اعتدنا في الكثير من مشاكلنا العامة بأن نرمي بالمسؤولية كاملة على جهات حكومية معينة، نرى بأن إهمالها أو تقصيرها أدى لنشوء وتفاقم هذه المشكلة أو تلك. ولكني هذه المرة أرى بأننا - كمواطنين - مسؤولين وشركاء عن تنامي وتعاظم ظاهرة التسول. لا أريد أن أدافع هنا عن مكاتب مكافحة التسول والجهات الحكومية الأخرى المعنية بمكافحته، ولا أبرئ ساحتهم تجاه انتشار هذه الظاهرة، فالتقصير الحاصل منهم واضح ومشاهدة آثاره في كل مكان. ولكني أود أن أشير إلى أننا - كمواطنين - نتحمل أيضًا قدرًا كبيرًا من المسؤولية هنا، من خلال التعاطف الذي يبديه الكثيرون منّا تجاه من يحترفون هذه المهنة، فتجد أيادينا دائمًا مبسوطة لهم، الأمر الذي جعل المتسولين يستغلون طيبة وكرم هذا المجتمع، وأصبح التسول عند السواد الأعظم منهم مهنة تدر عليهم الأموال الوفيرة. وهو ما أغرى آخرين - كعمال النظافة - بالدخول إلى ميدان هذه التجارة المغرية والتربح منها! ديننا الحنيف حثّ على الصدقة ورغب إليها. ولكنها الصدقة التي تذهب إلى مستحقيها من المعوزين والفقراء، لا إلى من اتخذوا من التسول تجارة. فهؤلاء محتالون يسرقون أموال الناس. ونحن إذا أردنا لهذه الظاهرة الخطيرة أن تنحسر، فلنتوقف عن إعطاء المال لكل أحد، وعندما امتنع أنا وأنت والآخرين عن هذا الشيء سينسحب المتسولون من الميدان، لأن التسول كما قلت صار مهنة تدر على أصحابها المال الوفير. والتاجر عندما لا يرى رواجًا لبضاعته في مكانٍ ما فإنه يحمل بضاعته ويغادر المكان ولا يعود إليه مرة أخرى. وأختم هنا بهذا الأثر، والذي يبين كيف كان يتعامل سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنه مع المتسولين. حيث يُروى أن عكرمة - تابعي - كان إذا رأى السَّؤُال يوم الجمعة سبّهم ويقول: كان ابن عباس رضي الله عنه يسبّهم ويقول "لا تشهدون جمعة ولا عيدًا إلا للمسألة والأذى، وإذا كانت رغبة الناس إلى الله، كانت رغبتهم إلى الناس".