جزى الله خادم الحرمين الشريفين خيراً، لما فتح الله عليه من الرحمة والإنسانية التي شعرت بها الرعية من مواطن ومقيم، بحسن الرعاية والتدبير، وحفظ الحقوق، ورعاية المحتاج دون النظر إلى جنس أو سن أو ملة.. (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).. كثير منا حين تقرع مسامعه هذه الآية يلتفت بلطف الخاطر إلى حياة أمه وأبيه، ولو كان في صلاة، فيستعرض طفولته بين يديهما، ويستحضر ملامح وجهيهما فتزيد في قلبه الرحمة لهما، فيبادر إلى الإحسان إليهما أو الترحم عليهما، وهذه جزئية من إنسانية الإسلام التي فقدت معانيها في كثير من تعاملات الخلق، ولا تقف إنسانية الإسلام بين هذين المزدوجين إذا ما تعمقنا بالتدبر في معنى (كما ربياني صغيرا)، فهو يتناول تناوب احترام الأجيال اللاحقة للسابقة، وفي التنزيل (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، ففضل السبق إلى الخير محفوظ عند ذوي النفوس المؤمنة والمشبعة بالإنسانية، وهذا فيمن سبق فكيف بمن له الفضل بعد الله في تربية المجتمع وتعليمه حتى قدموا كل ما بوسعهم من جهد ومال ووقت، وهم من تخطت بهم السنين مكامن القوة وأحوجتهم إلى غيرهم في الرعاية والإحسان؟ إن من حقهم علينا الإحسان والله يقول (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان). وقد يطول بنا المقام إذا ما أردنا ذكر بعض أمثلة الإحسان التي ضربها سلفنا الصالح في احترام وتوقير "المسنين" مهما كانت تكاليف الإحسان إليهم، الخاصة أو العامة، ولأننا في بلد مسلم توارث احترام الكبير ورحمة الصغير فقد يستحيل أن تجد المجتمع متواطئًا على انتقاص حق من حقوقهم مهما دق في العين، ولكننا بين الحين والآخر نسمع نتوءات خرجت عن مسار الإنسانية في بلدان أخرى، وأفكار تصدر عن عقول عقيمة لا تحمل من الإنسانية ما يؤهلها للكلام عن الإنسانية لذلك لا يحترمونها فيتحدثون عن "الموت الرحيم" ويتجاوزون تعريفهم لمن حكموا به عليه من كبار السن والضعفاء وذوي الأمراض والعاهات المزمنة ويريدون سن القوانين لذلك! أي قلب يحمله بين جنبيه ذاك الذي يتحدث عن التخلص من معلم أفنى حياته في تعليم من حكم عليه بالموت؟ أو إراحة ذاك العاجز عن خدمة نفسه من الحياة؛ لأنه صار عبئًا على المجتمع وعلى ذويه؟ بأي منطق يتحدث هؤلاء؟ ألم يكن ذاك العاجز مربياً صابرًا على طفولة ذاك الطبيب، وذاك المخترع، وذاك العالم، وذاك القائد، فأين الجزاء الإنساني؟ أين حفظ المعروف، أين الوفاء؟ في هذه الأيام نسمع طشّات من هنا وهناك في بلدان لها وزنها الحضاري تتكلم عن ترك كثير من المسنين يصارعون الموت مع كورونا، ويذهب الاهتمام للأقوياء ومن لم يزل يانع الحياة، ويعطى الاهتمام لأصحاء الأبدان قليلي الأعمار وهو أمر نرجو، أقول نرجو أن يكون مجرد كذبات إعلامية، وتضخيمات تويترية وفيسبوكية؛ لأنه أمر ينذر بهلاك ويبشر بعقاب للإنسانية، ولعله يثير الشكوك في صدق شعاراتها، ومصداقية منظماتها! ونحن نحمد الله في هذا البلد المبارك أن منّ الله علينا بأن خلقنا مسلمين وتوارثنا الاحترام والرحمة من سيد المرسلين فهو رسول الإنسانية حقاً، ومطبق الشعارات صدقاً (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وهو القائل: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ولا يوقر كبيرنا"، فهذه هي الإنسانية بتناسق ديمومي يجعل من المسن محبًّا لذويه ووارثيه، ويحرص على أن يورث لهم مزيدًا من الخير والإحسان، ويؤلمه فراقهم ويشتاق للقائهم في اليوم الذي يلتقي فيه الخلق أجمعون. وأما تلك الناتئة عن الإنسانية الذين سلب من قاموسهم معنى الحقوق فإن مسنهم يحرص على ألا يورث لهم خيرًا، وإذا كان صاحب ثروة وزعها يمنة ويسرة، حتى ربما ورثها القطط والكلاب! كما أنه يسره فراقهم ولا يتمنى لقاءهم فهم من عجلوا أجله، وتخلصوا من عبء حياته، وأثقلهم رد الإحسان بالإحسان. وإنما نتحدث بهذا حثًّا وحرصًا على التمسك بدقائق وعظائم الإنسانية التي جاء بها ديننا الحنيف، وأن نجعل من محنة كورونا منحة لنا في إحسان بعضنا لبعض ورحمة بعضنا بعضاً. وجزى الله خادم الحرمين الشريفين خيراً، لما فتح الله عليه من الرحمة والإنسانية التي شعرت بها الرعية من مواطن ومقيم، بحسن الرعاية والتدبير، وحفظ الحقوق، ورعاية المحتاج دون النظر إلى جنس أو سن، أو ملة، حتى ارتاح المخالف قبل المنتظم أن هناك يداً ترعاه، وقلباً يشعر بألمه، ويواسيه في الملمة، فليس الوقت وقت تلاوم، ولا انتقام. ولا ننسى تلك اليد الطولى لسمو ولي عهده الأمين الشاب، في دقة التنفيذ للتوجيهات الكريمة السامية، وحسن المراقبة وإخلاص العمل، نقول هذا من باب شكر المحسن على إحسانه، ودعاؤنا مرفوع لله تعالى أن يوفقهما ويأخذ بأيديهما ويسددهما ويعينهما وحكومتهما الرشيدة لأداء المهمة على أكمل وجه، وأن يجزل لهما المثوبة، ويجزيهما خير الجزاء.. هذا والله من وراء القصد.