إن المدينةالمنورة منذ فجر التاريخ وهي توصف بالعلم والمعرفة، فقبل دخول الإسلام إليها سكنها اليهود الذين عرف أنهم أهل كتاب وإطلاع ولديهم أخبار من سلف، فكان يأتيهم الراكب من كل فج يسأل فيجد الجواب، وأهلها أهل نعمة وماء لانت فيهم القلوب وطابت منهم الألسن. حتى جاءها الإسلام بما يحمله من خيري الدنيا والآخرة فسارع أهلها فتلقوه وحملوه أمانة فأدوها خير أداء، وخرجت من ديارهم الضياء فأضاءت الأرجاء، وهتكت بالعلم أستار الظلام والجهل وعمت الأنحاء، فتوافد عليها من كل فج طلاب العلم والحقيقة، فذا من فارسٍ وآخر من شامٍ ومن رومٍ ومن يمنٍ، وقام بالمدينةالمنورة أول مجتمعات التاريخ التي جعلت العلم بأصوله في النقل والتحمل والتلقي أساساً لانطلاقه، فتميزت أمة الإسلام بالسند الذي لم تتميز به أمة قبلها، ووضعت للدنيا أجمعها وللتاريخ أسساً قام عليها بناء العلم الحديث في الدين والطب والرياضة والكيمياء والفضاء. فكانت المدينةالمنورة أول لبنات هذه الأمة بها أول مدرسة وبمسجدها أول جامعة، أهدت البشرية رجالاً وعلماءً وهبوا حياتهم وأنفسهم لنشر العلم وجهاد الجهل، ضربوا لمن بعدهم أمثالاً في الصبر والتصبر لطلب العلم ونشره. فقد خرج من المدينةالمنورة أصحاب النبي الأطهار وتفرقوا في البلاد والأمصار معلمين للبشر دعاة للحق منابذين للجهل داعين للعلم والتعلم. فأسسوا أول المدارس في الأقطار واحدة بالبصرة وأخرى بالكوفة والشام ومكة واليمن ومصر، فكانت الأم المدينة والأولاد مدارس الأقطار. فليس بعد ذلك من فضل أن تكون هي آكلة البلدان وأشرفها فضلاً وقدراً. واليوم عندما تنسب للمدينة المنورة جائزة باسمها فليس بعد من فخر لمفتخر أن ينالها، فعظمها ليس في قيمتها أو الشهادة ولكن يكمن في الاسم، اسم أعظم المدن وأشرفها وأعرقها وأول مدن العلم قاطبة. فاللهم وفق علماء أمتنا شرقاً وغرباً، وافتح عليهم من فضلك، وأعظم في قلوبهم فضل المدينة على العلم والعلماء، فهم خير خلف لخير سلف. قال جل وعلا: (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور). فاطر 28، (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب). الزمر 9. عبدالوهاب بن إبراهيم فقيه رئيس مجلس إدارة المؤسسة الأهلية للادلاء