إنّ القدرة على فهم الشخص لعواطفه والسيطرة عليها وإدارتها وتوجيهها بشكل إيجابي وتطويعها لما يخدم الموقف، والتخلص من سُميّة المشاعر تجاه الآخرين وتفهمهم ومقاومة الاندفاعات مؤشر على نجاح الفرد وقدرته على بناء العلاقات الاجتماعية الصحية وترشيد حياته النفسية، حيث أظهرت الدراسات وأثبتت التجارب أن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي يحققون نجاحات أكثر من اللذين يملكون الذكاء العقلي، وإنّ القرارات والتصرفات المبنية على العقل الخالي من العواطف ليست مرضية، أي أننا بحاجة لبذل مزيد من الجهد العاطفي. ظهر مفهوم الجهد العاطفي للمرة الأولى في كتاب "تدبير العواطف ومتاجرة الإنسانية" للمؤلفة والباحثة الاجتماعية: هوشايلد، وأشارت إلى أنه إدارة التعابير العاطفية في طريقة يمكن ملاحظتها من خلال الإشارات والتعابير الظاهرة للآخرين، وأشار الكاتب: دانيل قولمان في كتابه "الذكاء العاطفي" إلى حقيقة عقل الإنسان التي تنص على "أن أول ردة فعل يصدرها عقل الإنسان تجاه أي حدث تكون ردة فعل متصلة بالمشاعر" وبناء على ما سبق أكّد على الأهمية البالغة للذكاء العاطفي وإمكانية تطوره مع الجهد المبذول في تحسينه، كما أكدّ على فرصة النجاح والرضا لمن يمتلكون المهارات الشخصية العاطفية وسهولة اكتسابهم عادات ذهنية تمكنهم من زيادة إنتاجيتهم، وعلى العكس تمامًا يعاني من معارك داخلية تدمر العلاقات وتقلل التركيز في العمل وتشتت التفكير كل من يفتقر للصفات الشخصية العاطفية والتحكم فيها وإدارتها بالشكل المطلوب. وكما أن الشيء بالشيء يُذكر وإن الفعل بالفعل يُجبر فإنّ الخير بالخير يكثر والسعي بالسعي يُوصل فتحكّم الشخص بمشاعره أثناء اتصاله مع الآخرين وبذل الجهد في المحافظة على إظهار الإيماءات الإيجابية والسعي لإجراء المحادثات اللطيفة، والاهتمام بالإنفعالات الصادرة وتلمس الخير في المعاملات يساعد في الرضا ويزيد الإنتاج والعطاء والإبداع، ويمكّن الفرد من عيش حياة اجتماعية فعالة وخلق بيئة مهنية مميزة تساعده من استغلال إمكانياته وطاقاته على أكمل وجه، ويساهم في قدرة الفرد على تحقيق الذات وبالتالي تحقيق الأهداف المرغوب بها. وهذه القاعدة عامة على كل الأصعدة وبكل الأمثلة "ازرع تحصد وابذل تجد" فلا بُد لنا من استفراغ ما بوسعنا من جهد للحصول على حياة فعالة في المجتمع الذي نعيش فيه، فقد استحيّانا الله في بيئة تفرض الكفاح فرضًا، ولا تعطي الثمار إلا بعد غراس، وهذا الجهد المقصود بذله من مصلحة أصحاب الحياة للازدهار والازدياد في القوة والعزم والصبر، ولعل من أنفع ما يُساق في هذا المطلب ما ندركه عن مراحل نمو الفراشة، فالجهد الذي تبذله لتخرج من الشرنقة يُخرج السم من جسمها، وإذا لم يخرج هذا السم ماتت، وهذا يعني أنّ في مساعدتها في الخلاص من الشرنقة دون جهد ومكابدة مبذولة منها إيذاء لها، لأن السم بهذه الطريقة يبقى داخلها، وكذلك الناس إذا حصلوا على ما يريدون بلا جهد مبذول، وأتاهم ما طلبوا سهلاً طيّعًا غُلب عليهم الضعف ومات منهم شيء جليل عظيم.