تعد مرحلة الطفولة من المراحل المهمة والأساسية في بناء الشخصية الإنسانية؛ حيث توضع في هذه المرحلة اللبنات الأساسية للبناء الإنساني، والتي من شأنها المساعدة في استواء هذا البناء وتقديمه للمجتمع في صورة أفضل، وتعتبر مرحلة الخمس سنوات الأولى في حياة الطفل هي أهم مرحلة في حياته، حيث تتشكل شخصيته خلالها وتكون ملازمة معه طيلة حياته. وبما أن أغلب الأمهات في الوقت الحالي موظفات تجبرهن الظروف على ترك صغارهن في حضانة للأطفال، واعتبرت بعض الأمهات أن تلك الحضانات مشروع مفيد لهن، ولكنها في نفس الوقت مبعث للقلق وعدم الارتياح والخوف على أطفالهن. ضرورة العمل فتقول السيدة أم جود: “اترك ابنتي لدى حضانة أطفال قريبة من عملي، وطوال وقت العمل أشعر بالقلق على ابنتي حيث إن الحضانة يوجد فيها عدد من الأطفال بعضهم مصاب بأمراض معدية فيعدي الباقي، فأكثر من مرة يصاب ابني بالحرارة واذهب معه إلى الدكتور فيخبرني بأنها عدوى، ولكني مجبرة على تركه في الحضانة، فأهلي يسكنون في منطقة بعيدة عني ولا أستطيع أن أحضر مربيةإلى المنزل. وتقول أم علاء: “إنني اترك ابني في الحضانة حيث إن العمل لا يوفر لي حضانة، واعرف أن في الحضانة أطفال كثيرون فأخاف من عدم الاهتمام بابني مثلما أريد، وأيضا بعض الأحيان يبكي، ولا يعرفون كيف يتصرفون معه فتتصل المشرفة هناك وأتوجه إليهم وآخذه”. وتقول الأخصائية الاجتماعية ذكرى حسين: “إن مرحلة الحضانة مرحلة حاسمة في حياة الأطفال، وتعد من أهم مراحل النمو. وقد ذكرت اللجنة العليا للطفولة عن هيئة الأممالمتحدة أن الطفل في حاجة إلى حماية قبل ولادته وبعدها، كما من حقه أن يتمتع بالرعاية الصحية والروحية والاجتماعية، وأن ينال حقه في الغذاء والرياضة والعيش بين والديه”. فتبين الدراسات أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة تمثل نحو 90% من أطفال تلك المرحلة، وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى 10% وما إن يصلوا إلى السنة الثامنة حتى تصير النسبة 2% فقط، مما يعني أن شيئًا ما في المنظومة التربوية التي ترعى الطفولة في تلك المرحلة يتسبب في إجهاض تلك المواهب الفطرية فيما يُشبه الاغتيال، وهو ما ينبه إلى أن السنوات الخمس الأولى تعتبر من الأهمية بمكانٍ في حياة الطفل حيث تصقل شخصيته، ويتعلم فيها مجموعة كبيرة من العادات والتقاليد، فهي تشكل 85% من معارف الطفل وإبداعاته، وفي الوقت الراهن يقضي الطفل هذه السنوات الخمس غالبًا في الحضانة؛ ولذا فلا يمكن التغاضي عن تأثيرها على الأطفال سلبًا. فلا توجد الصورة الأنموذجية للحضانة في مناطقنا التي تكفل الرعاية الواعية للطفل عقلاً وجسدًا ونفسًا وتراعي السن المناسب لإلحاق الطفل بالحضانة. احتياجات أساسية وتقول الدكتورة ميرفت محمد، أخصائية أطفال: “إن احتياجات الطفل الأساسية في مراحل نموه المختلفة تشمل الطعام والتغذية والكساء والسكن والرعاية العاطفية ورعاية تطور ونمو الطفل والرعاية الصحية والإشراف والحماية من الخطر وتوفير التعليم. وإن كان الإخفاق بتلبية احتياجات الطعام والتغذية والكساء لا تشكل خطرًا مباشرًا على الطفل أثناء وجوده بالحضانة، إلا أن عدم توفير الإشراف والحماية من الخطر يعرض الأطفال في الحضانات لإصابات مختلفة مثل السقوط أثناء اللعب والحرق بوسائل التدفئة والتكهرب والتسمم بتناول الأدوية. وأيضًا هناك بعض المشكلات يعاني منها بعض الأطفال في حال وجودهم في حضانات غير جيدة، منها مشكلات نفسية، وخاصة في البداية حيث الانتزاع من جو الأسرة إلى جو الحضانة الجديد والغريب، ومشكلات صحية خاصة إذا لم تتوافر الشروط الأنموذجية للمكان؛ مما يسبب انتقال العدوى. وتضيف: يجب على مربية الحضانة الواعية أن تحسن التعامل مع المشكلات النفسية بحسن استقبال الطفل الجديد، وتقديم الرعاية الزائدة في الملاعبة والتغذية والتنظيف؛ لتعويضه عما فاته من ذلك في بيئة الأسرة، ومحاولة إيجاد علاقة حب وصداقة بينه وبين زملائه والتنسيق والتعاون مع بيئته حتى يتجاوز المرحلة الانتقالية الأولى بسلام. مسؤولية مشتركة وحل المشكلات الصحية بتوفير شروط المكان المثالية، وهذه مسئولية مشتركة بين إدارة الحضانة والجهات الرسمية المختصة ثم باليقظة الدائمة بعد ذلك لمنع ظهور ما فيه خطر أو ضرر على الأطفال أو العمل على تلافيه فور ظهوره مع تدريب المربيات على سرعة رصد الظواهر المرضية، وعزل أصحابها حتى يتم عرضهم على الطبيب للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية. ويجب على الأم بعد أن تأخذ الطفل من الحضانة أن تقدم له جرعة عاطفية تعويضية من الاحتضان والتقبيل والترحيب، ثم تقوم بتغيير ملابسه والاطمئنان على نظافته الشخصية، ثم تُطعمه وتُهدهده حتى يخلد إلى النوم وعند استيقاظه تسأله عن يوم الحضانة، وماذا كان فيه وتبدي تعليقاتها وتوجيهاتها المناسبة أثناء المحاورة. وتوضح الدكتورة ميرفت أن الحضانة هي وكيل مؤقت عن الأسرة في توفير المأوى والرعاية والتربية للطفل، ومن ثم فإنها مكان وبشر وفكر، وهناك مواصفات خاصة بالأشخاص القائمين عليها كالتخصص الدراسي في مجال الطفولة، والخبرة التربوية العلمية الجيدة، والعمل في المجال بروح أصحاب الرسالة، حيث النية الخالصة وحب المهنة والتفاني في الأداء هي معيار الجودة.