أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    أمير منطقة جازان يستقبل محافظ الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة    القبض على (13) مخالفًا لنظام الحدود لتهريبهم (169) كيلوجرامًا من "القات"    أمير منطقة جازان يقلد عددًا من القيادات الأمنية رتبهم الجديدة    استكمالا لتوسعها في المبادرات الرقمية: تكافل الراجحي" تطلق "سلامتي"    أمير القصيم يستقبل محافظ ضرية ويتسلّم تقريري مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس    إطلاق شركة "تسامى" كمزودٍ لخدمات الأعمال عالمية المستوى في المملكة    اطلاق المرحلة الثانية من "تحدي الابتكار للاستدامة" من بوسطن    السعودية الأولى عالميًا كأعلى وجهة في نسبة نمو إيرادات السيّاح الدوليين    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف الاحتلال الإسرائيلي لنقطة توزيع مياه    أمير الشرقية يستقبل سفير جمهورية جورجيا لدى المملكة    "زين السعودية" تتعاون مع "سيسكو" لتطوير بنية تحتية متقدمة مرتكزة إلى الذكاء الاصطناعي    ورشة عمل وصالون ثقافي في مكتبة الملك عبدالعزيز احتفاء ب"عام الحرف 2025"    موعد مباراة سان جيرمان وتشيلسي في نهائي كأس العالم للأندية    كوكب زحل يصل اليوم إلى نقطة الثبات    القيادة تهنئ رئيس الجبل الأسود بذكرى اليوم الوطني لبلاده    جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية تحصل على اعتماد أكاديمي فرنسي    رئيس الوزراء الأسترالي يبدأ زيارة إلى الصين    وكالات أممية: نقص الوقود في غزة بلغ مستويات حرجة ويهدد بانهيار شامل    «اليونسكو» تدرج نقوش موروجوغا الصخرية الأسترالية ضمن قائمة التراث العالمي    الأرصاد: رياح على 5 مناطق و طقس حار في الشرقية    ضمن منافسات كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. فريق "Team Redline" البريطاني يتوج ببطولة"Rennsport"    الياباني GO1 يتوّج بلقب FATAL FURY City of the Wolves    النصر يخطط لمبادلة لابورت بالأمريكي بوليسيتش    مبعوث ترمب في طريقه إلى كييف.. أوكرانيا تؤكد استئناف الإمدادات العسكرية من واشنطن وأوروبا    وسط تصاعد التحذيرات الدولية.. إدانة أممية لعرقلة الحوثي جهود إنقاذ البحارة المفقودين    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير مكة يتشرف بغسل الكعبة المشرفة    ضبط 21058 مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في مناطق المملكة    الغبار الإفريقي ينتقل عبر البحر الأحمر    باحث: دخول نجم سهيل 24 أغسطس المقبل    «أوبك»: 18.5 % نمو طلب النفط عام 2050    دمج «قسد» ضمن الدولة قيد البحث.. لا" تخطيط أمريكي" لبقاء القوات في سوريا    الزعيم يسابق الزمن لحسم صفقة" كين"    صورة مميزة لمونرو تباع بمزاد    568 مبتعثا ثقافيا للخارج والأولوية للبكالوريوس    فيلمي القادم سيصور بالرياض.. الفنان أحمد السقا ل"البلاد": الهلال شرف العرب في كأس العالم    رنا جبران تجسد الأمومة الجريحة في مسلسل"أمي"    «الشؤون الإسلامية» تعزز نشر المنهج الوسطي بالمالديف    تعديل جيني بديلا لأبر التنحيف    قطة تكتشف سلالة فيروسية نادرة    الدماغ لا يتوقف عن النمو    الإفراط في تناول دواء شائع يسرع شيخوخة كبار السن    «الصحة» تقدم 7 إرشادات لتجنب ضربة الشمس    المدخلي رأس خصوم الإخوان    نائب أمير الرياض يشرف حفل السفارة الفرنسية.. ويطّلع على جهود "الأمر بالمعروف"    خطيب المسجد الحرام: تلطفوا بعباد الله وأحسنوا إليهم    الكتاب العظيم يستحق مشروعا عظيما    جدة تستضيف الجولة الرابعة من بطولة العالم لسباقات الزوارق السريعة F1H2O    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    الفارس"المبطي"يحقق المركز الثاني في بطولة ڤالكينزڤارد بهولندا    Bitcoin تسجل أعلى مستوياتها في 2025    إطلاق مشروع "صيف زهر" للفتيات في مدينة أبها بنسخته الرابعة    هنا السعودية حيث تصاغ الأحلام وتروى الإنجازات    رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد منظومة الدفاع الجوي «ثاد»    "الشؤون الإسلامية" تُكمل فرش جامع الملك فهد في سراييفو    إلغاء إلزامية خلع الحذاء عند نقاط التفتيش في جميع مطارات أميركا    أمر ملكي: تعيين الفياض مستشاراً بالديوان الملكي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحج والمجتمع الإسلامي
نشر في الرياض يوم 09 - 09 - 2016

قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد"فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ" (آل عمران 97).
تعيش الأمة كل عام أياماً معلومات تتجلى فيها قيم التوحيد والعطاء والوحدة الجامعة.
هي أيام استثنائية تلك التي تُمثلها شعائر الحج، بكل مضامينها وفلسفتها، ودلالاتها التي لا يتسع لها وصف الواصفين.
هذه المناسك تترجم فريضة من فرائض الدين الحنيف، وتعبر عن أصالة تكوينية لهذه الأمة، وتشير إلى طاقة روحية خلاقة لدى الإنسان المسلم، يُمكن تسخيرها وتوجيهها في دروب الفضيلة والتقوى.
وقد جُلب الكتاب والمفكرون في ربوع العالم الإسلامي على الحديث عن فريضة الحج، مناسك وموسماً، ليزداد الناس إيماناً مع إيمانهم. وهذه سنة محمودة، من الجدارة بمكان التشجيع عليها.
في السطور الآتية، سوف نتحدث عن فلسفة الحج في ضوء البيئة الاجتماعية الإسلامية، وركائزها المؤسسة لوجود الأمة.
لم يكن نبينا الأعظم يبحث عن شيء أكثر من بحثه عن أخوة المسلمين، لإدراكه أن لا مكانة لهم من دون هذه الأخوة. لن يغني عنا جمعنا، ولن تنفعنا كثرة عددنا، إن لم تكن الأخوة أصلها وفرعها ومنتهاها..
وبداية، سوف نطرح السؤال التالي: ما هي البيئة الاجتماعية الإسلامية؟
في الأصل، ليس من السهل الحديث عن بيئة اجتماعية لكتلة بشرية تمتد في ربوع العالم وجهاته الأربع، وليس لها أي إطار جيوسياسي موحد.
ارتكازاً إلى مناهج وأدوات التحليل السيسيولوجي المعروفة، لا يبدو هذا الأمر متاحاً في سياق أية محاولة للتأصيل الكلاسيكي أو التحليل العام.
رغم ذلك، فإنه فيما يرتبط بالمسلمين كأمة نجد أنفسنا أمام واقع مختلف.
إن قوة ومتانة تكوين هذه الأمة قد وجدت خلفياتها في قوة الإسلام نفسه، وتحديداً لناحية قدرته على جمع القلوب، وتوحيد السلوك، وتأكيد الأخوة الجامعة، وربط التطلعات الفردية بالتطلعات الكبرى للمجتمع.
وإذا أضفنا إلى ذلك وحدة الأسس العقائدية، ووحدة الشعائر والعبادات، والطقوس المستندة إلى الدين، والمنطلقة من غاياته الكبرى، كما أنثروبولوجيا الإسلام بوجه عام، فإننا نجد أنفسنا بالضرورة أمام أمة بالمعنى النظامي للكلمة. والأمة تعني بالضرورة أيضاً امتلاك فضاء سوسيولوجي متقارب، يشار إليه في سياق تحليلي معين بالبيئة الاجتماعية.
وعليه، ننتهي للقول بوجود بيئة اجتماعية إسلامية، على الرغم من غياب المشترك الجيوسياسي.
وما هي الملامح العامة لهذه البيئة، أو لنقل تلك التي حدد مرتكزاتها الإسلام؟
هناك أربعة معالم أساسية، هي: الشعور بالأخوة الجامعة (أو التآخي في الله)، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والأخذ بالشعائر.
هذه المعالم رسمها الدين، وبها صنعت الأمة الواحدة، أمة التوحيد، بالمعنى التكويني السيسيولوجي. وفي ضوئها تحددت الهوية الجامعة، الفريدة من نوعها، متجاوزة الجدر العرقية والجغرافية، وكل الفواصل، الدنيوية المنبع والمسرى.
هذه هي الخصائص العامة للمجتمع الإسلامي، أو بيئته السيسيولوجية، أو هويته السيسيو- ثقافية.
وهل هذه خصائص تأسيسية وحسب؟
إنها تأسيسية (أو تأصيلية)، كونها ذات صفة وجودية، تشكلت في سياقها الأمة، ولا يجوز إعادة تعريفها أو إنتاجها على نحو بعيد عن منطلقات الدين.
في سياق رديف، نجد أنفسنا بصدد خصائص دينامية الطابع، تتطوّر في إطار تنفيذي (أو تطبيقي) يتأثر بالموروث التاريخي والبناء الحضاري للفرد و / أو/ المجتمع، ويتشكل جزئياً في ضوئه، ولكن دون أن يصل إلى مرحلة إعادة التعريف.
وكما البناء الحضاري، كذلك معطيات العصر، تفرض نفسها هي الأخرى على مقاربة الخصائص والسمات التكوينية للبيئة الاجتماعية الإسلامية.
ومعطيات العصر هذه يُمكن إحالتها، على مستوى المفاهيم إلى الإطار الحضاري ذاته، لكنها لا تُمثل تعبيراً رديفاً له. ومن هنا تأتي مشروعية مقاربتها كمتغيّر مستقل.
وفي سياق معين، يُمكن النظر إلى هذا المتغيّر باعتباره الأشد حضوراً في مقاربة تطوّر البيئة الاجتماعية أو عصرنتها.
وهذا المتغيّر ذو حدين متقابلين. أو لنقل ذو اتجاهين متقابلين على مستوى التداعيات، فقد يكون عامل تمتين لمرتكزات البيئة الاجتماعية الإسلامية، كنتاج لتطوّر الوعي-وحيث أن العلم والإيمان صنوان. وقد يغدو سبباً في التشويش أو التعمية على هذه المرتكزات كنتيجة للاستلاب الثقافي الذي قد يعاني منه الفرد، الذي بات يعيش عصراً معولماً.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الحديث عن التمتين أو التعمية لا يمثل، على المستوى المنهجي، بديلاً عن حساب الوزن النسبي للمتغيّر، وقياس درجة التحوّل أو الثبات على مستوى كل عنصر من العناصر التكوينية للبيئة الاجتماعية الإسلامية.
هذه مهمة كبيرة بطبعها، تحتاج إلى مستوى متقدم من التخصص، والانكباب على البحث، والنأي عن أي اتجاه معياري.
وعلى وجه العموم، يُمكن القول إن عصر العولمة هو عصر ضاغط على كل الثقافات حول العالم. هذا العصر يعبر عن مرحلة متقدمة من الحضارة البشرية، وهو مكسب للإنسانية جمعا، ولا يُمكن، ولا يصح، النظر إليه باعتباره نوعاً من الضرر، لأن في مثل هذا القول شيئاً من عدم الاعتراف بسنن الحضارة وصيرورتها.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا المعطى الحضاري/ القيمي أشبه بنزول المطر، إن استعددت له ولنتائجه المرجوة نفعك، وإلا فلا شأن لك به، وقد يكون ضرراً عليك، على الرغم من أنه في الأصل خير ونعمة. هذه تحديداً فلسفة العلاقة بالعولمة.
والآن، أين يقع الحج من محددات البيئة الاجتماعية الإسلامية في عصر معوّلم.
على نحو فوري، يُمكن القول إن الحج يجمع كل هذه المحددات ويجسد كافة معانيها. إنه معجزة لا نظير لها. نعمة فريدة من الله. هو أكبر منظومة قيم سوسيولوجية عرفها التاريخ.
إن الذهاب إلى الحج هو ذهاب نحو القيم المثلى والخصال الرفيعة، والسجايا العالية. هو تجسيد للدين كله في أيام معلومات، ينزل الله تعالى فيها بركاته على العباد.
وإذا كنا بصدد التأكيد على أسس ومرتكزات المجتمع الإسلامي فلا يسعنا إلا التأكيد على الحج فريضة وموسماً واجتماعاً. وبالقدر الذي ننجح فيه في توضيح معاني الحج وفلسفته بالقدر الذي نغدو قادرين على التعريف بهوية الأمة، وفلسفتها التكوينية، وعقيدتها الخالدة.
وفي هذا العصر المعولم، تبدو أقل صعوبة مهمة التعريف بطبيعة الارتباط العضوي بين فلسفة الحج والفلسفة التكوينية الوجودية للأمة. والاهتمام بتوضيح معاني الحج يعد اهتماماً ببناء الأمة ذاتها. وهو مناسبة لا تعوض لتعريف المسلمين بفلسفة دينهم، وتكوينهم الحضاري، ورسالتهم للبشرية، كما جاء بها نبي الله ورسوله الأعظم محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وسلم. الشخصية الاستثنائية في تاريخ هذه البشرية.
والتعريف بمعاني الحج وقيمه ليست مهمة رجل الدين وحده، بل هي مسؤولية كل ذي وعي وبصيرة. وقد تغدو فرضاً لا يجوز التخلي عنه، متى كان هناك فراغ في الدعوة.
ومن بين قضايا عدة في سلسلة القيم والمثل المؤسسة للاجتماع الإسلامي، والناظمة له، من الحري دائماً التأكيد على فلسفة الأخوة الجامعة، فنحن بحاجة دائمة لها.
من الأهمية بمكان التأكيد على أن هذه الأخوة تُمثل اللبنة الأولى في الفلسفة التكوينية للأمة، والتأكيد عليها هو تأكيد على أصل وجودنا كأمة. ومن دونها نفقد هذه الصفة الفريدة، ونتحوّل إلى أحزاب وشيّع، لا حول لنا ولا قوة.
على المسلمين أن يتذكروا دائماً أن الأخوة هي التجسيد الفعلي للهوية والعقيدة الجامعة. وهي السر الذي به نهض الدين وارتفعت به راياته الخالدة في أصقاع الأرض. لم يكن نبينا الأعظم يبحث عن شيء أكثر من بحثه عن أخوة المسلمين، لإدراكه أن لا مكانة لهم من دون هذه الأخوة. لن يغني عنا جمعنا، ولن تنفعنا كثرة عددنا، إن لم تكن الأخوة أصلها وفرعها ومنتهاها. كان هذا صحيحاً في فجر أمتنا المجيدة، ومطلع تاريخها الخالد والميمون، وهو صحيح اليوم، وأكثر ضرورة والحاحاً من أي وقت مضى.
لا يجوز أن نرتضي لأنفسنا الفرقة والتشرذم، ولا يحق لنا ذلك في الأصل، وهو محرم علينا، كحرمة الخمر والميسر، وأشد حرمة.
وعلينا الانتباه بأن هناك طامعا ومتربصا، وساعيا للفرقة. وهذه من موجبات الفتنة. والفتنة أشد من القتل.
على المسلمين الابتعاد عن كل ما يفرقهم، وعدم الوقوع في فخ الأكاذيب والدعايات المغرضة. وعليهم الإيمان بقدرهم الواحد، وأنهم أمة واحدة لا تقبل الفرقة، ولا ينبغي ولا يجوز لها ذلك. ولتكن هذه دعواهم في أيامهم المباركة هذه، وفي كل يوم. وتقبل الله من المسلمين حجهم وشكر سعيهم. آمين رب العالمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.