رغم عراقة العلاقات السعودية العمانية، وتاريخها المديد، إلا أن الزيارة التاريخية لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان للمملكة، تكتسب رمزيةً استثنائيةً في توقيتها ومضمونها ورسائلها المتعددة، ولعل أبرز مخرجاتها إبراز تطابق مواقف البلدين تجاه الملفات الإقليمية والدولية والاقتصادية، وهو الأمر الذي يصب في سياق السياسة الخارجية الجديدة للمملكة التي تُعلي من أهمية تولي دول المنطقة لمصالحها والمبادرة لحل الأزمات الإقليمية من خلال مقاربات الدول المعنية بعيداً عن أي محاولات خارجية لفرض الحلول أو تشكيل المنطقة بمنأى عن مصالح دولها. العلاقة السعودية العمانية التي تدخل فصلاً جديداً بعد قمة نيوم تمثل في هذا الإطار مفهوماً حديثاً للعلاقات البينية بين الدول، مفهوم يتجاوز خطاب العاطفة والتاريخ والمصير المشترك، ويذهب إلى ما هو أبعد وأكثر تأصيلاً للعلاقة، عبر خلق شراكة اقتصادية وتنموية مستدامة تنعقد ثمارها لطرفي العلاقة ما يجعل استمرارها مصلحةً مشتركةً، وهذا المفهوم الذي باتت المملكة تنتهجه في كل علاقاتها يعكس رؤية المملكة للمستقبل الذي تريده للمنطقة، عبر تعزيز الاستقرار والرؤى التنموية، وإعلاء قيم السلام والاعتدال، وهو الأمر الذي يمثل مصلحةً عليا وهدفاً ثميناً لجميع دول المنطقة دون استثناء. ما تواجهه دول التعاون والمنطقة برمتها من تحديات وأزمات متعددة، يجعل المقاربة الجديدة لطبيعة علاقات المنطقة، ذات أهمية بالغة، فنسج الشراكات الاقتصادية الثنائية أو بصيغة تحالفات واسعة، وبناء الصلات التنموية المشتركة يمثل حصانة للمنطقة ليس ضد التحديات الخارجية فحسب، بل وحتى ضد الخلافات العابرة، أو تباين الرؤى داخل المنظومة ذاتها، وهو ما سيفضي لكبح تداعيات أي خلاف، وضبط وتيرة العلاقات البينية، وما هو أهم أنه سيغلق الطريق أمام أي أجندات معادية تسعى لانتهاز أي تباين أو خلاف لاختراق المنطقة وتمرير مشروعاتها الساعية للهيمنة أو للفوضى..أو للأمرين معاً.