كنا قد بدأنا في الأسبوع الفائت الحوار الشيق مع فضيلة الشيخ سهيل بن محمد قاسم المدير التنفيذي لموقع فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة المدينةالمنورة على الإنترنت ورئيس وحدة تقنية المعلومات بفرع الرئاسة العامة بالمدينةالمنورة الذي أثرانا بإجاباته الجميلة واليوم نعود للقراء بالجزء الثاني من حوار فضيلته. جهود ميدانية * ما الجهود التي تبذلها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة ممثلة في وحدة تقنية المعلومات في علاج مشكلة ترويج المواد الإباحية ومكافحة انتشارها؟ مر معنا فيما سبق أن الوحدة تنفذ جولات ميدانية لمتابعة الإخباريات عن مواقع نشر وترويج المواد الإباحية، ومن المؤسف حقا أنه يتم القبض أحيانا على بعض العمالة وهم يبيعون أقراصا جنسية ساقطة للأطفال في المرحلة الابتدائية فما فوق بأسعار زهيدة ريالات معدودة، وفي مواقف أخرى يتم ضبط محلات تستغل ارتياد الفتيات على محلاتهم لصيانة جوالاتهن فيتم شحنها بتلك المقاطع الساقطة التي تسبب للفتاة لا سيما المحافظة صدمة نفسية وأخلاقية ربما استمر تأثيرها السلبي عليها مدة طويلة، كل هذا الإجرام طمعا في مكاسب قليلة ممحوقة البركة والنفع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والمؤسف حقا أن تنتشر هذه الأجهزة المزودة بخدمة البلوتوث في أيدي المراهقين والمراهقات في مقتبل أعمارهم لتتاح الفرصة لشياطين الجن والإنس إلى استدراجهم إلى شباك الانحلال والانحراف لا سيما في الأسواق والتجمعات، ومن يفعل خدمة البلوتوث في أي سوق ويقرأ قائمة المتواجدين وعناوين رسائلهم يدرك خطورة تفريطنا وإجرامنا في حق فلذات أكبادنا. ولذا تهدف الهيئة من خلال التعامل مع تلك القضايا لنشر وعي الرقابة الذاتية والثقة بالنفس والحرص على الكسب الطيب بين المتورطين في هذه القضايا من شباب أو تجار وغيرهم. وهناك جهود أخرى متمثلة في حث محلات الاتصال على اقتناء بعض البدائل المباحة من المقاطع الدعوية والمواد النافعة. إدمان المشاهدة * من وجهة نظرك ومن خلال ممارستك للعمل في الوحدة، ما الأضرار والآثار السلبية المترتبة على انتشار تلك المواد الخطرة؟ - أحب أن أنبه إلى نقطة بسيطة وخطيرة هي أن الإدمان على مشاهدة تلك المقاطع السيئة يقارب في أثره وتأثيره الإدمان على المخدرات، فتجد الشاب المصاب بهذا الداء يعاني من الشرود الذهني المزمن والفتور الجسدي، وقد ذكر بعض الشباب المتعاملين بمثل هذه المواد أنه أصبح يتجنب المكوث في بيته وبين أخواته البنات لفظاعة وشناعة الصور التي تمر على ذهنه وهو بين أهله، إضافة إلى الخواء الروحي والإيماني فلا يجد طعما للذة الإيمان ومحبة الرحمن ومحاسن الإسلام، وهل في الدنيا خير بدون ذلك؟؟!!! ويمكن حصر بعض تلك الأخطار في النقاط التالية: - الأثر السلبي الواسع لتلك المواد الذي يتعدى نفسية الشاب إلى التأثير على قدراته العقلية والفكرية مما ينعكس سلبا على تحصيله الدراسي، ولا عجب من تذمر المدرسين من الانصراف الذهني المزمن لبعض طلابهم. - انتشار الجريمة وتنوع أساليبها لا سيما حالات الاغتصاب والاختطاف والشذوذ الجنسي، كل ذلك أثر رجعي وبائي لانتشار تلك المواد بين الشباب خاصة وأنه يصادف عقولهم ونفسياتهم في نعومة مرحلة المراهقة فيتضاعف أثره السلبي أضعافا مضاعفة وقد قال الأول: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خاليا فتمكنا فكيف يكون تقويم نفسيات أبنائنا وبناتنا إذا نحن أهملنا توجيههم من البداية واجتثاث الشر من طريق حياتهم الشائك. والله اسأل أن يصلح للجميع النية والذرية إنه سميع مجيب. - بقي أن أذكر أن من أخطر الآثار السلبية لهذه الموجة استغلال كثير من العاملين في الخفاء من المتخلفين والعاطلين وأصحاب الفكر الإفسادي للتكسب من ترويج هذه المواد على حساب لبنات الوطن وثروته المستقبلية وأهم أهم موارده الحقيقية وهم الجيل الواعي من الشباب والفتيات. مواقف الفاعلين - يتحدث بعض المهتمين عن الانفتاح الإعلامي الذي يمر به العالم في هذا الوقت وما نتج عنه من مشكلات بلغة سلبية، وأن ذلك واقع فرض نفسه، ولا حيلة لنا إلا قبوله والتعايش معه، ما تعليقكم على ذلك، وهل يمكننا أن نتجنب هذه الأضرار أو على أقل تقدير نخفف منها؟ - يعجبني دائماً مواقف الفاعلين، في حين يؤسفنا جميعا مواقف المتخاذلين، فالمسلم الفاعل يبذل القليل والكثير في سبيل الإصلاح والتصحيح، يستشعر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: في مسند أحمد (إِنْ قَامَت السَّاعةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإنْ استْطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرسَهَا فَلْيَفْعَلْ)، ويطيب نفسا بقول الحكيم (أن توقد في الظلام شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة)، فتدشين المواقع الهادفة ونشر مقاطع البلوتوث المقبولة، والترويج لثقافة الحصانة والرقابة الذاتية، وتعزيز مفهوم الاعتزاز بالقيم والعادات الإسلامية في نفوس الشبيبة، كل ذلك فعالية وإيجابية نسعى ونتمنى رواجها، في حين أن لغة التخاذل و(ليس في الإمكان خير مما كان) و(من خلق الخلق يحاسبهم وأنا ما لي دخل) و(وكل واحد ذنبه على جنبه) عبارات من الواجب شطبها من قواميس البسطاء لأنها تعارض قوله تعالى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}(79) سورة المائدة، وتناقض قوله - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) رواه الترمذي، وأحب أن أضرب للقارئ الكريم مثلا: لو أن أحدنا كان يقيل في بطن الوادي وحوله عدد من العوائل وفجأة سمع صوت السيل فأيهما أفضل أن يهرب بنفسه ويتجاهل غيره، أم أن يستسلم للسيل ويقول (الموت مع الجماعة رحمة)، أو أن يحذر من استطاع حوله وعلى أقل تقدير أهله لينجو معه أكبر عدد ممكن، نعم أعلم أن الأخير هو المثال المطلوب أم الأول (فأناني) والثاني (أحمق سلبي عاجز) وهكذا نحن أمام هذه التقنيات ينبغي أن تتضافر الجهود للحد من خطرها، ولذا فأنا أوجه رسائل عديدة من واقع عملي في هذا المجال: أولها: للآباء والأولياء فأقول لهم: رفقا بفلذات أكبادكم، لا تعرضوهم لما يفوق طاقاتهم العقلية والنفسية فالبث المفتوح وأجهزة البلوتوث لطلاب وطالبات المرحلة المتوسطة بل والابتدائية.. تفريط يدمر هؤلاء الفلذات ويقضي على معاني الخير في نفوسهم الطرية الطاهرة.. وربما يجعلهم من مستخدمي العقاقير النفسية قريبا. ثانيا: رفقا أيضا بالمخطئين منهم، فبنوع من الحوار الهادف وتعزيز الثقة بالنفس نساعد الشاب والفتاة على النهوض بسلام من وحل هذه المواد العفنة، وأذكر أن بعض الشباب ممن نوصح حول الأثر السلبي لهذه المواد وأنها تدمر رجولته فضلا عن دينه وخلقه قال ببرءاة (لأول مرة أسمع هذا الكلام ولا أعود بإذن الله). أخيرا: أوجه رسالة مفتوحة لكل من يستطيع أن يقدم شيئا من مسؤول أو كاتب أو تاجر أو امرأة أو شاب أو فتاة أن يسهم كل حسب طاقته في حصر هذا الشر في مجتمعنا المحافظ في وطننا الحبيب الآمن، بتوجيه أو قرار أو نصيحة أو قصة أو تعاون، والله يبارك في العمل القليل في نظر صاحبه ليصبح واسع النفع والخير في أثره، ونسعد جميعا ونحن نسمع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره) رواه الترمذي.وكم من شاب أو فتاة أدرك خطر تلك الممارسات فخلع ثوب المعصية والضياع وتلبس بثوب العفة والطهر والنقاء والحياء فأسعد نفسه وخدم وطنه وأرضى ربه ونفع غيره.والله أسأل بقدرته ورحمته ومنه وحلمه أن يحفظ علينا أمننا وإيماننا في ربوع وطننا الحبيب الآمن وفي ظل ولاة أمرنا - حفظهم الله - وأيدهم ونفع به البلاد والعباد ونصر بهم الإسلام وأهله في كل مكان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. * فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة المدينة المنورة