لا خسارة تُضاهي فقدان المُعتقد، فبهِ تدين كل أدوات السياسة الدولية في العصر الحديث، ولا أعتى عليها من سقوط الأدوات الفكرية ومشروعاتها، إن التزوّد بسلاح الفكر والمُعتقد لتوظيفه كأهم الأجندة السياسية يعدّ الثقافة الرائجة بين أوساط صُنّاع السياسة الإقليمية والدولية خلال الثلاثين عاماً الماضية (ما بعد العام 1991م) وتأرجحت ما بين الفشل والفشل الذريع بحسب عوامل الاستدامة المُصاحبة لها خارجياً كانت أم داخلياً، الأمر الذي تعيشه حالياً قيادات الجماعات الحوثية الإرهابية في اليمن من فشل السيطرة الفكرية والطائفية الذي سبق أن باعوها الشعب اليمني، ومن الواضح قصور تلك القيادات عن الإلمام باستراتيجيات الفكر كمشروعات مُؤسِسة لأنظمة سياسية حديثة غير مستقّلة، فغالبية المشروعات الفكرية المجنّدة سياسياً تُستخدم لأهداف متوسطة أو قصيرة المدى، وهي من العوامل التي ستؤدي لإسقاطه بالكامل خلال فترة ليست بالبعيدة، لإفاقة المجتمع من حالة الاستعباد الفكري، كذلك من أهم النقاط ضعف المشروع الحوثي باليمن التبعية السياسية غير المستقلّة التي تصطدم بقوة معاكسة كبيرة تُسببّ فشله هي الفروقات الكبيرة اجتماعياً وثقافياً بين مناطق تأسيس المشروع الفكري الحوثي وأصول الإمدادات الفكرية له، والنتائج تُقرأ حالياً على القيادات الحوثية باليمن التي بدأت فعلياً الدخول لمرحلة الصدام ومكونات الشعب اليمني الذي بدأ مرحلة استعادة الوعي، هذا الصدام يدللّ عليه بدء عمليات التسويق الحديثة وإعادته لمنطقة "الصفر" وهي الخطوة الفعلية لبدء مرحلة السقوط، فهذه المشروعات غير قابلة للاستدامة ما يجعلها مناطق رهانات سياسية عالية الخطورة، وبالفعل تعدّ مرحلة إعادة التسويق للمشروعات الفكرية استنزافاً هائلاً للموارد الاقتصادية والسياسية والبشرية، الصورة الحالية بالمناطق الحوثية في اليمن تشير إلى انحسار المشروع الفكري الحوثي هناك، هذا الانحسار يؤكد فقدان الأدوات الأخرى التي يتم توظيفها لتوجيه الميليشيات الإرهابية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، هذا التحوّل في أدوات التوجيه من حيث ضعف سلسلة الترابط فيما بينها يعدّ انهياراً لكامل المنظومة السياسية التي يقوم عليها المشروع الحوثي، لذلك فالفترة الزمنية القادمة تعدّ بداية لمرحلة التفككّ في المشروع السياسي الإيراني باليمن الذي يعمل تحت غطاء المذهبية الدينية، فمنذ تأسيس هذا المشروع كان بحاجة إلى نوعٍ من التوافق كبدايات لتأسيس المرحلة فعلياً، وهو ما تمّ على بعض المبادئ الدينية المتقاربة بين المذهبين، الزيدي في اليمن "صعدة" والشيعية الاثني عشرية في إيران، فمبدأ "الإمامية" وطقوسها المختصّة بإدارة الحكم السياسي كانت القاسم المشترك ما بين المذهبين، الأمر الذي سهّل عملية إنشاء المشروع الحوثي هناك، غير أن الكثير من الفروقات التي من المؤكد ستعمل على زعزعة المشروع وإسقاطه في النهاية، فالتضارب العقدي أكبر معاول الهدم في قلب المشروع الحوثي، الأمر الذي يعيش نتيجته الحوثيون حالياً، ما يزعزع ثقة التبعية في سلامة ونهج القيادة الحوثية أي نقطة تفكك أذرع المشروع وانحسار أدائه كمرحلة انتقالية لصعيد سياسي جديد يوائم مكوّنات الشعب اليمني وينمّي مقدراته الاقتصادية والسياسية التي تتنّوع ما بين الثروة الزراعية والبحرية وغيرها، لذلك فإن التوصّل إلى نظام سياسي معتدل يقوم على التنمية الوطنية سيحقق الرخاء والازدهار لليمن وشعبه. الفجوة الحالية التي تقوم على تهديد الميليشيات الحوثية ك"أزمة وجودية" ستستمر بالتداعي نحو ذروتها التي تحتّم سقوط المشروع بأكمله، وإقصاء المشروعات الإرهابية عن المنطقة نحو استقرار سياسي يراعي القيمة العليا التي تهدف إلى توظيف الثروات الاقتصادية لخدمة الشعوب وتعزيز رفاهيتهم المعيشية بعيداً عن ويلات الحروب.