حينما يتمحور الحديث عن الضبط، يتبادر إلى الذهن، الدقة، الإتقان، الاتزان، فيكون السؤال عادة، هل تستطيع ضبط هذا الشيء، أو يتخذ صيغة مماثلة ومنحى آخر، كأن يكون السؤال عن الشخص (هاه مضبوط) ويتفرع من الضبط، الالتزام أو بمعنى آخر الانضباط، من خلال ما تقدم، فإننا لا نختلف بأن الضبط والانضباط والمضبوط باختلاف نمط الإلقاء، تصب في قالب جميل وتتكئ على محاور عدة، في سياق التصنيف والوصف، وكذلك التشبيه، والجميل في الأمر بأنها متداولة، وبشكل يومي في حياتنا، وملتصقة كما أسلفت بالإتقان والدقة، بل ومواكبة للصح، فإذا اتضح خللاً ما، سواء من خلال التصرف أو السلوك، فإن هذا العمل يفتقر إلى الانضباط، غير أن التعامل مع هذه الصفة الجميلة، بمنظور شمولي أوسع يتجلى حينما يرتبط مع النفس، أي أن ضبط النفس من أجمل ما يستشعره المرء، ويجني ثماره اليانعة، هدوءاً يسكب عبير السكينة على القلب المترع بشؤون الحياة وشجونها، لذلك كان الإذعان لخلجات النفس المتسمة بهذا الضبط، معبراً لحياة آمنة مستقرة، يسوقها العقل الكبير المتزن بشموخ يأبى الانحناء لترهات الخطيئة، ويجهز على بذرة السوء في مهدها، ولو تأملت في أسباب نشوء المشاكل كبيرها وصغيرها، لوجدت أن هذا الجانب المؤثر قد أهمل في وقت يكون الإنسان في أمس الحاجة إليه، فيما يكون الانفعال قد أفرز غشاوة لن تلبث أن تحيل الأخضر إلى يابس في طرفة عين ولما كان الصراع على أشده بين الخير والشر، فإن محصلة هذا الصراع تتمخض عن وجود كاسب أو خاسر، وعناصر الكسب متاحة كذلك الخسارة، بيد أن تجسيد الربح أو الخسارة وترجمته إلى واقع ملموس، يخضع أيضاً لعوامل مساندة بهذا الصدد ومن شأنها التأثير على مسار هذه المرحلة الحرجة، وغالباً ما تكون دقائق إن لم تكن ثواني معدودة، ليضرب الشر أطنابه ويلتهم سنين العمر في لحظة طيش غير محسوبة العواقب، وفي المقابل فإن الخير لا يبرح أن ينشر أشرعته المباركة ويدثر النفس بثوب قشيب يتسع لحب، مطرزاً بالود في نسيج متآلف يتألق إبداعاً، وهو يحتوي الفضيلة ويحميها ببعد النظر والرؤية الثاقبة، من خلال التحكم المذهل والسيطرة الفذة لرد الفعل إزاء استفزازات لا تعدو عن كونها وقوداً للشر والخطيئة، إمعاناً في تكريس القيم، ومقايسة المسائل وفقاً لما يقره العقل الفطن، والانعتاق من مؤثرات عاطفية تستجدي البؤس، ولن تكون نتائجها سارة، بقدر ما تزج بالمرء في أتون حسابات مقلقة مؤرقة، وتفتقر إلى البعد الأخلاقي والإنساني في ذات الوقت، وهي تنحي بالمنطق جانباً، لتصنع العنجهية أنماطاً بائسة من حيث إلحاق الأذى، في حين أن مسألة ضبط النفس قد توارت، إذ أنها لا تستطيع فرض نفسها ما لم يتم استدعائها، وتفاعلها الخلاق المبدع، ففي حالات الغضب والانفعال يضيق الأفق، ويطبق القرار المتسرع على شموع المنطق، لتبدو ضئيلة، بينما هي في واقع الأمر موجودة، ولكن تأثيرها وحضورها لم يكن بالمستوى الذي يكفل تحقيق التوازن، وحين انتهاء هذا الصراع السريع المر، فإنها ستحظى بالاهتمام ولكن متى، بعد خراب مالطة، لتمسي استحقاقات هذه المرحلة أشد وطأة، متمثلة في خسارة الدنيا والآخرة، بيد أن الدافع لطرق هذه المرحلة لم يخضع للاستقراء المتقن حيال التفاعل والتعامل على ضوء احتساب النتائج المترتبة على ذلك، فيما شكل الاستغراق في حب الذات، حائلاً دون التصرف السليم عبر سلك طرق وعرة مقفرة ضخ من خلالها الاندفاع ينابيع الرعونة المؤذية والمهلكة لتقذف حمماً تهلك الحرث والنسل في لحظات لم تكن سوى استجداء للخطيئة تلو الأخرى، فيما قضى التسرع على أي بارقة أمل، لتحكيم العقل والإذعان لصوت الحق، والحق أحق أن يتبع، لأن الغضب هو المحرك الرئيس والحاضن لكل الأعمال السيئة لتزج بالمرء إلى طريق المهالك ، وحينما يسافر الإنسان وينتقل من مكان إلى مكان آخر، فإنه يراعي فارق التوقيت، ويضبط ساعته على وقت البلد الذي وصل إليه ليتمكن من أداء واجباته، على الوجه المطلوب، فإذا كان فارق التوقيت ومراعاته مرتبطاً في المكان، فإنه لا يقل أهمية، في هذه الحالة، بمعنى أن مشاعره تختلف في حالة الفرح عنها في الحزن، وكذلك الغضب، في حين أن قناعاته حيال التعامل مع كل الصفات ثابتة يعززها الثبات على المبدأ وحسن النية وسلامة القصد، ولأنه قطعاً سيشعر بالندم إذا اقدم على عمل متسرع نتائجه سيئة، لأنه يخالف مبادئه، فلم لا تتم مراعاة هذا الفارق شأنه بذلك شأن الوقت، وأن يضبط مشاعره في كل حالة لكي يكون مضبوطا بكل ما تحمله الكلمة من معنى ودلالة قيمه. إضاءة: إياهم فأرحم قال رجل لعمرو بن عبيد: إني لأرحمك مما يقول الناس فيك. قال: أسمعتني أقول فيهم شيئاً. قال: لا قال: إياهم فارحم.