أيها البحر الكبير الذي غصت بأعماقه والطود الشاهق العظيم الذي ارتقيت عليه القمم والغيث الغزير الذي ارتويت من غمامة رحلت على أمل أن نلتقي يومًا تحت عرش الرحمن إلى الأبد نتسامر ونرتوي من نهلك العذب وأقطف لك من أشجار مزرعتك التين والتوت التي غدوت بها بكرة وأصيلا وأقطف لك من وردها وأعصر لك من ليمونها ونعناعها وأجمع لك من لوزها ورمانها وبرتقالها وموزها ونبقها وأفرش لك من رحيق برسيمها ونجمها ووردها وأجتث لك من جزرها وبصلها وأجز لك من جرجيرها وملوخيتها وكراثها وأقطف لك من عنبها وكمثراها ومخيطها ويوسفها لعلي أجدك تحت ظلال كافورها أو تحت جريد نخيلها أو ربما عند مسيلها عند الطماطم التي تأكلها الطيور أو لعلي أجدك عند ينبوع قناطرها التي تنساب على صوت خرير الماء التي عندها زغاريد الطيور المهاجرة التي ترتوي من يديك الطاهرة عند كل مغرب أو أجدك عند تلك الطيور الألفية التي تختبئ عند مغيب الشمس في شجرة الليمون وتصدر أصواتها العذبة الندية أو عند بركة الماء التي ترتوي منها الحيوانات والطيور المهاجرة لترتوي من ينبوعك العذب. أبي كلما نظرت ليدي وهي خاوية على براجمها تذكرت يدك وهي تحملني صغيرًا وتتكئ عليّ كبيرًا وتصافحني فقيرًا، أشعر أني كنت بك أحلم وكنت فيك آملا وكنت عندي نبراسًا للخير والعمل الطيب والقدوة الصالحة.. أبي كلما زارني آحاد الناس بكى على فراقك وأنا لا أعرفه حتى أكفكف دموعه فاكتشف أنها أخلاقك وصدرك الرحب ومحبتك الصادقة ونيتك الصافية قد رأيتك في ثالث أيام الفراق تبشرني أنك كلمت الله فجعلتني أنام قرير العين أنك بخير ولكني (أفتقد صوتك عند مغيب شمس الله على أمل سماعه تحت ظل الله).
