حسن الظن بالناس من صميم الأخلاق، وتجد التعامل بموجبه يتم بشكل يومي إذ لا يمر يوم إلا وتجد الآلاف بل الملايين من الأمور قد أنجزت، هذا المبدأ الجميل يتكئ على ثقة عالية بالنفس وأريحية ترتقي بسمو الروح لتحلق في سماء الفضيلة، حسن الظن تاج على رؤوس العقلاء ذوي السمات الحميدة، ولو تأملت في أسباب نشوء المشاكل كبيرها وصغيرها، لوجدت أن هذا الجانب المؤثّر قد أهمل في وقت يكون الإنسان في أشد الحاجة إليه فبمجرد هيمنة سوء الظن على المخيلة فإن المحصلة بناء العداء والشحناء والبغضاء، الصراع بين الخير والشر على أشده وحصيلة هذا الصراع تتمخض عن وجود كاسب أو خاسر، عناصر الكسب متاحة والخسارة كذلك، غير أن ترجمة الربح أو الخسارة يخضع لعدة عوامل من شأنها التأثير على مسار هذه المرحلة الحرجة وغالباً ما تكون دقائق إن لم تكن ثوانٍ معدودة، ففي حالات الغضب والانفعال يضيق الأفق، ويجهز القرار المتسرع على شموع المنطق لتبدو ضئيلة، بينما هي في واقع الأمر موجودة ولكن تأثيرها وحضورها لم يكن بالمستوى الذي يكفل تحقيق التوازن بهذا الخصوص، وحين انتهاء هذا الصراع المرير فإنها ستحظى بالاهتمام ولكن بعد خراب مالطة لتمسي الاستحقاقات أشد وطأة، متمثلة في خسارة الدنيا والآخرة، وحينما تسافر من مكان إلى مكان آخر فإنك حتماً تراعي فارق التوقيت، وتضبط ساعتك على وقت البلد الذي وصلت إليه لتتمكن من أداء واجباتك وتنفيذ أعمالك على الوجه المطلوب، فإذا كان فارق التوقيت ومراعاته في الزمان والمكان حظي بكل هذا الاهتمام فلم يغب ضبط هذا الفارق في طبيعة المشاعر؟ الأحاسيس تختلف في حالة الفرح عنها في الحزن وكذلك الغضب، في حين أن قناعاتك حيال التعامل مع كل هذه الصفات ثابتة يعززها الثبات على المبدأ وحسن النية وسلامة القصد، ولأنك قطعاً ستشعر بالندم إذا أقدمت على عمل متسرع نتائجه سيئة، إذن لماذا لا تتم مراعاة هذا الفارق العاطفي شأنه بذلك شأن الوقت الذي حرصت على ضبطه؟ قطعاً هناك مساحة مقدرة قبل أن يلحق الندم بالفعل، وهذه المساحة تتيح للمتأمل التحري والتريث وعدم الاستعجال؛ لكيلا يصبح بين مطرقة الانفعال وسندان سوء الأعمال. ولما كان للكم الهائل من صفات يحملها الإنسان من أحاسيس ومشاعر وانطباع وتصوُّر وإدراك وغضب وغلظة وتسرُّع وحكمة إلى آخر هذه الصفات غير الملموسة، فإن لها النصيب الأوفر في التأثير، وتسهم مجتمعةً وبشكل فاعل في بناء شخصية الإنسان، فكلما كان التناسب دقيقاً من حيث مراعاة تحديد الكمية امتزجت هذه المؤثرات مع بعضها البعض لتسهم في بناء الشخصية المعتدلة وتكون أقرب إلى الاتزان من الفلتان.. والله من وراء القصد