مما لا شك فيه أن المصالح بشكل عام تنال الاهتمام والرعاية والحرص والعناية سواء على نطاق الدول أو المجتمعات ومؤسساتها بل حتى على نطاق الأفراد، وفي اطار المصلحة ينبثق الحرص على الجودة بمفهومها الشامل سواء كانت مرتبطة بالمنتج أو الخدمة، أو من خلال الاختيار وأعني بذلك اختيار القيادات المعرفية المؤهلة لصيانة المصالح والمحافظة عليها في ضوء تحقيق التطلعات، وحينما يتم استيعاب تقدير المصلحة بشكل يتوافق مع الأهداف المرسومة أو بالأحرى تحقيق الحد الأعلى فإن ذلك يعد مؤشراً لإيجابية التفكير، الفكر العام يحتوي الفكر الخاص، فلا يمكن بحال من الأحوال استغناء الشخص عن الكهرباء والماء على سبيل المثال، وهي نتاج فكر عام ناهيك عن الخدمات الأخرى من طرق ومستشفيات وتعليم وخلاف ذلك، وينعكس ارتقاء مستوى التفكير على النمط السلوكي، بمعنى أن الإدراك المستنير وارتفاع الحس المعرفي يؤسسان للإحاطة بالأبعاد وبالتالي يسهم هذا الأمر باختزال المساحات المهدرة والتي تنتج في الغالب من صعوبة تحديد النقاط المستهدفة بدقة فضلاً عن التأثير على مستوى الإحساس العام والذي يعد المؤشر لحالة الاطمئنان التي يصبو إلى نيلها الجميع، الوقت في الغالب لا يستثمر بالشكل المطلوب أو بالأحرى تحقيق الحد الأعلى من الاستفادة منه، ليجثم الهدر على كاهل الطاقة ويسهم في إعاقة التطوير ويؤثر وبشدة في مسيرة التنمية وخططها الطموحة والتي يتطلب تطبيقها جهداً مقروناً بالحرص والإخلاص على تحقيق المصلحة والمحافظة عليها، وما لم يتكاتف الجميع في مسألة المحافظة تلك فإن ذلك سينعكس على الفكر الخاص وهو الفرد، بمعنى انه لن يجد مستوى الخدمة جيداً لأنه لم يقدمها بنفس المستوى الذي يأمل ان يحصل عليه وبنفس الجودة التي يؤملها أو يشارك في تحسينها بشكل أو بآخر وبالتالي فإن فقدان هذه الامتيازات مقرون بشح العطاء فلم تبخل في العطاء الجيد وفي نفس الوقت ترغب في أن تأخذه من الآخرين وبالجودة التي تتمناها، ان تقدير المصلحة يعتبر من أهم العوامل التي تسهم وبفاعلية في تحقيق الأهداف اذ ان الارتباط بين تقدير المصلحة والولاء يجسد عمق المفهوم ويعبر عن حتمية التناغم والتآلف بين العنصرين، الفرد جزء من الكل والمصلحة مشتركة في كل الأحوال، اذ ان تفعيل مفهوم تقدير المصلحة وتمريره منوط بالجهات القيادية التي ترسم التوجهات سواء على صعيد الشركات والمؤسسات، أو على صعيد البرامج التي تنحو إلى الارتقاء بمستوى الأداء وبلوغ الإتقان ناهيك عن دور التعليم والإعلام المحوري بهذا الخصوص، دعوني اسوق مثالاً بسيطاً على مسألة تقدير المصلحة فحينما ترغب في السفر إلى جهة معينة ولا يوجد لديك حجز بهذا الخصوص وسفرك جاء لأمر طارئ فإنك في هذه الحالة ستتوجه إلى المطار آملاً في الحصول على مقعد انتظار فلا تجد المقعد في حين ان المشكلة الحقيقية تكمن في إقلاع الطائرة بعشرة مقاعد خالية أو أكثر، فمن الخاسر في هذه الحالة وأين تقع المسؤولية بهذا الصدد، الطائرة أقلعت بكامل طاقتها وتجهيزاتها، وخسارة عشرة مقاعد تشكل هدراً ليس له ما يبرره وفي نفس الوقت حرم عشرة أشخاص من السفر وتعطلت مصالحهم، وكل هذا ناتج عن اللامبالاة وغياب تقدير المصلحة كلاعب أساسي يعتمد عليه الفريق في تحقيق الأهداف فلا أهداف بدون هداف وهو تقدير المصلحة. هذا نموذج لعدة نماذج تسهم بشكل أو بآخر بالهدر والتعطيل والسؤال هنا لماذا يحدث هذا الأمر؟ ولماذا يغيب الاهتمام بالمصلحة على هذا المنوال؟ هل هي أزمة ثقافة والتزام أم أزمة ثقة أم ماذا؟ حتماً هناك حلقة مفقودة بهذا السياق ألا وهي الربط المعنوي والمادي، الربط المعنوي بتفعيل جانب الولاء والانتماء من خلال تهيئة بيئة عمل يظللها الاستقرار المعنوي في ظل وجود علاقة حميمة متينة بين المسئول والموظف بين المنشأة والمسئول.الأفكار تؤسس وأعمدة التأسيس الإرادة والصبر والمثابرة، فإذا تهيأت هذه العناصر فإنها ستحمي المستوى المؤهل للتمرير والإنجاز، فقوة الإرادة تكمن في تطبيق الأمانة المهنية والمسؤولية الأدبية،، وفي سياق ذي صلة سأورد تجربة مررت بها او بالاحرى موقفا كان له ابلغ الاثر وهو انه في احد الايام وفي مقر عملي في الشركة التي اعمل بها كان لي زميل من الجنسية الهندية وهو يعمل في قسم الحاسب الالي "مبرمج" ومن محاسن الصدف ان الفراش الذي يعمل الشاي كان خارج مبنى الشركة فدخلت المطبخ لأعمل لنفسي القهوة فوجدت زميلي داخل المطبخ لنفس الغرض ولكنه سيعمل كوب شاي. فوجدت ان الماء كثير داخل الاناء الصغير والذي يعمل فيه القهوة التركية فهممت بسكب الماء الزائد في الحوض، فأخذ مني الاناء وسكب الماء الزائد داخل الابريق الكبير فتأثرت حقيقة بهذا الموقف ايجاباً وتأملت اهمية تقدير المصلحة والسبب الذي يجعلك تعيش في الهند بأربعمائة ريال في الشهر اذا كان الحرص بهذا المستوى وهذا ينطبق على اشياء كثيرة نهملها وهي في غاية الاهمية ونحن نسكب مياها تكفي لسقيا حدائق العالم ومتنزهاته. ولاشك ان الحس الوطني الصادق حجر الأساس، إن أوقاتاً تضيع وطاقات تهدر لا لشيء سوى شكليات يتجاوزها الخبراء والباحثون في التخطيط ويتعثر بها الأفراد في التطبيق في حين ان غياب مفهوم تقدير المصلحة عن الاذهان سيسهم في الهدر والتعطيل،، مع العلم أن تعزيز هذه الجهود يتأتى كما أسفلت من الفرد وهو الهدف الذي تعد الخطط من أجله ولسعادته، أي إنه جزء لا يتجزأ من الخطة بل هو العنصر المعول عليه في طرق سبل التطور والازدهار،، إنه الإحساس بتعزيز النتائج في ضوء ما تحقق وسيتحقق بإذن الله. ان التأسيس لغرس هذا المفهوم الراقي والمتحضر ينبغي أن يتم شرح أبعاده وجوانبه الإيجابية بحيث ينطلق من الأساس، في التعليم في التدريب ومن خلال وسائل الإعلام ان الاهتمام بالأسباب أجدى من الاهتمام بالنتائج فالنتائج حصيلة هذه الأسباب، فإذا استوعب الطالب سبب الاهتمام والحرص بتقديم الخدمة على المستوى المأمول وأدرك بأن النتائج ستعود عليه بشكل أو بآخر فإن الطاقة الإيجابية الكامنة ستتجه لمراقبة النتائج ليحيله هذا التفكير الايجابي إلى العناية بالمصلحة فضلا عن شعوره في الرضا عن الأداء، حينما استوعب القيمة الحقيقية للإنتاج وحينما اتجه لنيل محبة وتقدير الجميع ليحبه الجميع ويقدروا مايقوم به وفي اطار منحه القيمة المعنوية التي يستحقها.