اسمحوا لي أن ابدأ بقصة زميل عربي استقال واختار الخروج النهائي من المملكة برفقة عائلته، رفض مديره المباشر واعطاه إجازة لمدة ثلاثة اشهر مدفوعة الاجر يراجع فيها قراره؛ إما أن يعود أو يستمر في اجراءات استقالته.. بعد شهرين عاد إلى مكتبه وتراجع عن الاستقالة.. قال إن ابناءه لم يتأقلموا مع الحياة هناك.. "لم يتصوروا أن اشارة الجوال التي تأتي في المملكة إلى فراشهم يذهبون مسافة عشرين كيلو مترا لالتقطها".. هذا تعبيره؛ اضافة إلى ابسط متطلبات الحياة اليومية التي نعتقد في المملكة انه من الطبيعي توفرها، بينما هي جزء من الكماليات المترفة في الكثير من البلدان في محيطنا!!. هذه قصة بسيطة ووجه واحد من حياة كاملة لا يمكن حصر ميزاتها أو اختصارها امام سلبيات واردة في كل بلدان العالم؛ وهي جزء من معاناة كل مغترب في شتى بقاع الدنيا، وإلا ما كانت "غربة"!! عندما اندلعت الازمة السورية تباهت بعض الدول باستضافة عشرات الالاف وراحت تكدسهم في مخيمات محاصرة، وآخرون راحوا يتبجحون بمخيمات الخمس نجوم تحتوي خدمات لا نعلم مصيرها بعد رحيل كاميرات التصوير.. في الوقت الذي كانت المملكة تستضيف مليونين ونصف المليون سوري يسكنون جنبا الى جنب مع المواطنين السعوديين.. ويعملون ويستثمرون ويستفيدون من جميع الخدمات هكذا بدون أي دعاية!!. عندما قال بعض أدعياء العروبة اننا رعاة بدو نسكن الخيام لم نخرج لهم صورهم يصافحون الجنود الاسرائيليين ويتآمرون معهم ضد وطنهم وعروبتهم، كما ولم نعترض لاننا نفتخر بماضينا وما كنا عليه ونفتحر بما هو اعظم وهو ارادة الانسان السعودي الذي انتقل من فاقة الارض الجرداء الطاردة إلى غنى المروج الخضراء الجاذبة.. الذي انتقل من الصفوف المتأخرة جدا والفقيرة إلى صفوف الدول العشرين الاقوى في العالم.. لانريد أن نعدد ما لدينا وما لديهم، وأين كنا وأين كانوا وماهو الحال اليوم؟.. لكن يهمنا أن يعرف الجميع أن كل من شارك في بناء المملكة وتنميتها على حد زعمهم أخذ أجره قبل أن يجف عرقه.. واننا فعلاً لن ننسى انه عندما كنا رعاة نسكن الخيام لم يأت عربي واحد ليساعدنا لوجه الله تعالى.. حتى تفجر النفط واصبح الخير متوفراً فتقاطرت علينا افواج العرب والعجم من الباحثين عن الرزق، وبعض آخرون ممن لفظتهم الحروب والازمات والثورات من اوطانهم. نحن نعلم أن كل شريف لا يمكن أن ينكر ذلك، وأن كل اصيل لا يضيره أن يرد الفضل إلى أهله بل يزيده سمواً ورفعه، وأن هذا البلد ظل وسيظل الملاذ الآمن لكل من جار عليه الزمان وضاقت به الارض.. ويؤلمنا الخذلان لكننا منذ الحماقات الثورية في ستينات القرن الماضي ادركنا مصيرنا المختلف وقدرنا المحتوم في هذا الجوار وقررنا دائما أن نسمو فوق صغائر الامور والاشخاص.. وأن تكون حساباتنا للتاريخ كما يليق بالكبار.. لا لانتصارات وهمية وقتية تتبخر سريعاً.. كما تعلمنا أن نغفر لهم لاننا بتجاربنا الطويلة معهم؛ ندرك أن دافعهم هو شعور الخائن العميل الذي يستفزه وجود الشرفاء.. وشعور الجاحد الذليل الذي يستفزه معروف لا يستطيع رده.