لا تمر سنة على ساحة الأغنية السعودية دون أن تظهر أعمال تقتبس وتنسخ أغاني قديمة، تحت مبرر أنها تنتمي للتراث، بلا احترام للأصل ولا تقدير لجهود جيل البدايات، في انتهاك صارخ لحقوقهم الأدبية الموثقة في سجلات قسم التصنيفات الذي أسسته وزارة الاعلام سابقاً. يحاول الفنانون الجدد إيهام الجمهور بأن ما يقدمونه من أعمال إنما هو جديد ومبتكر، وإذا لم يجدوا وسيلة لتمويه الأصل وإخفاء اقتباسهم فإنهم يضعون تلقائياً الكلمة السحرية التي تعفيهم من أي مسؤولية ألا وهي كلمة "تراث"، إذ يكفي أن تضع "تراثاً" أمام خانة أي لحن ليصبح من حقك أن تستفيد من هذا اللحن وأن تتاجر به حتى لو كان مبدع هذا اللحن حياً يرزق. وهم يعللون تجاوزهم هذا بأن أي عمل فني يتعدى عمره 25 عاماً فمن حق أي احد تجديده ونسبته للتراث أو الإضافة عليه ونسبته لأنفسهم، وهذا يخالف قانون الحقوق الذي ينص على عدم مشروعية اخذ او اعادة أي عمل مسجل او معرف باسم صاحبه الا بعد أخذ موافقة صاحب الحقوق الادبية، أما العمل المجهول الذي لا يعرف مبدعه الأصلي ويتجاوز عمره 25 عاماً فإنه يسجل للتراث. الفنان الكويتي فيصل الراشد قدم قبل أيام أغنية "عيال زايد" مهداة إلى الشعب الإماراتي برفقة الممثل السعودي فايز المالكي وتمت نسبة كلماتها للشاعر حامد بن حمد، والألحان تراث، في بداية العمل كانت الصورة على سيارة قديمة يقودها الشيخ زايد بن نهيان "طيب الله ثراه" مدخلين في مقدمتها تسجيلاً قديماً دون صوت فنان، هذا التسجيل هو الأصل من تسجيل اغنية "جيت في داركم ياعيال زايد" التي غناها بشير شنان "رحمه الله" وسجلها خالد الحبيصي بالأحساء، وقبل هذا التسجيل، قدمها الراحل عايد عبدالله "لبي في عزوتي يا عيال زايد" متوسط الستينيات في الدمام، وهي مسجلة باسم الشاعر الراحل محمد بن سعد الجنوبي. استخدم كلمة «تراث» وتجاهل اسم الملحن الأصلي ما قدمه الراشد والمالكي مفاجأة كبيرة للوسط الفني، ولا يعد إلا عيّنة بسيطة من محاولات طمس هويتنا وموروثنا الغنائي على الفنانين الجدد. إن تقديم عمل فني مهدى لإخوتنا في الإمارات ينبغي أن يكون جديداً ومواكباً للظرف الراهن، لا أن يتم استسهال الاقتباس بهذا الشكل الفج والسطو على عمل محسوب على ثقافتنا الفنية ويقدم على أنه عمل جديد. ما يفعله الراشد مع رفاقه المغنين الجدد هو التشويه بعينه وتمرير المصالح الشخصية دون عناء عبر السطو على الألحان القديمة وغربلة كلماتها المسجلة بأسماء صانعيها، وطرحها بشكل سريع في السوق. وهنا لابد من الجهات المعنية بتوثيق الفنون وحفظ الموروث والحقوق الأدبية أن تتحرك لإيقاف لعبة "لحن تراث" التي أصبحت واضحة. لا يمكن تبرير مثل هذا التصرف من فيصل والشاعر الذي صفصف القصيدة بشكل جديد لإيهام الناس بصناعتها الحديثة، ولا يمكن اعتبار هذه الأغنية إلا إجحافاً في حق تاريخ الثقافة السعودية وتعدياً على حقوق من صنعوها وأسسوا بداياتها دون أي اعتبار لا لشاعرها الأصلي ولا لملحنها ولا لمغنيها ولا لنظام حقوق المؤلفين. "لبي في عزوتي يا عيال زايد" أغنية قديمة شهيرة، حفظها الناس وتغنوا فيها بأفراحهم إلى هذا الوقت، ومع ذلك يأتي من يأتي ليسلبها ويقدمها من جديد دون وجه حق، مستغلاً الثقافة الفنية الضعيفة للجيل الجديد والتي ساهمت في بنائها القنوات والإذاعات الخاصة. إن التساهل في استغلال التراث الغنائي يجب أن يتوقف، لابد من وضع حد لهذه التجاوزات والسعي لحفظ التراث من العبث والمحافظة على حقوق المبدعين وعلى جهودهم، وضمان الحق المادي لهم أو لورثتهم. وإذا لم يتم إيقاف هؤلاء المتجاوزين أو على الأقل مساءلتهم والتأكد من مصدر أعمالهم، فإن هذا يعني أننا نعطيهم ونعطي غيرهم الفرصة لمزيد من الانتهاك للتراث الغنائي السعودي. بشير حمد شنان الشاعر الراحل محمد الجنوبي