جامعة حائل: اختبار «التحصيلي» للتخصصات النظرية شرط للقبول السنوي للعام الجامعي 1446    ابن البناء المراكشي.. سلطان الرياضيات وامبراطور الحساب في العصر الإسلامي    عهدية السيد تنال جائزة «نساء يصنعن التغيير» من «صوت المرأة»    أمطار خفيفة على منطقتي جازان وحائل    فرصة مهيأة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. البنك الإسلامي للتنمية يحتفل باليوبيل الذهبي    بيانات التضخم الأمريكي تصعد ب"الذهب"    مطار الأحساء يطلق رحلة إضافية مباشرة لدبي    عسير تكتسي بالأبيض    الأهلي والترجي إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا    اتفاقيات مع الصين لبناء آلاف الوحدات السكنية    فريق طبي سعودي يتأهل لبرنامج "حضانة هارفرد"    بينالي البندقية يزدان بوادي الفنّ السعودي    كبار العلماء: من يحج دون تصريح "آثم"    "طفرة" جديدة للوقاية من "السكري"    إغلاق منشأة تسببت في حالات تسمم غذائي بالرياض    الأحمدي يكتب.. الهلال يجدد عقد السعادة بحضور جماهيره    الصحة: تماثل 6 حالات للتعافي ويتم طبياً متابعة 35 حالة منومة منها 28 حالة في العناية المركزة    ليستر سيتي يعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز    اختتام المرحلة الأولى من دورة المدربين النخبة الشباب    الإعلان عن تفعيل الاستثمارات المباشرة وانطلاق العمل الفعلي في صندوق "جَسور" الاستثماري    شركة TCL توحّد على نحو استباقي شركائها العالميين من أجل تحقيق العظمة في مؤتمر الشركاء العالميين لعام 2024    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 686 مليون ريال    وفاة الأمير منصور بن بدر    نائب أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة 2030 من إنجازات ومستهدفات خلال 8 أعوام    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    منتخب اليد يتوشح ذهب الألعاب الخليجية    ريال مدريد يهزم سوسيداد ويقترب من التتويج بالدوري الإسباني    جيسوس يفسر اشارته وسبب رفض استبدال بونو    الاتحاد يخسر بثلاثية أمام الشباب    «الدفاع الروسية» تعلن القضاء على ألف وخمسة جنود أوكرانيين في يوم واحد    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    رؤية الأجيال    "الشؤون الإسلامية" ترصد عددًا من الاختلاسات لكهرباء ومياه بعض المساجد في جدة    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    "السينما الصناعة" والفرص الضائعة    محمد بن عبدالرحمن: طموحات وعزيمة صادقة    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    إغلاق فروع منشأة تجارية بالرياض بعد رصد حالات تسمم    توافق مصري - إسرائيلي على هدنة لمدة عام بقطاع غزة    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يزور قيادة القوة البحرية بجازان    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    "الأرصاد": لا صحة لتعرض المملكة لأمطار غير مسبوقة    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    مقال «مقري عليه» !    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرهن العقاري..حزمة من الاستفهامات تحيط به.. فمن يحلها
نشر في المدينة يوم 01 - 04 - 2011

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن نظام الرهن العقاري، وأهمية تطبيقه في المملكة. الخبراء الاقتصاديون يقولون إنّ هذا النظام عندما يطبق بالسعودية فإنّه سيشجع على زيادة أعداد شركات التقسيط والتمويل العقاري وتوسيع نشاطاتها، حيث يتوقع أن يصل عددها إلى أكثر من 50 شركة في العام الأول من تنفيذ النظام، ما سينجم عنه اتساع في قاعدة فرص التمويل العقاري، وإنعاش السوق العقارية، ولما له من دور كبير في حل مشكلة السكن لدى الفئات ذات الدخل المحدود والمتوسط، وخفض الفائدة على التمويل العقاري، مع تراجع نسب الفائدة التي تأخذها الشركات والبنوك التمويلية، فهل هناك مصالح شرعية حقيقية تقتضي تطبيق النظام فعلًا؟ تساؤلات رأى ملحق “الرسالة” أن يثيرها مع الشرعيين والفقهاء والخبراء الاقتصاديين ليوضحوا الظواهر السلبية والإيجابية، التي ستحكم النظام في المستقبل القريب.
إثارة المشكلات
بداية يصف الدكتور محمد فهد القحطاني الأكاديمي والخبير الاقتصادي نظام التمويل العقاري بأنه جرى تضخيمه والمبالغة فيه لأنّ البنوك تقوم بهذا الدور فعلًا، إضافة إلى عدم وجود نظام مؤصل بشكل واضح المعالم، ويقول: قد يؤدي هذا النظام إلى حدوث مشكلة كبيرة كما حصل في الولايات المتحدة من التوسع في فرض الضرائب، كبيع الدين بالدين، أو المبالغة في توفير القروض، لذلك لا بد من توافر الضوابط التي تحكم هذا النظام مثل إيجاد نظام رقابة مالية على البنوك وشركات الرهن العقاري، لاسيما ملاك العقارات الذين قد تكون لديهم مصلحة كبيرة في التوسع في مثل هذا الأمر.
ويرى القحطاني ضرورة إيجاد التمويل الكافي لتنفيذ دراسات متعلقة بجانب التمويل العقاري لتوضيح الجوانب السلبية والإيجابية فيه، فالقضية على حد رأيه لا تقتصر على فرض ضوابط معينة تحكم طبيعة النظام، مشيرًا إلى أنّ وجود دراسات مستفيضة توضح ماهية العوائق الموجودة في تطبيقه وتحليل مكامن الخلل والعلل في فترة ما بعد تطبيقه وأهمية النظر في طبيعة المجتمع لدينا وهل تطبيق النظام في السعودية قد يؤدي إلى حل مشكلة العقار، منوهًا إلى أنّ هذه المهمة ملقاة على عاتق الشركات العقارية والتمويلية.
ويحذر القحطاني من التوسع الهائل في نظام الرهن العقاري قائلًا: ينبغي التحذير من التوسع في العمل بهذا النظام حتى لا يؤدي إلى جوانب سلبية كأن يدفع المواطنين لتحمل ديون كبيرة لا يستطيعون بعد ذلك سدادها، مستشهدًا بما حصل في الولايات المتحدة، حيث أثبت النظام إخفاقه بسبب تراكم الديون على المواطنين وأصبح أصحاب المنازل غير قادرين على السداد، وذلك بسبب المغريات التي قدمت لهم وتقديم أكثر من قرض في آنٍ واحد للمواطن الأمريكي وعندما يفشل الدائن بالسداد فإنّه سيصاب بعجز مالي.
توفير المساكن
من جانبه يؤكدّ الدكتور عبدالرحمن الحامد أستاذ الاقتصاد الإسلامي أنّ نظام الرهن العقاري يهدف لتوفير المساكن، والسعودية تحتاج إلى نحو مليوني مسكن، موضحًا بأنّ تطبيق النظام سيكون له أثر كبير في الطلب على العقار، وبالتالي ستكون هناك زيادة في أسعار العقارات، فلا بد قبل تطبيق النظام أن يتم الحديث عن سوق العقار وقيمة الأراضي المرتفعة بالمقارنة مع تكاليف بناء المساكن، والعمل على حل مشكلة الزيادة والمضاربة على الأراضي من خلال فرض ضريبة أو زكاة على العقار حتى لا تأخذ أسعار الأراضي في الارتفاع، وكذلك العمل على توفير الخدمات في أراضي المنح والمخططات المعتمدة حتى يستطيع ملاكها البناء عليها، والسماح بالتمدد الرأسي وليس الأفقي للأراضي وهذا من شأنه أن يسهم في نجاح تطبيق نظام الرهن العقاري.
ويشير الحامد إلى أنّ النظام الذي سيطبق بالشراكة مع وزارتي المالية والعدل كجهات داعمة وراعية لهذا النظام، فقد كانت وزارة العدل في السابق لا تتفاعل مع أي قضية مقدمة في مجال الرهن العقاري مما يتعلق بالبنوك، لكن الآن تم تأصيل النظام من الناحية الشرعية، وهناك اتفاق قائم بين وزارتي العدل والمالية لإقرار نظام الرهونات العقارية لكي يتم ضمان حقوق الشركات التمويلية وضمان سداد القروض من قبل المستفيدين.
ويشيد الحامد بنظام التأجير التمويلي المعروف ب “التأجير المنتهي بالتمليك” قائلًا: هذا النظام له خصائص جيدة لأنّ المسكن يكون مسجلًا باسم الجهة الممولة، فيأخذون أقساطًا شهرية إجبارية على المستفيد حتى ينتهي من سداد قيمة العقار، ومن ثم يصبح المنزل ملكًا له. محذرًا في الوقت نفسه من الآثار المترتبة على تطبيق نظام الرهن العقاري بسبب زيادة الطلب على العقار فلا بد من وضع تشريعات معينة تحكم هذه الظاهرة، ومنوهًا إلى أنّ الخمس سنوات القادمة من بعد تطبيق النظام ستشهد ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار العقارات وهذا يعود إلى زيادة الطلب على عناصر الإنتاج التي تستخدم لتنفيذ المباني من العمالة والمهندسين ومواد البناء، وهذا يستدعي بحسب الحامد نظرة كلية حول نظام الرهن العقاري ومدى الحاجة إلى تطبيقه.
ويؤكد الحامد أنّ نظام التمويل العقاري للمساكن سيكون عن طريق القطاع الخاص والحكومة سوف تتولى تقديم الضمانات للجهات الممولة ممثلة بوزارة العدل، التي ستكون بمثابة الجهة القضائية التي ستعمل على النظر في القضايا المرفوعة لها من شكاوى أو ضمان حقوق الجهات الممولة والمستفيدين، حيث كانت في السابق ترفض النظر في القضايا أو الشكاوى المحولة لها بحجة الفوائد البنكية لكن بعد توفر الضوابط الشرعية التي تحكم هذا النظام بات الأمر مختلفًا، موضحًا أنّ تطبيق ذلك النظام سيؤدي إلى خفض نسبة الفوائد البنكية على نظام التمويل الشخصي المعمول به لدى البنوك بنسبة 60%.
ويشدد الحامد على أنّ زيادة الطلب على العقار والعمالة من شأنها أن تؤدي إلى التضخم، فزيادة الطلب على عناصر الإنشاء والتعمير يؤدي إلى تكاليف باهظة للعقار، منوهًا إلى أهمية أن تكون هناك خطة متكاملة تحكم هذا النظام حتى لا يحدث مثل هذا التضخم، ملمحًا إلى أنّ نظام الرهن العقاري سيركز على منح القروض الصغيرة وسيستهدف أصحاب الدخل العادي والمنخفض إذ إنّه بحلول عام 2013م أي بعد سنتين -بحسب الحامد- سنكون محتاجين إلى 48 مليار ريال سعودي حتى يتم تغطية تمويل الطلبات العقارية كافة.
إعادة الدراسة
من جهته يؤكد الخبير الاقتصادي والعضو السابق بمجلس الشورى الدكتور عبدالله صادق دحلان أنّ نظام الرهن العقاري قد تمّ عرضه على مجلس الشورى عندما كان أحد أعضائه، وقد أقرّ هذا النظام ضمن ضوابط معينة إلاّ أنّ النظام قد تمت إعادته للدراسة مرة أخرى، الأمر الذي أدى إلى تأخر إقراره حتى تم ذلك مؤخراً.
ويرى دحلان أنّ المرحلة الحالية التي نمرّ بها هي مرحلة قدرة الحكومة على توفير مسكن لكل مواطن، ولن نستطيع أن نضمن ذلك بحسب دحلان حتى نضمن حقوق الممولين وضمان حقوق الشركات والمؤسسات الممولة، مؤكدًا أنّ تطبيق ذلك النظام في السعودية سيحدث طفرة جديدة في مجال التنمية العقاري وستشهد حالة من الانتعاش.
ويضيف دحلان قائلًا: ضمان حقوق الممولين في نظام الرهن العقاري سوف يعطي المجال الكافي للشركات والمؤسسات التمويلية العاملة في المجال العقاري لبيع العقار إذا لم يستطع المستفيد السداد وسوف يصبح العقار مرهونًا للممول حتى يتم سداد القرض كاملًا. مشيرًا إلى أنّ تأخر السعودية في تطبيق نظام الرهن والتمويل العقاري قد منحها الاستفادة من خبرة وتجارب الدول الأخرى التي قامت بتطبيق وتجربة النظام إذ إنّ الحاجة إلى ذلك النظام ماسة جدًا على حد تعبير دحلان بعد استكمال واستيفاء الدراسات الشرعية والاقتصادية وإقرارها من قبل الشرعيين والخبراء، وذلك حتى يتم توفير المسكن المثالي لكل مواطن سعودي.
دراسة متأنية
أما عضو هيئة كبار العلماء الدكتور علي حكمي فيعتبر أنّ نظام الرهن العقاري بات أمراً واقعاً، وقد عرض على مجلس الشورى ودرست إيجابياته وسلبياته، فهو لم يعد بحاجة إلى فتوى، حيث إنّ النظام بحسب حكمي فيه مصلحة للجميع والتعامل فيه قد يحل مشكلة توفير المساكن والعقارات للمواطنين، مشيرًا إلى أنّ ما يسمى بنظام “الرهن العقاري” أو الائتمان العقاري قد تمّ إعداده في السعودية من قبل خبراء وجهات مختصة، إضافة إلى العلماء والشرعيين.
الضبط الشرعي
وفي سياق متصل يؤكدّ الدكتور محمد العلي، الأكاديمي والباحث في الشؤون الشرعية أنّ هناك حاجة ماسة لبناء المنازل عند كثير من المواطنين وتحتاج مثل هذه الحالة إلى الضبط حتى تتوافق مع النظرة والناحية الشرعية، فإذا كان النظام يعالج مشكلة كبيرة وهي توفير المساكن التي لا يستطيع حتى صندوق التنمية العقاري إقامتها بمبلغ 300 ألف ريال. ويرى العلي أهمية الحاجة إلى إصدار البحوث والدراسات العميقة المتعلقة بنظام الرهن العقاري، فهذا الأمر يحتاج إلى الباحثين والخبراء الشرعيين، فالكوادر على حد العلي موجودة لكنها بحاجة إلى من يثيرها، موضحًا أنّ تنفيذ ذلك الأمر لا يعدّ صعبًا وإنّما هو سهل للغاية.
ويضيف العلي قائلًا: يحتاج النظام الجديد إلى ضبط البنوك والمؤسسات العاملة في مجال التمويل والرهن العقاري، بحيث يتم تحديد نسبة الفوائد على القروض العقارية، فلا بدّ أن تكون نسبة معقولة لا تلحق الضرر بالمواطنين. مشددًا على ضرورة أن يكون النظام المطبق متوافقًا ومناسبًا مع المجتمع السعودي ويراعي دخل كل مواطن حتى لا تتكرر تجربة الولايات المتحدة في نفس المجال مما أدى إلى الأزمة المالية الحالية التي تعيشها.
حاجة ماسة
وعلى الصعيد نفسه يؤكدّ أستاذ الاقتصاد الإسلامي والخبير في المجمع الفقهي الإسلامي الدولي الدكتور محمد علي القري أنّ الرهن العقاري من العقود التي يحتاج إليها المسلمون فهي من العقود التي ذكرت في القرآن أكثر من مرة، مبينًا أنّ عقد الرهن وجد ليواكب حاجة الناس فهو بمثابة توثيق الديون المرتبة على الآخرين، ولا شك أنّ أفضل توثيق لها هي الرهن فلما كان الناس يحتاجون إلى شراء المساكن بالدين برزت الحاجة إلى توثيق هذا الدين عبر نظام الرهن العقاري بحيث يكون الأمر أكثر كفاءة وهو حماية حق الدائن، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض تكلفة التمويل والعمل على توفير المساكن بأقل التكاليف.
ويؤكد القري أن عقد الرهن العقاري من العقود الفقهية القديمة التي عني بها الفقهاء في المدونات الفقهية، ولها باب في الفقه تعرف باسم “الرهن”، لكنّ الأمور في الوقت الحالي تطورت بشكل أكثر مما كانت عليه في السابق، حيث كانت الأمور عبارة عن أمانة (دابة، منزل) توضع عند شخص معين، أما في العصر الحالي فقد تحولت إلى وثائق أو سندات تحتاج إلى فوائد فظهرت الحاجة إلى قوانين ومبادئ لتحكمه وتنظمه.
ويرى القري عدم وجود أي نقطة سلبية في نظام الرهن العقاري الحالي، مشيرًا إلى أنّ كثيرًا من الناس يتخوف من حدوث أزمة مالية جراء تطبيقه كالتي حدثت في الولايات المتحدة، موضحًا بأنّ هذا النظام لا يعدّ بديلًا عن الدين وإنّما هو بمثابة التوثيق له، مستشهدًا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه)، مطمئنًا في نفس الوقت بأنّ الرهن في النظام الإسلامي لن يؤدي إلى حدوث أي أزمة على الإطلاق كالتي حدثت في أمريكا.
علاقة تكاملية
من جانبه يؤكدّ الأكاديمي والباحث الإسلامي الدكتور عبدالرحمن قاسم أنّ الرهن العقاري تنطبق عليه القاعدة الشرعية التي تقول: (الشيء الذي جاز بيعه، جاز رهنه)، فإذا جاز بيع الشيء فإنّه حتمًا يجوز رهنه، موضحًا أنّه من الممكن أن ينحرف عن مساره الطبيعي إذا انطبق عليه أمران وهما: طول المدة التي ربما تتفاوت بين 10 و15 عامًا، وقد يموت حينها الشخص أو يقع له عارض، والأمر الثاني هو عدم قدرة بعض الأشخاص على إكمال سداد الأقساط المترتبة على العقار، مما يؤدي إلى بيعه بأبخس الأثمان إذا لم يستطع صاحبه السداد.
ويرجع قاسم تأخر إصدار البحوث والدراسات الفقهية في نظام الرهن العقاري إلى أنّه وفي العادة عندما يحتاج الناس إلى شيء معين أو تنزل بهم نازلة فإنّ الفقهاء يحاولون أن يبسطوا الأمر للعوام فتأتي البحوث وتؤصّل لهم شرعًا، مشيرًا إلى أنّ البحوث دائمًا ما تأتي بعد وقوع الواقعة والنازلة، فموضوع الرهن العقاري بحسب قاسم يعدّ موضوعًا جديدًا يحتاج إلى أن يبحث من جميع الجوانب.
ويضيف قاسم قائلًا: حسب معلوماتي فإنّه وفي الدول الغربية يتم ارتكاب محظورات تخالف الشرع في نظام الرهن العقاري، حيث يتم رهن شيء بشيء أعلى منه، مثل رهن عقار بعقار آخر حينما يتم إعطاء القرض للمستفيد، إذ تشترط بعض الشركات والبنوك على صاحب القرض أن يرهن عقارًا عندها حتى يصرف له القرض وتكون قيمة العقار أكبر من قيمة القرض، فإن لم يستطع المستفيد السداد فإنّ البنك أو الممول يقوم ببيع العقار بثمن بخس حتى يتم استرداد قيمة القرض كاملًا.
ويؤكد أنّ بعض البنوك والشركات التمويلية بالسعودية تعمل بهذا النظام، حيث إنّ هذا التصرف على حد تعبيره يشكل خطورة على أداء وسير نظام الرهن العقاري في المستقبل.
أسلوب معاصر
من جهته يعد الدكتور خالد المصلح، أستاذ الفقه الإسلامي وعضو الجمعية الفقهية السعودية، أنّ نظام الرهن العقاري يعدّ أحد الأساليب الاقتصادية المعاصرة لتوفير المتطلبات العقارية من منشآت ومساكن، فالحاجة إليه داعية لكن لا بدّ من مراعاة الضوابط الشرعية التي تجنب العقد أسباب المنع مثل: الربا، والغرر، والظلم، وسائر أنواع المحظورات التي هي سبب من أسباب التعدي على الآخرين، ويؤكدّ المصلح أن سوء استعمال ذلك النظام وعدم ضبطه من منظور الشرع أدى إلى حصول الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، مشددًا على أهمية مراعاة مثل ما يراعى من أسباب التحريم فلا بد من ضبط النظام من الناحية الشرعية. ويشير المصلح إلى أهمية إيجاد بحوث ودراسات شرعية متخصصة تتحدث عن نظام الرهن العقاري وتؤصلّه من الناحية الشرعية، مشيرًا إلى أهمية معرفة مدى الحاجة إلى مثل هذه الدراسات والبحوث عن طريق الجامعات والكليات الشرعية المتخصصة في السعودية.
حاجة شرعية
أما الدكتور عبدالكريم الخضر، أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة بجامعة القصيم فإنّه يعتبر بأنّ المقصود بنظام الرهن العقاري هو الذي يتيح للمستفيد شراء العقار (سواء كان سكنيًا أو استثماريًا) بتمويل قرضي من مؤسسات متخصصة في التمويل العقاري، ويقوم المستفيد بسداد ذلك القرض من خلال قسط شهري يدفع لفترات طويلة نسبيًا حتى تتم تغطية مبلغ القرض و(المرابحة) التي ستدفع عليه والضامن هو العقار نفسه المراد تمويله (عن طريق رهنه) فيكون العقار مرهونًا لحساب المرتهن (المقرض) حتى يسدد الراهن جميع التزاماته بشرط أن تغطي قيمة العقار السوقية قيمة القرض كاملة.
وحول ما يحققه تطبيق النظام من مصالح شرعية حقيقية يؤكدّ الخضر أنّ هناك مصالح شرعية حقيقية تقتضي تطبيق نظام الرهن العقاري ولعل من أهمها حصول الإنسان على مسكن يؤوي إليه هو وزوجته وأبناءه، سواء كان عن طريق تأجير مقدورا على قيمة أجرته أو عن طريق الشراء المقدور على قيمة شرائه وتملكه، مشيرًا إلى أنّ هذا النظام يتيح للإنسان الحصول على العقار الذي يريد بطريق اقتراضه وضمان مبلغه برهنه ومن الممكن أن يكون التمويل بنظام الرهن العقاري على شكل تمويل لزيادة البناء أو تمويل أعمال تشطيب العقار المرهون، ويكون من حق الراهن (المالك) أن يستخدم العقار بشكل طبيعي، بحيث لا يلحق به أي أذى أو أضرار مادية قد تضر بقيمته.
ويتابع الخضر قائلًا: في حالة نقص قيمة العقار أو تضرره فإن الراهن يلتزم بضمان إضافي يعوض هذا النقص إذا كان لا بد له فيه. كما أنّ من حق الراهن الاستفادة من المنافع التي يمنحها إياه العقار المرهون مثل قيمة الإيجار وأي ارتفاعات بقيمة العقار تكون من نصيبه، ويمكن للراهن أن يسدد التزاماته للمرتهن قبل حلول أجل الوفاء بحسب الاتفاق بينهم. ومن حق المرتهن إيقاف جميع الأعمال التي من شأنها أن تعرض العقار للهلاك.
ويرجع الخضر أسباب عدم وجود بحوث ودراسات عميقة إلى ثلاثة أسباب: أولها هو قلة مراكز البحوث العلمية وارتباط أكثرها بالجامعات، ولذلك فإنها كثيرًا ما تنشغل بالبحوث الأكاديمية البحتة، التي يعتقد أن الحاجة العلمية إليها ماسة، والسبب الثاثني هو عدم وجود الدعم المالي والعلمي لها وعدم وجود مراكز بحثية تابعة لجهات تهتم بهذا النوع من البحوث التطبيقية التي تمس الواقع الفعلي للمواطنين، وذلك حتى تجد الدعم لها مما يمكنها من القيام بمثل هذه البحوث، أما السبب الرابع فهو أن هذا النظام من المواضيع التي لم يتم احتضانه من قبل جهة معينة قبل اعتماده وبالتالي فإن المراكز البحثية المتخصصة لا تهتم بها كثيرا لقلة الدعم المادي المخصص لها، منوهًا إلى أنّه وإن كانت قد أجريت عدت دراسات حديثة عن التمويل العقاري في السعودية، لكنها لم تتعرض إلى ذات نظام الرهن العقاري بخصوصه.
الهويمل: تطبيق النظام في السعودية ضرورة ملحة
للتوسع العمراني وتوفير السكن
من جهته يؤكدّ القانوني والقاضي في وزارة العدل الدكتور إبراهيم الهويميل أنّ تطبيق الرهن العقاري في السعودية أصبح ضرورة ملحة جدًا في هذا الوقت لعدة أسباب منها أن يكون فرصة لتوسع العمراني وتوفير السكن وفيه حفظ لحقوق كثير من الدائنين كما أنّه يحجم عن الإقراض بسبب عدم وجود الضمانات الكافية، مشيرًا إلى أنّ هناك العديد من القضايا الموجودة في المحاكم ما زالت عالقة بسبب عدم وجود الرهن الحقيقي، حيث إن بعض الأطراف تلجأ إلى إفراغ العقار للطرف الثاني تحت مسمى عقد بيع وهو رهن في الحقيقة ويلجأ المتعاقدان إلى هذه الطريقة بسبب عدم وجود نظام للرهن العقاري.
ويوافق الهويميل في عدم وجود دراسات وبحوث فقهية تتحدث في هذا الأمر قائلًا: هذا الكلام في مجمله صحيح والسبب أنّ هيئة كبار العلماء تصدر فقط الفتوى، أما البحوث فهي مسؤولية الباحثين ومنهم العلماء بشكل فردي والسبب انه طوال الفترة السابقة لم يكن نظام الرهن بشكله التنظيمي مطروح، وهنا تقع المسؤولية أيضًا على الجامعات لماذا لا تكون هناك رسائل علمية عميقة في هذا؟
ويؤكدّ الهويميل أنّ لكل نظام ايجابيات وسلبيات مؤكدًا أنّ تكون الايجابيات والفوائد أكثر، منوهًا إلى أنّ هناك قاعدة شرعية مهمة جدًا تقول إنّ الأصل في العادات الإباحة ولا يجوز تحريم أو تضيق شيء من المعاملات إلا بدليل شرعي يمنع هذه المسألة أو تلك لهذا فإنه ينبغي وضع النظام على هذا الأساس ويتجنب مشتمل على دليل شرعي يحرم مسألة بعينها كاشتماله على ربا أو غرر أو تحايل وهكذا.
السبر: مفاسده أكثر
من مصالحه بكثير لأنّه يؤدي إلى كثرة التقسيط والتعامل به
وفي سياق متصل يعتبر الأكاديمي والباحث في القضايا الشرعية الدكتور سعد السبر أنّ الرهن العقاري هو عبارة عن بيع عقار ورهنه لدى البائع حتى يتم سداد كامل القيمة للبائع هذه هي الصور المشروعة وتطبيقه موجود الآن في السوق السعودي، ولكن الذين يُطالبون يريدون فتح شركات للرهن العقاري وزيادة البيع بالرهن العقاري وحقيقة أَضراره أكثر وأشد من مصالحه إن لم يُضبط بالضوابط الشرعية والنظامية سيصل بالناس مثل كساد السوق الأمريكي.
ويشير السبر إلى حقيقة الرهن العقاري في أن مفاسده أكثر من مصالحه لأنّه يؤدي إلى كثرة التقسيط والتعامل به وكثرة الطلب مع قلة العرض، مما يترتب عليه ارتفاع أسعار العقار أكثر مما هي عليه الآن، وسلبياته كما حدثت في أمريكا وأضرت بالاقتصاد الأمريكي. متسائلًا في نفس الوقت قائلًا: هل نعتبر؟ أما المصالح الشرعية فمحدودة لأن مشكلته المخالفات الشرعية.
ويؤكدّ السبر وجود البحوث والدراسات التي تتحدث عن هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أنّ العلماء لهم بحوث ودراسات رصينة وعميقة فمجلة مجمع الفقه الإسلامي فيها بحوث عن الرهن العقاري والرهن باب من أبواب الفقه الإسلامي من 1432 سنة وحتى اليوم وأحكام البيع ومن ضمنها بيع العقار وهذا أيضا ممتلئ به الفقه الإسلامي ومن يقول هذا الكلام حقيقة بعيد عن الفقه الإسلامي وليس بباحث في الفقه.
ويحصر السبر سلبيات تطبيق الرهن العقاري في ارتفاع أسعار العقار أضعافًا مضاعفة وعدم قدرة محدودي الدخل على شراء مساكن لهم وتسويق عقارات كبار التجار التي لم تجد لها تسويقا ورواجا، إضافة إلى البعد في التعامل به بيعًا وشراءً عن أحكام الشريعة ومخالفة أحكامها وكذلك كثرة العرض وقلة الطلب وقلة السيولة لدى البنوك، وكساد اقتصاد البلد.
وحول الضوابط الفقهية للرهن العقاري يبين السبر قائلًا: “لا بدّ أن تكون عملية الرهن العقاري مضبوطة بالضوابط الشرعية في أن تكون الشركة، قد اشترت العقار أولا، ودخل في ملكها وضمانها، ثم باعته بثمن محدد، ولا يضر كون هذا الثمن مقسطا أو أنه أزيد من الثمن الذي اشترت به الشركة، كما لا يترتب على التأخر في سداد الأقساط أو بعضها غرامة أو فائدة، لأن ذلك ربا لأن فيه زيادة الديْن والربا محرم والزيادة عند التأخر في القضاء شرط محرم صدرت به فتوى مجمع الفقه الإسلامي وهيئة المحاسبة المالية بالبحرين.
ويضيف السبر: ألا تكون حقيقة صورة الرهن العقاري هي الصورة الممنوعة للإجارة المنتهية بالتمليك، كما صدرت بذلك فتاوى المجاميع الفقهية بتحريم بعض صور الإجارة المنتهية بالتمليك، كذلك أن تنتقل ملكية هذه الشقة إلى المشتري بمجرد عقد البيع، فإذا اشترطت الشركة عدم انتقال الملكية بالبيع كان هذا الشرط باطلا باتفاق العلماء، لمنافاته لمقتضى العقد.
الفنيسان: هذا النظام إجراء احتياطي مهم لحفظ الأموال
وهو من أنواع التوثيق
وفي نفس الإطار يرى الدكتور سعود الفنيسان، الأكاديمي والباحث في الشؤون الشرعية أنّ نظام الرهن العقاري يعدّ إجراءً احتياطيًا مهمًا لحفظ الأموال سواء من المالك أو المشتري فهو نوع من أنواع التوثيق، موضحًا أنّه سيعمل على تحرير كثير من القضايا التجارية كالضرائب، وتعزيز أثمان العقار وهذا سيمكن الناس من طرح العقارات مثل الأسهم، مؤكدًا أنّ هذا النظام يعد طفرة وإن كان قد تأخر من حيث صياغته وإجراءاته لأنّه سيعمل على تحريك أموال الناس وتوثيق عقودهم وسيحررهم من الضرائب.
ويعدّ الفنيسان نظام الرهن العقاري أصلًا جديدًا في الإجراءات العملية، فكل شيء جديد على حد تعبيره يحتاج إلى مزيد من التحري والتثبت وهذا أمر طبيعي، فنظام الرهن العقاري يحتاج تفعيله إلى وسائل كثيرة وتثقيف أعداد كبيرة من المتعاملين فيه لكي يحسنوا التعامل معه بشكل صحيح وفق ما شرع له من أنظمة وقوانين، منوهًا إلى أنّ لكل شيء ايجابياته وسلبياته ولكن إذا وضعت لهذا النظام الجديد آلية وكان النظام واضحًا فحتمًا ستكون له ايجابيات أكثر من سلبياته، لا سيما إذا أصبح النظام متداولًا بين البنوك والشركات الكبرى التمويلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.