استمعت لمقطع في اليوتيوب ينتقد فيه الأستاذ خالد عون، وهو أحد المهتمين بالشعر الشعبي، قصيدةً للشاعر المعروف محمد السكران، ورغم طول المقطع ووضوح اجتهاده في تأمّل القصيدة واستحضار الشواهد النثرية والشعرية من الشعر الفصيح والشعر العامي لتعزيز حكمه السلبي عليها، إلا أن محاولته في النقد جاءت مُخيبةً وهزيلةً وفي غاية السطحية. والسبب في ذلك هو نبرة التحامل التي تتضح منذ بداية حديثه عن القصيدة، فهو يصنّف معظم أبياتها تحت مسميات سلبية يخترعها ويحاول إيهام المتلقين بأن الأبيات لا تخرج عن إطارها. فأبيات القصيدة لا تخرج في مُجملها، بحسب زعمه، عن أبيات: "ناعمة" و"تعليمية" و"خدّاعة". وليته اجتهد في شرح هذه المسميات الاعتباطية كاجتهاده في التشنيع على الشاعر وتحويل محاسن قصيدته إلى مساوئ. أبرز ما يلاحظ في نقده هو استشهاده بأبيات لشعراء مشاهير يقارنها بأبيات السكران، ويجزم بأن لهم فيها "فضل السبق والزيادة"، مع أنها أبيات عادية، ويتضح تكلّفه الشديد في استحضار بعضها؛ ربما مجاملةً لأولئك الشعراء على حساب الشاعر المنتقَد، أو يستحضرها لمجرد شهرة مبدعيها، مع أنها لا تتميز عن أبيات الشاعر بأي مزية. فهو، مثلًا، يتعسّف بمقارنة شطر السكران القائل: "الله اللي يعتلي العرش في سابع سماه" بأبيات مشهورة لابن جدلان ورد فيها: "جل شان اللي ملكوته على عرّيشه"، مع أن استخدام الشاعر هنا لكلمة "العرش" أفضل وأدق من استخدام ابن جدلان لكلمة "عرّيشه". ونجده أيضًا ينتقد قول الشاعر: "أظلمك لا قلت ثقلك مثل ثقل السراه"، ويزعم، بعد السخرية من هذا الشطر، أن الشعراء الكبار لا يقولون "السراه" إنما يقولون "السروات"! ولا أظن المنتقد قليل الاطلاع، ولكن أجزم أن تحامله أعمى عينيه عن رؤية الشواهد الكثيرة على صحة هذا الاستعمال ومن بينها، على سبيل المثال لا الحصر، قول الأمير الشاعر خالد الفيصل: لين أبو تركي ظهر من فوق هيت واصطفق من نجد لجبال السراة ويمضي المنتقد في استعراض أبيات الشاعر مجتهدًا كل الاجتهاد في النظر إليها بعين السخط التي تُبدي المساوئ ولا ترى المحاسن، فهو يقفز الأبيات الجيدة أو يتجاوزها سريعًا مُكتفيًا بوصفها بأنها "ناعمة" أو "تعليمية"، مع أن قصائد الشعراء الذين يستشهد بأبياتهم يستحيل أن تخلو منها. نتفق أن شجاعة الناقد وامتلاكه للثقافة وقدرته على استحضار الشواهد الشعرية بسهولة أمور جيدة ومطلوبة، لكنها لا تسمن ولا تغني حين يشرع الناقد في نقده بأحكام مُسبقة أو حين ينتقد بلغة واضحة التحامل وبعيدة عن الإنصاف، فالتحامل ما دخل في نقدٍ إلا شانه، إضافةً إلى أن الغاية من النقد ليست الإساءة للمبدع وإنّما الكشف عن مواطن القوة والجمال في عمله من جهة، وتنبيهه لمواطن الضعف من جهة ثانية لكي يتمكن من تجاوزها وإبداع ما هو أجمل.