الذهاب لمحل الفيديو بالنسبة للفرد السعودي يُعادل ذهاب بقية شعوب الأرض لصالة السينما. كان محل الفيديو طقساً جميلاً في حد ذاته، يلتقي فيه الزبون بشركاء الاهتمام ليتحدث معهم عن الأفلام التي أعادها للتو للمحل ويسأل ويستفسر ويستشير ويطلبهم النصيحة حول الأفلام التي لم يشاهدها بعد. في تلك الأزمنة الجميلة -ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين- لم تكن هناك مصادر للمعلومة السينمائية، لا موقع IMDB ولا برامج تلفزيونية ولا صحف تهتم بالأفلام، ولم يكن أمام الزبون من وسيلة تساعده على معرفة الأفلام الجيدة من السيئة سوى ما يسمعه من بقية الزبائن في المحل، أو نصائح أصدقائه، أو وفق تقييمه الشخصي لدعايات الأفلام التي تضعها شركات التوزيع في بداية كل شريط فيديو. كان الزبون يجتهد من أجل الحصول على فيلم جيد لسهرته، يطالع أغلفة الأفلام، ويسترق السمع علّه يلتقط معلومة من أحاديث المتواجدين معه في المحل، ويسأل هذا ويستفسر من ذاك، لكنه –مع ذلك- كثيراً ما يتورط في أفلام رديئة بسبب ثقته العمياء في صاحب المحل! ولن يصبح محصناً ضد النصائح السيئة إلا بعد أن يستهلك الكثير من الأفلام فتتكون لديه خبرة تمنعه من الانزلاق خلف أي نصيحة. حينها سيكون قد اكتشف السر الخطير في معرفة الأفلام الجميلة؛ ألا وهو اسم شركة التوزيع، فشركة مثل فيديو ماستر أو ميغا ستار لا تجلبان إلا أهم الأفلام الأميركية، والعكس مع شركات أخرى متخصصة في توزيع إنتاجات أرخص أستوديوهات هوليوود. في مثل هذه الأجواء نمت محلات الفيديو وازدهرت حتى أصبح الاستثمار فيها مغرياً لكثير من رجال الأعمال ووصلت قيمة رخصة المحل فقط إلى أكثر من مئة ألف ريال. لكن الواقع لم يكن وردياً دائماً حيث تعرضت المحلات لعدة هزات أولها كانت في مطلع التسعينيات عندما جاءت الفضائيات الخاصة وانتشر "الدش" حيث قلت نسبة الزبائن بشكل حاد لكن سرعان ما استعادت سوق الفيديو عافيتها في العام 1995 وبلغت ذروة نجاحها عام 1998 وهو العام الذي ستحدث فيه الهزة الثانية التي لم تكن حادة التأثير مثل الأولى لكنها حملت في طياتها فيروساً كامناً سيكون مدمراً في المستقبل. في ذلك العام اجتاحت العالم حمّى "تايتانيك" الفيلم الرومانسي الذي كان حديث الصحف والفضائيات الخاصة، والذي جاء فوزه الكاسح في الأوسكار مستفزاً للجمهور السعودي ومشعلاً لرغبته في رؤية الفيلم. حينها لم تكن محلات الفيديو قادرة على توفير كل الأفلام بشكل رسمي، إما لأسباب رقابية، أو بسبب عدم وجود وكيل محلي لتوزيع أفلام شركة الإنتاج الأجنبية، كان الكثير من الأفلام ممنوعاً ولم يكن الزبون السعودي يدري أن هذه الأفلام موجودة أصلاً لكي يتساءل عن سبب منعها ومن ثم يبحث عنها، لكن مع "تايتانيك" اختلف الوضع تماماً، فالصحف في نهاية التسعينيات بدأت تتابع جديد السينما والفضائيات الخاصة تبث أسبوعياً تقرير شباك التذاكر الأميركي، وكان التايتانيك هو الفارس الذي ملأت أخباره كل وسيلة، وذاع صيته في كل مكان، فزاد سؤال الناس عن الفيلم وبشكل أجبر المحلات على تلبية رغبة زبائنها بطريقة غير مشروعة. مع "تايتانيك" عرف السعوديون "نسخ" السينما غير المشروعة، وهي الأفلام الجديدة التي تم تصويرها بكاميرات فيديو داخل صالات سينما موجودة في ماليزيا أو إندونيسيا. شكلت هذه النسخ غير الشرعية سوقاً جديدة لمحلات الفيديو رغم رداءة تسجيلها، ولأن الفيلم الواحد منها لا يكلف المحل سوى ريال واحد فقط ويتم بيعه بعشرة ريالات أو أكثر، بنسبة ربح أعلى بكثير من الأفلام الأصلية الرسمية، فقد انجرفت كثير من المحلات خلف هذا الربح السهل، بل زادت على ذلك بأن نسخت حتى الأفلام الأصلية وأعادت بيعها بشكل غير نظامي. حينها كان كل فيلم أصلي يكلف المحل مبلغاً يصل إلى خمسة وأربعين ريالاً وليس للمحل سوى حق التوزيع أو حق الإيجار، في حين تمنحه عملية "النسخ" غير المشروع ربحاً أعلى بدون الالتزام بأي شيء مع شركة التوزيع. ازدهرت عمليات النسخ مع مطلع الألفية الجديدة، وظهرت محلات في وسط الرياض لا تبيع إلا المنسوخ سواء الأفلام أو المسرحيات أو مسلسلات الأطفال. وكان هذا "الفيروس/النسخ" العامل الحاسم الذي سيتسبب –مع فيروس التورنت- في موت محلات الفيديو.. وللحديث بقية. النسخ غير المشروع بدأ مع فيلم «تايتانيك»