مما لا مجال فيه ل «التصحيح التلقائي» ما سطره القرآن في حق من يقررون الأفكار المصادمة للحق، ويؤدلجون عقول الأتباع على قبول ما ألبسوه الحق من الباطل، فلم يقبل منهم مجرد الانتقال من حال إلى حال، ولا يسمح لهم بضغط أيقونة «التصحيح التلقائي» لأن الأمر متعلق بضرورة بيان.. عبارة «التصحيح التلقائي» لا تكاد تخفى على من تلامس أناملُهم أيقونة لوحة المفاتيح في الأجهزة الذكية، فهي معدّة بذكاء لتوفر الجهد على الكاتب وتقترح له «الكلمة» التي تتوافق مع مطلوبه، فيضغط الأيقونة وكأن الخطأ لم يكن، وكأن شيئًا قبل «التصحيح التلقائي» لم يوجد! هذه التقنية ليست مختصة بالأجهزة الذكية، بل يستخدمها كثير من الناس في عفوية تصرفاتهم، وهي إيجابية تدل على سلامة العقل للتكيّف السريع والتحول المباغت من حال إلى حال ومن فعل إلى فعل، مع حرص المصحح على إخفاء موضع التصحيح، وحجبه عن انتباه الآخرين، وهذا قد يكون حسناً في مواضع، لا في كل موضع، فحسن أن يتذاكى المخطئ لإخفاء خطئه بحيث لا يتنبه له، غير أن «التصحيح التلقائي» قد يكون معيبًا في حق مستخدمه على غفلة من الآخرين، حين يتعلق بالتصحيح اعتذار وطلب سماحة منهم، فالآخرون حين تتأثر حقوقهم بتصرف المخطئ، أو تتأثر عقولهم برأيه الخطأ، فلا مجال لاستخدام «التصحيح التلقائي» حينها؛ لأن ذلك سينعكس سلبًا في نفوس من أثّر فيهم تصرفه وانتظروا اعتذاره وتصحيحه. وفي الصحيح: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم» وهذا من أشد التنفير عن المعاملة السيئة للأهل، وأيضاً فيه إشارة إلى حرمة استصغار الآخرين واحتقارهم، فيأتي هذا المسيء في آخر يومه يريد من أهله ما لا يتأتى إلا بالمودة والرحمة والمحبة، وقد أرسل كل ذلك أول النهار إلى «سلة المحذوفات» فيتناسى ما فعله في نهاره معها، ثم يعمد إلى التلبس بحال أخرى وكأنه لم يفعل شيئًا، وفي عرف التقنية (استرداد المحذوفات) فجاء الحديث تنبيهًا له لاستحضار إنسانية الزوجة وحقها في المعاملة الحسنة والاعتذار والاستسماح عند حدوث الخطأ، وليس التغافل وتجاهل حقها. ومما لا مجال فيه ل «التصحيح التلقائي» ما سطره القرآن في حق من يقررون الأفكار المصادمة للحق، ويؤدلجون عقول الأتباع على قبول ما ألبسوه الحق من الباطل، فلم يقبل منهم مجرد الانتقال من حال إلى حال، ولا يسمح لهم بضغط أيقونة «التصحيح التلقائي» لأن الأمر متعلق بضرورة بيان، فأعقب لعنهم على كتمان الحق بقوله ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) فالتوبة تتعلق بصيانة النفس عن حب التلبس بهذا الإثم، والإصلاح مُتَعَلَّقُه أحوال الناس وما مدى تأثير خطئه فيهم، فيمحو أثر خطئه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، والبيان يرتبط بإزالة ما ألبسه من الحق بالباطل، وهو ما يعكس إيجابًا ويرسم صورة حسنة للمتراجع عن الخطأ، وهذا ما سار عليه علماء وفقهاء الإسلام عند حاجتهم للتراجع عن رأي رأوه، أو مذهبٍ سلكوه، فلا يعمدون للتصحيح التلقائي هربًا من مذمة، أو اتقاءً لملامة، وقد كان للشافعي مذهبان، فحين دخل مصر لم يجد غضاضة في تقعيد مذهبه الجديد، ثم دوّن مذهبه القديم، ومازال الفقهاء يأخذون من مذهبَيهِ ما وافق الحق، ويعرفون للشافعي فضله. وإني ألحظ في هذا الزمان بعض التنصل عن التمسك بالرأي والإفصاح بالتراجع عنه، وسلوك مسلك التصحيح التلقائي الذي لا ينبغي لأيقونته أن تفعّل في مثل هذه المواضع، وكان يكفي هؤلاء السالكون هذا المسلكَ إفساحُهم لمخالفيهم واعترافهم بفقه غيرهم! فإذا احتاج المجتمع في نازلة لمخالفة ما يفتون به وجد من أهل العلم من يحيلون الناس على رأيه، مع بقائهم على رأيهم، لكن حين تصادر الآراء، وينفر عن الخصوم، ويخلي ذو الرأي الساحة إلا من رأيه، فسيضطر للانتقال من رأيٍ إلى رأي؛ إما اعترافًا بخطأ ما كان عليه وهو لا يراه خطأً، أو بتناسي أنه هو صاحب الرأي القديم ومن ثمّ يفعّل «التصحيح التلقائي»، هذا، والله من وراء القصد. Your browser does not support the video tag.