] طرحت ضمن فعاليات منتدى الرياض الاقتصادي الثاني (دراسة) تناولت واقع الشفافية والمساءلة في القطاعين العام والخاص والآثار السلبية المترتبة على انعدامهما، وأكدت على ضرورة مواجهة الأخطاء والفشل وتحقيق العدالة دون استثناءات. وإذا كانت الشفافية والمساءلة والمحاسبة شرطين لنجاح السياسة الاقتصادية فهما في التربية والتعليم يشكلان مطلبين مهمين للتأكد من مدى تحقيق النظام التربوي لتوقعات أفراد المجتمع خصوصاً وأنه يتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية الظواهر السلبية والممارسات غير الأخلاقية التي تحدث في المؤسسات الخاصة والعامة لكون العاملين والقائمين عليها نتاج هذا النظام. إن نظامنا التربوي والتعليمي بجميع أنواعه ومراحله مثقل بمشكلات وأخطاء تراكمت بفعل الزمن والتقصير وتحتاج منا جميعاً إلى تأمل وتبصر ثم اتخاذ خطوات شجاعة لمعالجتها... فما هي ملامح وصور هذه الأخطاء؟؟؟ الواقع أنها كثيرة ومتشابكة يضيق المجال عن سردها ولكني سأتطرق إلى بعض ما أجده من مواطن خلل في قطاع تربية وتعليم البنات. فلو نظرنا إلى المعلمة وهي أساس نجاح النظام التربوي لوجدنا أن ضيق فرص العمل المتاحة للمرأة في المجالات الأخرى جعلت التعليم الملاذ الوحيد لها مما يؤدي الى وجود أعداد من المعلمات غير مؤهلات نفسياً وذهنياً وجسمياً وثقافياً لمهنة التعليم ولا يشعرن بالانتماء الحقيقي لها. ٭ أسلوب اختيار الموظفات للوظائف التي تحتاج إلى فكر ورأي ونظرة عميقة شاملة وقدرة على التخطيط. لا يخرج عن الأسلوب السائد لاختيار القيادات الإدارية في المجالات الأخرى «والذي يخضع في الغالب لعامل الصدفة والقرب»، مثل هذه الاختيارات تؤثر في جودة العمل التربوي ومستقبله. ٭ تضخم أعداد الموظفات في المؤسسات التعليمية - مدارس، مكاتب، إدارات - بما يتجاوز نسبة 40٪ إما بسبب قرارات مبنية على العطف الاجتماعي، أو نتيجة خطط غير مدروسة وتنظيمات متعجلة، لم تؤخذ فيها آراء المتمرسين في العمل، مما قلل من أعمال ومسؤوليات الموظفات وساهم في تكريس للكسل واللامبالاة وما يعقبهما من ملل وتدن للإنتاجية، وأحدث في الوقت نفسه نقصاً في جهات أخرى إضافة إلى وجود أعداد كبيرة من الموظفات يمارسن أعمالاً لا علاقة لها بتخصصاتهن (فالمعلمة المتخصصة في مادة علمية تعمل في روضة أطفال أو مرشدة طلابية أو ترشح مشرفة للمقاصف المدرسية أو تقوم بأعمال إدارية بحتة والأمثلة على هذه التجاوزات كثيرة). ٭ هذا الترهل الوظيفي يشكل هدراً مادياً وانتشاراً لما يعرف «بالبطالة المقنعة» أو «البطالة المرفهة» ورغم وجود محاولات من المسؤولين لمعالجة بعض هذه الأوضاع إلا أنها لن تحقق النجاح المطلوب لافتقارها إلى التخطيط المحكم وتعارضها مع الثقافة القائمة على التشبث بالمصلحة الشخصية. ٭ الحوافز التي يجب أن تكون متمشية مع كمية ومستوى الإنتاج وتهدف إلى استمرارية العطاء والبذل نجدها تتخذ في نظامنا صورة معاكسة وغريبة، فالموظفات يعطين حق الغياب. رغم قصر ساعات الدوام وارتفاع الرواتب - لمدد طويلة تحفيزاً وتقديراً ومكافأة، في الوقت الذي نبحث فيه عن علاج لظاهرة الغياب!!!، مما يعكس عدم تقديرنا لأهمية الوقت. ٭ إشغال رئاسة تعليم البنات في الماضي والوزارة في الوقت الحاضر واستنزاف وقتها وجهدها بقضايا المعلمات الخاصة مثل (النقل - الندب - الإجازات - تثبيت من هن على وظائف مؤقتة - التفريغ للدراسة... وغير ذلك من المسائل التي لا تنتهي) فأصبحت المعلمة لا الطالبة هي محور الاهتمام وبالرغم من حرصنا على راحة المعلمة إلا أنها يجب ألا تطغى على مصلحة الطالبات كما نراه يحدث من وقت لآخر. ٭ التعليم الأهلي: إذا استثنينا عدداً من المدارس الأهلية تفوقت في نوعية التعليم الذي تقدمه للطالبات وفي استقطابها كوادر تعليمية جيدة واتباعها أساليب متطورة في التدريس وأوفت بالتزاماتها تجاه الأهالي والطالبات الى حد كبير، فإننا نجد أنفسنا أمام سوق كل ينادي فيه على بضاعته والكثير من الطالبات يتخرجن غير متزودات بمهارات استخدام الحاسب الآلي واللغات رغم كثرة الدعايات والوعود، والأهالي يضطرون أحيانا للاستعانة بالدروس الخصوصية لتدريس أبنائهم بعض المواد العلمية كالرياضيات، وتكاد تنحصر ميزته في توفير بيئة مادية ومعنوية ذات مواصفات جيدة - وان كان ذلك لا ينطبق على جميع المدارس - والخلاص من مشكلة غياب المعلمات والازدحام في الفصول. ٭ أما التوجه الجديد للتطوير والتدريب فقد أصبح في بعض الحالات مجالاً للمنافسة والسباق واتخذ أحيانا صور المهرجانات والمناسبات الاجتماعية، فالكل امتطى عجلة التطوير ولا بد أولاً من الاهتمام الحقيقي بالواقع وحل مشكلاته الأساسية وإصلاح بنيته التحتية خوفاً من أن تحدث فجوة كبيرة بين البعد النظري والبعد العملي ويصبح عملنا (كمن يغلق الجرح على عفن). هذه بعض من ملامح وسلبيات نظامنا التربوي ورغم أن هناك جهودا طيبة تبذل لإيجاد الحلول المناسبة لبعض الأوضاع إلا أن المشاكل لن تحل حلاً جذرياً، طالما أن هناك اختراقات وازدواجية في التخطيط وأعمالاً إضافية لا تمت بصلة إلى التعليم، وعدم اعتراف بالأخطاء وتعتيم على بعض الأوضاع السلبية، ما دامت لم تحدث أضراراً واضحة. اننا نحتاج لإصلاح نظامنا التربوي والتعليمي إلى أمور كثيرة منها: 1 - اتاحة فرص وظيفية أخرى مناسبة للمرأة تلتحق بها من لا ترغب العمل في مجال التعليم. 2 - اعتماد الجدية والجرأة في التقييم بعيداً عن المجاملة التي أعلت أسماء لا تستحق وضخمت انجازات غير حقيقية، مع محاسبة المقصرين ومعاقبتهم، وتمييز المجدين وتقديرهم. 3 - تغيير نظام الحوافز المعمول به (المكافأة بالسماح بالغياب) والبحث عن أساليب أخرى للتحفيز تتناسب مع توجه الدولة إلى الإصلاح والعمل الجاد كتفريغ الموظفات لمهامهن الأساسية وتذليل ما يعترضهن من مشكلات وتأمين ما تحتاجه البيئة التعليمية، وإشراك المعلمات في الرأي واتخاذ القرارات تعزيزاً للثقة والنمو الذاتي.. وغير ذلك من المحفزات المعنوية. 4 - تقوية ثقافة الانضباط وتدعيمها بالأنظمة والقوانين الفعالة. 5 - الالتزام بمعايير ومؤشرات واضحة ودقيقة للاختيار للوظائف التي تحتاج إلى عقلية علمية وثقافة واسعة، وقدرة على الإحساس بالمشكلات وتصحيح مسارات العمل بوعي - فالخبرة والمؤهل لا يكفيان في بعض المواقع - ووضعها بأيدي القادرين على تطبيقها، مع إبعاد الخاملين والمنتفعين. 6 - التأكد من أن مديرات المدارس في مستوى مسؤولية أدوارهن غير منصرفات للأمور الشكلية. 7 - توجيه الاهتمام إلى الطالبات - خصوصاً طالبات المرحلة الابتدائية - والتأكد من أنهن يتخرجن وهن متمكنات من المهارات والمعلومات الأساسية. 8 - التعليم الأهلي الذي يتوسع سنوياً على حساب النوعية، لابد من رؤية واضحة شاملة وثاقبة لأوضاعه وتقييم لمخرجاته بصورة بعيدة عن الشكلي مع التشدد في منح التراخيص، فليس من المقبول «الإعلان عن مواعيد لتقديم الطلبات لفتح مدارس أهلية واستعجال الراغبين»، لأن التعليم ليس سلعة تباع وتشترى - وفي الوقت نفسه لا بد من دعم القادرين على التميز وتشجيعهم بكل السبل على السير في هذا المنهج. 9 - التجديد والخروج من القوالب الجامدة في التعليم مع أهمية الوقوف والتعامل بحذر مع بعض الشعارات المفرطة في التبسيط كمقولة (ليس المهم ما نتعلمه بل كيف نتعلمه) - التي قد تكون صحيحة إلى حد ما - وغيرها من الأفكار البراقة المتداولة هنا وهناك، خوفاً من أن نضيع المعلومة والطالبة، مع البعد عن الاجتهادات والتقليد الأعمى الناتج عن فراغ فكري. وأنا إذ أكتب في هذا الموضوع الهام انطلق من خبرتي في هذا المجال واحساسي بأهمية المساهمة في خلق جو يساعد على الإصلاح.. والله من وراء القصد.. ٭ مساعدة في مركز إشراف