من حاجات الإنسان المهمة بعد الحاجات الفسيولوجية والحاجة إلى الأمن، حاجاته الاجتماعية ومنها العلاقات الأسرية والاجتماعية والانتماء إلى مؤسسة أو نادٍ أو جمعية. نقرأ في نصائح بعض المهتمين بالتطوير الذاتي نصيحة تقترح على الإنسان اعتزال الناس كي يتخلص من المشكلات، والعتاب، والالتزامات الاجتماعية، وواجبات الصداقة. تأتي هذه النصيحة الكبيرة بسبب مشكلة صغيرة تحدث بشكل طبيعي في العلاقات الإنسانية. ينحو بعض المشتغلين في موضوع التطوير الذاتي من المدربين والمؤلفين إلى التطرف في تعزيز استقلالية الفرد تحت شعارات مثل، كن أنت، لا تلتفت لرأي الآخرين، كن مستقلاً.. إلخ. هذه النصائح تفترض أن النجاح لا يتحقق إلا بالاستقلالية أو العزلة والاعتماد الكلي على النفس، وتفترض أن المجتمع يمثل عقبة أمام الناجحين والمبدعين. تلك نصائح غير منطقية وغير واقعية. إليكم ما يقوله ألبرت أينشتاين: "أذكر نفسي مئات المرات في اليوم بأن حياتي تعتمد على جهد وعمل رجال آخرين سواء كانوا أحياء أم أمواتاً، وأنه يجب على أن أبذل قصارى جهدي لأعطي بنفس المقدار الذي أخذت به وما زلت آخذ به"، هذه المقولة تجمع بين التواضع والامتنان، وحاجة الإنسان الاجتماعية وأن بعض نصائح تطوير الذات التي تحث على الاعتماد الذاتي تميل إلى المبالغة في هذا الموضوع. يقول أحد الناصحين وهو د. واين داير مؤلف كتاب مواطن الضعف لديك: "إن مغادرتك للعش النفسي هي إحدى أصعب المهام الحياتية. إن أفعى التبعية والاعتماد على الآخرين تتسلل إلى حياتك بطرق لا حصر لها ويصبح الإجهاز عليها أكثر صعوبة. إن الاستقلال السيكولوجي يعني التحرر الكامل من كل العلاقات القهرية وكذلك غياب السلوك الموجه من قبل الآخرين". بعد هذه النصيحة يستدرك صاحبها ويقول: "إن مغادرة العش النفسي تعني أن تصبح مستقلاً بذاتك وأن تعيش وتحتار لنفسك السلوكيات التي ترغب فيها. لكن هذا لا يعني الانشقاق عن الآخرين بأي حال من الأحوال". نلاحظ في تلك النصيحة أنه يصف الاعتماد على الآخرين بأفعى التبعية، ويرى التحرر الكامل من العلاقات القهرية لتحقيق الاستقلال السيكولوجي. هنا يشعر المتلقي أن الرسالة في هذه النصيحة تقول إن النجاح مستحيل إلا بالاعتماد على الذات. وهذا أمر لا يتفق مع الواقع. في كل مجتمع، مثلما يوجد بعض المحبطين، يوجد أكثر منهم من الإيجابيين الداعمين المحفزين.