9.5% تراجعا في تمويل واردات القطاع الخاص    النفط يتعافى مع مؤشرات بتراجع التوترات الجيوسياسية    تتويج الأخدود ببطولة المملكة تحت 15 عاماً "الدرجة الأولى"    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مجلس إدارة ولاعبي الأهلي    مبابي وبلينجهام يقودان ريال مدريد للفوز 2-0 على إشبيلية    "الداخلية" تصدر قرارات إدارية بحق (17) مخالفًا لأنظمة وتعليمات الحج    رئيس الوزراء العراقي يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة    مراقبة التنوع الأحيائي بساحل البحر الأحمر    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    نسخة رابعة من جائزة الحكومة الرقمية    وكيل وزارة التعليم: مشاريع طلابنا في آيسف أبهرت العالم    تعليم الطائف يستعرض خطة التحول في منظومة إدارات التعليم مع أكثر من 1700 مدرسة    موعد نهاية عقد كريستيانو رونالدو مع النصر    بوتين: هدفنا من حرب أوكرانيا هو السلام    وزير الخارجية ونظيره التركي يترأسان الاجتماع الثاني للمجلس التنسيقي    الشارقة الإماراتي يتوج بطلًا لدوري أبطال آسيا 2 للمرة الأولى    جناح جمعية تعظيم في معرض "نسك هدايا الحاج" يشهد إقبالاً كبيرا من الزوار    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة مليون حاج منذ إطلاقها    مهرجان "القراءة الحرة" ينطلق بمكتبة المؤسس    الراجحي يُطلق رخصة العمل التطوعي ويدشّن مرصد خدمة ضيوف الرحمن    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الاربعاء المقبل القادم    برنامج الإقراء لتعليم القرآن    معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكِّد استكمال استعدادات الرئاسة العامة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تنفذ عددًا من البرامج التدريبية لتطوير مهارات منسوبيها من مقدمي الخدمات لضيوف الرحمن في موسم حج 1446ه    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم عدداً من الفعاليات التوعوية    "هيئة الأدب" تختتم مشاركتها في معرض "الدوحة الدولي للكتاب"    استراتيجية استثمارية طموحة لأمانة حائل في منتدى الاستثمار 2025    نجاح عملية دقيقة "بمستشفى المانع بالخبر" تُنهي معاناة سيدة من كسر وعدوى مزمنة في عظمة الفخذ    كوكب أورانوس يصل إلى الاقتران الشمسي اليوم    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 125 شهيدًا    الأهلي يُعلن بقاء يايسله لنهاية عقده    "الأرصاد" تحذر من تدنٍ في مدى الرؤية بمعظم مناطق المملكة    صحفيو مكة المكرمة يبحثون الدراسات الإعلامية بالحج    يبدأ زيارة رسمية إلى مصر.. رئيس مجلس الشورى: علاقات الرياض- القاهرة العريقة تنطلق من رؤية مشتركة    حراك شعبي متصاعد واحتجاجات في عدة مدن.. سحب الثقة من حكومة الوحدة يضع ليبيا في مفترق طرق    الألماني يايسله يعلن رحيله عن الأهلي    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    "تقنيات الجيوماتكس" تعزز السياحة في السعودية    25 موهوبًا سعوديًا يتدربون في فنون المسرح بلندن    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    50 ألف مركبة سنوياً.. مصنع سيارات متكامل ل «هيونداي» في السعودية    حصر الحراسات الأمنية في 8 أنشطة على وقت العمل    ترحيل 11.7 ألف مخالف وإحالة 17 ألفًا لبعثاتهم الدبلوماسية    بدأ المرحلة الثانية من تقييم الأداء لشاغلي الوظائف التعليمية    تفقد مقر أعمال اللجنة المعنية.. مدير عام الجوازات: معالجة طلبات إصدار تصاريح الدخول لمكة بسرعة ودقة    ترمب.. الأمريكي المختلف!    وصول التوأم الملتصق الفلبيني إلى الرياض    لأول مرة.. تشخيص الزهايمر بفحص عينة من الدم    «تنمية شقراء» تُكرّم داعمي البرامج والمشروعات    قوة المملكة وعودة سورية    تأكيد ضرورة توحيد الجهود للتغلب على التحديات في المنطقة العربية وإرساء السلام    مستشفى الملك فهد الجامعي يطلق أربع خدمات صيدلية    فخر يُجسّد مكانة المملكة    فهد بن سعد ومسيرة عطاء    قلب الاستثمار.. حين تحدث محمد بن سلمان وأنصتت أميركا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد بن عيسى الكنعان
قراءة في مرسوم الإصلاح والمحاسبة !
نشر في الجزيرة يوم 29 - 12 - 2009

إذا كان الكتاب يُعرف من عنوانه، والخطاب يُقرأ من مضمونه، فإن (المرسوم الملكي) يجمع الاثنين، فمن عنوانه نعرف ُنبل المعاني الإنسانية بما يخدم (المواطن)، وفي مضمونه نقرأ قوة القرارات الإصلاحية بما يخص (الوطن)، وهذا ما لمسته خلال قراءتي المتكررة (للمرسوم الملكي) الكريم،
الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بشأن ما خلفته سيول الأمطار في محافظة جدة من كوارث بشرية وخسائر مادية بحق الإنسان مواطناً ومقيماً، سواءً ممن وقع ضحية تلك السيول المدمرة، أو ممن تضرر بتداعياتها السلبية، أو ممن هاله حجم المأساة التي شهدتها مدينة عالمية طالما تغنينا بها عروساً للبحر الأحمر، وهي في واقع الحال كانت فريسة للجشع الأسود.
إن المتمعن في لغة المرسوم الملكي لابد أن يلحظ ميزته الخاصة وعلامته الفارقة، كونه لم يتجاوز حقائق الواقع المؤلم الذي ألمّ بمحافظة جدة، أو يُهون من المأساة التي أصابت كثيراً من أهلها، أو يُبرر الإخفاق الحكومي في بعض وجوه التنمية بسبب غائلة الفساد، بل العكس فقد كان مرسوماً ملكياً صادقاً في لغته، أميناً في وصفه، واعياً في قراراته، حتى إن إعلامنا المحلي (الرسمي) لم يستطع أن يجاريه أو يتوقع بعض مضامينه أو يتماهى مع خطابه، فتلك اللغة الصادقة والوصف الأمين تجليا في قول خادم الحرمين الشريفين (يحفظه الله): (وإنه ليحز في النفس ويؤلمها أن هذه الفاجعة لم تأت تبعاً لكارثة غير معتادة على نحو ما نتابعه ونشاهده كالأعاصير والفيضانات الخارجة وتداعياتها عن نطاق الإرادة والسيطرة، في حين أن هذه الفاجعة نتجت عن أمطار لا يمكن وصفها بالكارثية، وإن من المؤسف له أن مثل هذه الأمطار بمعدلاتها هذه تسقط بشكل شبه يومي على العديد من الدول المتقدمة وغيرها، ومنها ما هو أقل من المملكة في الإمكانات والقدرات، ولا ينتج عنها خسائر وأضرار مفجعة على نحو ما شهدناه في محافظة جدة، وهو ما آلمنا أشد الألم). وهنا يشير (حفظه الله) إلى أن العنصر البشري حاضراً بشكل سلبي في هذه المأساة، من خلال مقارنة ذكية بين المملكة بإمكاناتها الضخمة واقتصادها المتين ودول أخرى بإمكاناتها المحدودة واقتصادها الضعيف. أما المعاني الإنسانية الصادقة والقرارات الإصلاحية الهامة، التي وجدتها في مضامين المرسوم، فيمكن استشعارها من خلال الأبعاد التالية:
أولاً.. البعد الشرعي
يتجلى في تأكيد خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) على أن (العباد والبلاد) أمانة في عنقه، وأن تقرير هذه الأمانة يعني واجب المسئولية التي عاهد الله عليها، لذا أكد بوضوح أن لديه الشجاعة الكافية للإفصاح عن الخطأ والتقصير، مع التصدي بكل حزم للمتسبب والمقصر، وهو بذلك يُجسّد مبدأً شرعياً عظيماً في أداء الأمانة للأمة ومسئولية الراعي تجاه الرعية.
ثانياً.. البعد الإنساني
ندرك جميعاً أن الأموال قد تعوض الممتلكات وما تلف منها، ولكنها لن تعوض فقدان الأحبة، غير أن (المؤمن الحق) يقبل أقدار الله بإيمان صادق ويحتسب الأجر، وأن التعويضات المالية تُسهم في تضميد الجراح ودعم موقف المصابين والمتضررين لمساعدتهم في العودة للحياة الكريمة من جديد، لذلك كانت الأوامر الملكية واضحة ومحددة لوزارة المالية بالتعويض المادي عن الشهداء والممتلكات، متطلعين أن يشمل التعويض كل الممتلكات، بحيث لا يستثنى شيئاً، خاصةً البيوت والسيارات، التي يمكن حصرها وتقديرها.
ثالثاً.. البعد الإصلاحي
يقال إن الأمم الحية تستثمر مصائبها وتتعلم من أخطائها لصناعة حاضر أبنائها ومستقبل أفضل لأجيالها، ولغة المرسوم الملكي الحازمة تعني استثمار هذه المأساة لغد أفضل ومنع الفساد أن يعيد إنتاج نفسه بفتح (باب الحساب) على (بؤر الفساد) المالي أو الإداري ومن تسبب بهذه الكارثة، بل واستدعاء كائن من كان للمساءلة، يقول خادم الحرمين الشريفين: (فإنه من المتعين علينا شرعاً التصدي لهذا الأمر وتحديد المسؤولية فيه والمسئولين عنه -جهاتٍ وأشخاصاً- ومحاسبة كل مقصر أو متهاون بكل حزم، دون أن تأخذنا في ذلك لومة لائم تجاه من يثبت إخلاله بالأمانة). كما أن هذا الحزم الملكي المطلوب ُيفّعل كل إجراءات (الرقابة) وقوانين (المحاسبة) في كل مفاصل التنمية ومرافق الدولة، ويعزز كل الخطوات الإصلاحية لكثير من النظم والقرارات التي تجمدت في الملفات وفرّخ بعضها البيض المالي الفاسد والتفاح الإداري المتعفن.
رابعاً.. البعد العالمي
قد تكون مأساة سيول جدة مادة دسمة لدى كل المتربصين بالمملكة، لكي يصنعوا من إفرازاتها كل الأكاذيب والأباطيل عن تنمية الوطن وسوء إدارته، خاصةً أن بلادنا (قيادة وحكومة وشعبا) لم تسلم في الظروف الطبيعية فكيف هذه الأيام على وقع أخبار هذه المأساة، مع ذلك نقول ليس مؤثراً نباح الكلاب إذا كانت القافلة تسير، وليس مهماً إعلام الباطل إذا كنا نعمل ونخطئ ونصحح الخطأ بالرجوع إلى الحق، فلسنا ملائكة هبطت من السماء أو شياطين نبتت من الأرض، إنما بشر يعترينا الخطأ، ونحن في قوة وخير وثبات لمواجهته، ما يدل على مكانة بلادنا وثقلها العالمي، وأنها دولة عصرية بالفعل تجدد نفسها.
خامساً.. البعد الإعلامي
المرسوم الملكي الكريم وضع إعلامنا المحلي بشقيه الرسمي والأهلي أمام مسئولية الصورة وأمانة الكلمة، بحيث يتناغم مع الهمّ العام ويتفاعل مع أوجاع الوطن، ففي ظل ثورة المعلومات المتدفقة على وسائط التقنية المتعددة، سواءً نوافذ الإعلام الفضائي أو مواقع النشر الإلكتروني، لم تعد الحقيقة حبيسة الغرف الرسمية، بل صارت تخرج إلى الشارع وتتعرى تحت المطر كي تلتقطها كاميرا هاوٍ أو يكتب سيرتها قلم صحفي محترف. ولعل هذه المأساة قد كشفت عن قصور إعلامنا في استباق الكارثة أو ملاحقة تداعياتها، فضلاً عن دوره النبيل والمفترض في كشف أسبابها الحقيقية ومن ورائها، فالمسألة لم تكن (فرحة مواطنين في جدة بمطر بعد انقطاع) كما توهمت إحدى الوكالات، إنما كارثة كانت تزحف على أمواج سيل هادر. لذا فليكن إعلامنا جاداً صادقاً وأميناً فهذا ما يريده خادم الحرمين الشريفين (حفظه الله) عندما أشار إلى تحمل المسئولية وأداء الأمانة كل في موقعه وحسب دوره. فوطن لا نحميه داخلياً وخارجياً لا نستحق العيش فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.