الشباب، ومعول المخرجات الذي ما برح ينال من المستوى المعنوي العام وفق عنصر التشكيك، إن انخفاض الروح المعنوية بهذا الشكل فضلاً عن انتفاء الدقة والإنصاف وفق هذا التقييم الاستباقي الذي يقود إلى مزيد من إحباط الشباب لتزيده وهناً على وهن، إطلاق صفة العموم في النقد سواء على مستوى التعليم أو المهارات المكتسبة ينهك قوة الإرادة، الدافع الرئيس للمضي قدماً إلى الأمام، فضلاً عن أن النتائج على الأرض توحي بغير ذلك، رفقاً بمشاعر الشباب الذين أفنوا أعمارهم في تحصيل العلم والمعرفة، ورحمة بالعقول التي تتوق إلى ما يضيف في مسار البناء والتنمية، القادمون من خلف البحار، البعض منهم يأتون إلى البلد وهو لا يجيد حرفة واحدة، غير أنه يملك الدافع للتعلم من الآخرين، أي أن خلفه فلسفة إدارية ناجحة، ومؤازرة شعبية ووطنية، تدفعه إلى الأمام وإلى تحقيق المصلحة العامة طبقاً لترسيخ الثقة كرسو الجبال على الأرض، فضلاً عن ذلك فإن جامعاتنا الوطنية والمؤسسات التعليمية ومراكز التدريب والأبحاث المختلفة تسابق الزمن، وها هي ولله الحمد تحقق وثبات متلاحقة في إطار التصنيف العالمي، وتؤكد أن المعضلة إطلاقاً ليست بالمخرجات، بقدر ما تكون بالتهيئة وتعزيز ثقافة العمل والعطاء من خلال الحس الجمعي وتقدير المصلحة الشاملة، إن التعامل مع الشباب يجب أن يأخذ بعداً منهجياً يعزز من مسار الثقة الذي يسلكونه، ليترجم القدرات والمهارات واقعاً ملموساً حينما يكون التركيز والقوة الذهنية منصبة على نهل العلم والمعرفة بعيداً عن التشويش ومعول التشكيك الذي يهدم ولا يخدم، أوجد لي إنساناً ناجحاً لم يتعثر في البداية مرة أو مرتين وأكثر من ذلك، ولكنها المثابرة والصبر والإصرار على تحقيق الهدف، ترشيد النقد لا يعني إقصاؤه بل تهذيبه وصقله وموضوعيته، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بقطاع التعليم، وقود حضارات الأمم، ليؤدي الهدف منه بلوغاً إلى الرفع من مستوى الاستيعاب وتعزيز الثقة، ثقافة العمل تتطلب جهداً وتكاتف الجميع، ويجب دفعها في الاتجاه الصحيح، ورسالتي إلى كل شاب: أعلم بأنك ترغب في وظيفة تؤمن بها مستقبلك، وتخدم فيها وطنك، وتحقق من خلالها ذاتك، كعضو منتج فاعل، وأنت كذلك بإذن الله، يجب أن تتحلى بالصبر والالتزام والمثابرة وقوة الإرادة لتصل، لا تخجل، خذ المعلومة من الكبير والصغير، اسأل عن كل شيء خصوصاً في مجال العمل، في المدرسة تصلك المعلومة، في العمل يختلف الأمر، إذ يجب أن تبحث لتصل إلى المعلومة، بل إن إصرارك على حصولها ممن لديهم الخبرة دليل وعيك، ولا تحصر قدراتك في نطاق ضيق، وتصر على وجود عمل يناسب التخصص، فالشهادة هي جواز مرور لمحيط الحياة الأعم والأشمل، إلى ذلك فإن القطاع الخاص لاعب رئيس في المعادلة، ويقع على عاتقه جزء من تحقيق هذه المهمة النبيلة وفقاً لمسؤوليته الوطنية، وهو شريك استراتيجي للتعليم لتحقيق المصلحة العامة على الوجه الأمثل، بل إنه المستفيد في هذا السياق، إن مفتاح النجاح هو منح الالتزام الأهمية القصوى في التعليم والتدريب بكل ما تحمله هذه الكلمة من مدلولات قيمة، ومن خلال تنمية العلاقة بين الموظف وجهة عمله في إطار هذا المفهوم الرائع، أضف إلى ذلك أهمية الثبات والاستقرار بهذا الصدد، نسأل المولى جل في علاه أن يوفق الجميع كل في مسعاه، إنه على كل شيء قدير.