مضى الزمان الذي كان يقيم مفهوم الوحدة على أساس من عناصر الاتفاق وحدها – كاللغة - متجاهلا عناصر الاختلاف والتي تعتبر المقوم الأساس لتحقيق هذا المفهوم ليس من خلال التطابق وإنما من خلال التكامل ، وبما يجعل الاختلاف ، وليس الخلاف، عنصرًا هامًا في صياغة خطة عربية شاملة تؤسس للمشروع العربي المؤمل للانطلاق إلى آفاق المستقبل بلا قيود أو عوائق ، وهو ذلك المشروع الذي بإمكانه أن يعيد للأمة دورها السياسي والحضاري الذي يليق بها بعد أن تداعى هذا الدور بشكل مقلق في الآونة الأخيرة على نحو ما نشهده من مآس ومحن في العديد من الدول العربية . انطلاقًا من هذا المفهوم الواقعي الذي أثبت جدواه من خلال التجارب الوحدوية في مناطق عدة من عالمنا المعاصر ، يمكن القول إن إعلان الدوحة الصادر أمس الأول في ختام أعمال اجتماعات وزراء الثقافة العرب لمس الجرح العربي ، ونجح في تشخيص أوجاع الأمة المزمنة كما نراها ونستشعرها في بلدان عربية عدة تجمعها المآسي وحمامات الدم وتفرقها الانقسامات والفتن رغم ارتباطها جميعًا بالمشترك العقدي والحضاري واللغوي والتاريخي والجيوجغرافي.فقد نجح إعلان الدوحة في تشخيص الأزمة العربية الراهنة بأنها أزمة ثقافية بالدرجة الأولى محددًا آلية الخروج من هذه الأزمة بدءًا من إعادة تعريف للهوية الثقافية العربية بحيث تعرّف بأنها متحرّكة لا ساكنة، وتعريف الوحدة الثقافية بأنها تنوّع في إطار الوحدة والتأسيس لثقافة التسامح واحترام الاختلاف وقبول الآخر ، المختلف دينا أو طائفة أو فكرا أو طبقة ، وأيضًا من خلال التمسك بمبدأ حرية الفكر والتعبير والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ، فهذا هو المشترك الفعال لتحقيق أي مشروع مستقبلي ناجح لتفعيل الدور العربي لأمة تمتلك كافة مقومات الانطلاق نحو هذا المستقبل الذي تتطلع إليه ويليق بها . ولنا أن نتوقف عند توصيف إعلان الدوحة لهكذا مشروع عربي ثقافي يمتلك مقومات النجاح بأنه مشروع علمي معرفي يعيد للمثقف العربي دوره ويشكل المنطلق الحقيقي للنهوض بالعمل الثقافي ويعيد لهذه الأمة دورها وهيبتها وسماتها الحضارية الأصيلة بوصفها مسؤولية تاريخية وأخلاقية تضمن للأمة العربية حضورها الفاعل بين الأمم في خارطة الغد الإنساني.