(1) وجاءت الإجازة الصيفية.. من جديد، تحمل لكل أصحاب قصور الأفراح وقاعات الفرح ومراكز التجميل ومحلات الطبخ الخير العميم! في استغلال سنوي مألوف لعادات مجتمع يدور حول اهتماماته وطقوسه العجيبة إلى ما لا نهاية! ولا عزاء للذين يرتهنون لذلك الواقع المتصلد كل عام!! وعندما ينعتق هؤلاء قليلًا من موسم تزاوجهم السنوي يستقبلهم صيف المدن الحار بفعالياته الباردة. (2) أي سياحة تلك التي تدور لظاها في شوارع أغلبها متكسرة مهترئة وتحويلات ميدانية، تتحول معها الساحات إلى كتل بشرية حديدية متجهة نحو نقطة (وحيدة)؟..! أي سياحة تلك التي تجري فعالياتها في مدن تصل درجة حرارتها ليلًا إلى ما يزيد على الأربعين! أي سياحة تلك التي يتجه روادها للسكن في فنادق أغلبها بائسة ترتفع أسعار أقل الغرف فيها عن خمسمائة ريال؟.. أي سياحة داخلية تلك التي تلهف مكائن ملاهي الأطفال فيها جيوب الآباء المغلوبين على أمرهم لنصف ساعة فقط (ومن يقول للعاملين في تلك الملاهي أن هذه الألعاب المتواضعة لا يمكن أن يدفع من أجلها 50 ريالا لدقيقة واحدة.. أشكي لمين منك؟). هل ثمة سياحة بلا مسرح فني راقي.. بلا دار سينما تشع من شاشاتها فنون العالم وموسيقاه وحكايته التي لا تنتهي!! .. سياحة (إيه يا جماعة)!! ليتنا نحل -أولا- إشكالاتنا المريرة مع بعض خطاباتنا الفكرية.. حتى يكون في الفضاء متسع للفرح الحقيقي والبهجة الخالصة. (3) بالله عليكم.. هل أن تلك الفعاليات الصيفية التي تبدأ معه إجازتنا السنوية تحقق الفرح الخالص الذي تسمو به روح الإنسان إلى آفاق الدهشة والرعشة والألق المبين؟ هل أن تلك المخيمات الصيفية تحلق بمرتاديها إلى عوالم أخرى غير مألوفة تفضي بهم إلى مشاعر من السمو الخلاق، وتستفز عقولهم لما هو أبعد وأبعد؟ أم أن المسألة لا تزال وصايا ومسابقات عرف صغارنا إجاباتها (المُحْكَمَة) منذ سنوات! والشيء نفسه ينطبق على المراكز الصيفية التي تشرف عليها إدارات التعليم في المناطق المختلفة..! ولكن المشكلة الحقيقية -بالفعل- أن يكون عقل الإنسان لدينا قد انسجم مع تلك المعطيات (التقليدية) من أنشطة البهجة. (كان ذلك كذلك -بالفعل- وأنا أنصت إلى مداخلة إذاعية صباحية استمات أصحابها في طلب إيجاد مركز صيفي داخل قريتهم التي تبتعد عن أقرب مركز بمسافة خمسين كم، وهو إلى ذلك مكتظ بأعضائه المسجلين)!! (4) لا أشفق بوجع إلا على الذين يمتلكون أرواحا خفاقة بالبهجة وعقول متسعة لأطياف الكون وثقافاته وفنونه وعجائبه ومدنه الساحرة ثم لا يستطيعون الانعتاق من واقعنا الصيفي (البارد) إلى فضاء الكون الرحيب لضيق ما في الأيادي والجيوب الفارغة.. وتجدهم مع ذلك سعيدين بحياتهم قادرين على الاستمتاع بتفاصيل عيشهم واستحلاب المتعة من جفاف الأودية.. فهم يؤكدون على حقيقة السعادة الإنسانية الخالصة التي تبدأ من الذات نفسها.. الذات المفعمة بترقب لحظات الدهشة والجمال.. الذات الغارقة بالوعي المستنير المطمئن.. القادرة على الارتحال بجسدها المتجلي إلى مشارق الأرض ومغاربها. (5) يمكن أن نستشعر سياحة داخلية حقيقية إذا ما استثمرنا شتاء وأوائل الربيع في أكثر مناطق ومدن المملكة.. ففي هذه الفترة الزمنية تتحول سهوب وأودية وجبال وشعاب فضاءاتنا إلى كتل بهيجة من السحر المبين، الذي حفز رحالة العالم من عقود طويلة من الزمن لممارسة اكتشاف الصحراء وهي تزف مرتاديها إلى صياغة علاقة مثالية مدهشة مع الأرض والأشجار والكائنات الغارقة في الحنين. من يعرف هسيس الأرض التي تضمنا جيدا يعرف لغة الفرح التي تنطق بها أرجاؤنا عندما (تشتي) الدنيا و(تربع)! في اللحظة التي تستسلم الأرض لدينا لصمت قهري في الصيف!! (6) للجميل الحميدي الثقفي ذات شتاء طائفي: ما اخترت أكون من الهوى والنار والطين اختيار ما اخترت ألم البحر دمع في عيوني وأذرفه ما اخترت أغني موجة اليا مال من لون المحار لكني اخترتك تقاسمني ظنون الأرصفة [email protected]