كنا قد قلنا إزاء (الهوجات) - الهوجاء- الشامتة المتشمتة ب(دبي)- والتي تُعتبر النموذج الحضاري للمدن العربية الحديثة - أقول: قلنا حينما هبّ الإعلام الغربي - وبعض العربي- ب(الشماتة) تلك إن لدبي أخواتها، وأنه (ليس للعدو فرحة) وحينما تعمدنا وضع هذه المقولة الشعبية تحديداً فلأننا نعرف ما لا يعرفه الإعلام الغربي عن ثقافة التكافل في المجتمع البدوي أو القروي في الجزيرة العربية، والتي انبثقت من الموروث الأخلاقي والإنساني بشكل تلقائي- ولأننا ورثنا ذلك السلوك التكافلي وأصبح من صميم أخلاقياتنا ومبادئنا وقيمنا ومثلنا العليا؛ فقد تمسكنا به حتى اليوم حتى أصبح من ركائز تقاليدنا العربية الأصيلة، وطفقنا نعمل به منذ أن كنا فقراء وإلى أن أصبحنا أغنياء بحمد الله. وذلك التكافل أو التعاون على الفقر كنا نمارسه لحماية بعضنا البعض من غائلة الدهر وتقلب الزمان، لذلك، كنا إذا ما افتقر أحدنا (يمنح) له كل شخص في القرية أو القبيلة ناقة أو شاة أو جملا حتى يتساوى مع الجميع فيما يملك، وبذلك تتحسن أموره ويطرد الفقر عن طريق ما يسمَّى (المنيحة)، وإذا ما كسب الغزاة إبلاً من قبيلة أخرى يستقبل الفقراء فرسان القبيلة ويطلبون منهم (الحذّيه) فيعطونهم مما كسبوا من نوق. وكذلك هناك (الرفد)؛ فإذا ما خسر رجل في القبيلة في تجارته فإنه (يسترفد) الجماعة ويتبرعون له لتعويض ما خسره من مال، وكذلك هنالك (العانيّه) التي تعني (الإعانة) في تكاليف الأعراس أو المناسبات الكبيرة التي يقيمها أحد أفراد القبيلة أو أبناء القرية وهنالك ال(قَطْه) وهي المساهمة الجماعية في شراء ما ينفع الجميع، وهنالك ال(شرهه) التي يمنحها الأمراء والمقتدرون لأفراد شعبهم أو جماعتهم لسّد حاجتهم أو رفع مستواهم المعيشي. أقول: كل هذه المآثر الرائعة التي توارثناها عن الآباء والأجداد لم تزل قائمة في تعاملنا الحياتي كنوع من التقاليد والعادات النبيلة، ونحن إذ نقول ذلك لمن (تشمتوا) ب(عثرة) دبي - العابرة- فلأننا نعرف أن مجتمع الخليج كله سيقف مع دبي أو غيرها من دول التعاون الخليجي إذا ما تعرضت -لا سمح الله- إلى أية عثرة أو سوء، فإذا كان هذا المجتمع يمارس تلك الأشكال من (التعاونات) الرائعة حينما كان ذلك المجتمع فقيراً: فكيف به اليوم وقد أصبح -بحمد الله غنياً- يقدم القروض والمنح إلى سائر بلدان العالم ويستغرب منه أن يقف مع دبي؟! وبالطبع، كما توقعنا سابقاً، ها هي أختها الكبرى أبو ظبي تقف معها وتقيل عثرتها وتزول الغمامة عن شوامخ أبراجها وَلْيمُت الحاسد في غيظه.