مع التصاعد في الإيقاع المهدد بدمار الأرض هناك تصاعد أشبه بتفجرات في الإبداعات البشرية في مجالات مختلفة، كمجال الاختراعات والألعاب الإلكترونية والبهلوانية ومجالات الفنون كالموسيقى والغناء، ولقد لوحظ خلال فترة الحجر الصحي التي قاربت الثلاثة أشهر أن المحجورين قد وجدوا عزاءً في الموسيقى، ولقد لاقت الإقبال البرامج التي تبحث عن المواهب الصوتية مثل برنامج «ذا فويس The Voice « في فرنسا عام 2020، الذي شهد جمهور مشاهدين لم يسبق له مثيل في تاريخه، حيث تم عرض عدة حلقات منه تم تسجيلها قبل فترة الحجر، وأخيرًا وللحلقتين ما قبل النهائية والنهائية فلقد تم تنظيمهما في الواقع الافتراضي، حيث قدم المتسابقون ال 12 عروضهم على مسرح خالٍ وإنما أمام جمهور في شاشات عرض من منازلهم، وأحد المحكمين المغنية لارا فابيان أيضًا تشارك على شاشة من مونتريالكندا، أيضًا يتكرر هذا المسرح الافتراضي مع برامج متعددة يتم تقديمها من البيوت ومن وراء شاشات الكمبيوتر. عالم جديد افتراضي يتشكل حولنا منذ سنوات، وجاءت الكورونا لتعجل باحتلاله لكثير من مسارح حياتنا. ولعل كارثة الكورونا قد كشفت بالذات عن هذا التسارع في الإبداع، الذي كان يختمر في العقدين الأخيرين، وجاء الوقت ليضعه بمسقط الضوء. ويعبر عن ذلك سايمون كاول رجل الأعمال البريطاني والمنتج الموسيقي، والكامن وراء فكرة برنامج اكتشاف المواهب الغنائية «بريطانيا لديها مواهب Britain Got Talent» «إكس فاكتور» البرامج التي تم تبنيها في مختلف دول العالم، يقول «هناك ظاهرة عالمية في مجال الغناء، من أطفال بأصوات لم يسبق توقعها بين حديثي السن، أطفال لا يتجاوزون الثالثة عشرة يتمتعون بحناجر ذهبية، يقومون بغناء أغان لقمم الغناء، وينجحون في طرحها بصورة عصرية متحدية»، ويشير بكونهم مثل أرواح قديمة تحل في أجساد صغيرة لنقل هذه الشحنة النورانية. ومن هؤلاء الطفلة النرويجية «أنجلينا جوردان Angelina Jordan» من مواليد 2006، التي فازت حين كانت في السابعة من العمر بمسابقة «النرويج لديها مواهب Norwege Got Talet»، والتي سحرت العالم حين ظهرت في البرنامج نفسه في نسخته الأميركية. أنجلينا ظاهرة بحق؛ إذ تظهر على المسرح حافية، ومهما كانت عظمة المناسبة والمسرح الذي ينظمها وفخامة الثياب التي ترتديها تظل قدماها حافيتين، كمن يستقبل الإيقاع من الأرض أو تتلقن الإلهام من الكون مباشرة. وفي مقابلة معها حين كانت في الثامنة من العمر تسألها المذيعة «متى بدأت الغناء؟ وبروح كالنسمة تتأرجح على قدميها الحافيتين قائلة: بدأت الغناء حين كنت في سن السنة والنصف! وتشعر بالمضيفة كمن لا يصدق فتسألها: أي أغنية كنت تغنين؟ وهنا تجيء الإجابة: لا أعرف، كنت أغني أغاني الجاز. ويصعق الجمهور، الذي لم يكن ليتوقع غير أنشودة أو هدهدة مواليد من ابنة السنة والنصف. وتتوقف: ما الذي سكن هذا الجسد الطفل ليصدح من خلاله؟ ومن هذا الجيل الصداح أيضًا الطفلة الكازاخستانية «دانيلا توليشوفا Daneliya Tuelshova» من مواليد 2006، التي فازت ب «كازاخستان لديها مواهب Kazakhastan got talent»، والتي شاركت في يورو فيجن 2018 وجاء ترتيبها السادس. قائمة طويلة من المبدعين في سن الثالثة عشرة، هم طليعة جيل يلفت الأنظار بما يتمتع به من رقة وبراءة، لكأنما هو جيل مسكون بأرواح هفهافة تجسدت على الأرض لتنشر هذا السلام والمحبة. هذا الجيل الجديد يمنحنا الأمل في مصير البشرية، وذلك من خلال قدرته على تقديم إبداعات لم يسبق لها مثيل، ومهما سرحت الكورونا وفتكت مع غيرها من الأوبئة والكوارث لا تخمد النار البشرية، بل ربما تزداد توهجًا وإبهارًا.