عندما نودّع عاماً بما حفل به من أحداث، وما اكْتُسِبَتْ فيه من أعمال، ونستقبل عاماً جديداً، لا يُعرف ماذا فيه من أحداث، وماذا تُكْتَسَبُ فيه من أعمال، لأن الله جل وعلا يقول: { وّمّا تّدًرٌي نّفًسِ مَّاذّا تّكًسٌبٍ غّدْا وّمّا تّدًرٌي نّفًسِ بٌأّيٌَ أّرًضُ تّمٍوتٍ..} [لقمان: 34* وهذا التتابع في الأشهر والسنين، ماذا يعني في مفهوم العاقل الذي يستمدُّ نتائج ما يمر به من مصدري التشريع عنده: كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. إنه يعني عمقاً في الفهم، ومحاسبة للنفس، وردا في الأمور التي تعترض، إلى علاّم الغيوب، الذي لا يكلف عباده بغير ما يستطيعون، وخلق الجنّ والإنس، لاختبارهم وامتحانهم، فيما يعلمون، وبماذا يعملون.. {أّفّحّسٌبًتٍمً أّنَّمّا خّلّقًنّاكٍمً عّبّثْا وّأّنَّكٍمً إلّيًنّا لا تٍرًجّعٍونّ} [المؤمنون: 115* . الناس على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، لهم نظرة في تقويم أعمال العام المنصرم، وما يأملون تحقّقه في العام الجديد،، إذ للسياسيّين نظرتهم ومقاييسهم ، في أعمال العام المنصرم، وما يرونه قد تحقَّق به من إنجازات ومصالح، وما يرون في العام المقبل، من آمال في قلب موازين، وتحقيق منجزات، قصرت جهودهم دون الطموح المراد، والتغلُّب على الأقران في المصارعة والمراوغة.. ولكل منهجه في التَّعبير عما يريد. والعسكريون الذين يوجههم في الغالب السَّاسة، في إشعال حروب وتدمير وقتال، بما تحت أيديهم من قدرات، يتصوّر من ملك الأكثر كفاءة، أنه الأمكن في قهر الأضعف، وتسييده حسبما يريد، فإذا به يصطدم بالواقع، الذي ينبئه بأن قوة الإيمان، أمكن من قدرات الأسلحة، ورابطة العقيدة في الولاء والبراء، أرسخ من الانتماءات المتجدِّدة في كل عصر، تلك الإنتماءات التي تحركها المصالح الشخصيّة، ويوجهها تقنين بشري، بعيد عن منهج الإسلام، في دوره العظيم، لتنظيم الحياة البشرية على قاعدة العدل الرّباني والمنهج المحمدي في التعامل.. {وّلّوً كّانّ مٌنً عٌندٌ غّيًرٌ پلَّهٌ لّوّجّدٍوا فٌيهٌ \خًتٌلافْا كّثٌيرْا} [النساء: 82* ورجال الأعمال يحكمون على الأمور بنظرات ماديّة، تقاس بالربح والخسارة، فبقدر ما تحقّق في ميزانهم التجاري من فوائد عند تقويم العام المنصرم: ربحاً أو خسارة، حيث تنطلق المقاييس في النظرة حول العام الذي مضت أيامه بالعائد على أعمالهم في الدرجة الأولى. هذا التقويم للمردود في العام المنصرم، ينبني عليه الاهتمام بوضع معايير، لما ينبغي أن يرتقي إليه العمل، لتحسين المردود، الذي به يؤمِّل هولاء، ارتفاع المكاسب، حسب معهودهم، ونظرتهم التعامليّة وفي بيئتهم، وما يريدون هم ومَنْ حولهم من أعمال يرغبون عائدها وفق معاييرهم. وهكذا لو سرنا مع طبقات المجتمع، وما يدور في بيئاتهم، فإنّ كل فرد فيه بحسب واقعه الاجتماعي، وأسلوبه التعامليّ، يركز جهده في غده على منطقات أمسه، وينبني في تعامله ونظرته في كل أمر مستقبل، على ما مرّ به في ذلك الأمس دون مراعاة لما يحصل من مفاجآت تقلب الموازين. وقليل منهم من يضع الهفوات الماضية في الحسبان، أو أخذ درس عمّا مرّ به في ذلك الأمس، معيناً على تخطي عقبات قد تعترض في الغد الذي لم يأت.. وهو وما يحمل من مفاجآت في علم الغيب الذي استأثر الله به. والأمور الغيبيَّة يقف الإنسان معها مسلّماً الأمر لله، ومستسلماً لما يقدِّره الله فيها، لكن المسلم مأمور بأن يحرص على الدعاء، وسؤال الله خير غده، والاستعاذة من شرّه، وشرِّ ما فيه من أمور ومحدثات، وهذا من الرابطة الإيمانية الواجب اكتمالها في قلب المؤمن.ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أمَّته منهجاً متميزاً، ليعملوه في كل شهر عندما يرون الهلال بارزاً في الأفق، مع مطلع كل شهر، وهو هذا الدعاء الذي علّمه للأمة بقوله الكريم وبفعله في درس عمليّ يربطهم فيه بخالقهم سبحانه، الذي تصريف الأمور بيده.فقد كان إذا رأى الهلال: يكبر ثلاثاً: ويقول: هلال خير ورشد، ربي وربُّك الله، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.. ويزيد بعض العلماء بقوله: اللهم اجعله مهلاً بالخير، واكفنا الشرّ.. وتخطئ كثير من شعوب الأرض، عندما يتحدثون عما سيقع في العام القادم، ويربطون ذلك بعلم النجوم، وهذا ضرب من أعمال السحر، واستخدام الشياطين.. وإن قالوا إن ذلك علم يعرف بقرائنه، وما يضعون من استدلالات.. أو يقيسون الأمور بمعايير ماديّة تخطئ أكثر مما تصيب. ويحضرني في هذا الموقف واقعة حصلت في عهد المأمون الخليفة العباسيّ، فقد دخل مجلسه مجموعة من المنجِّمين وهم كثيرون في ذلك الوقت من الأمم المغلوبة ممن آمنوا بألسنتهم، ولم تؤمن قلوبهم، وجاؤوا إلى المجتمع الإسلامي بما تعوّدوه في بيئاتهم، وأغلبهم من اليهود الذين عرفوا في التاريخ بامتهان السحر، والتكسّب به.. ومنهم المتمّرس في هذا الفنّ.، ومنهم المقلّد.دخل هؤلاء مجلس المأمون، وكان بين يديه رضيع في مهده، فبدأوا أمام المأمون يتبارون واحداً بعد الآخر في مستقبل هذا الرضيع، وما سيتحقق له في أيام حياته، من جاه وفروسية، ومكانة قيادية وحظّ، يرتفع بذلك سلطان الدولة، ويفخر بنو العباس في دولتهم بأعماله.كل هذا والمأمون يستزيدهم، وكل واحد منهم يحرص بأن يسلّط الضوء على مستقبل أيام هذا الممهّد أمامهم، وكأن عندهم خبراً بمدّ أجله، حتى تتحقق تلك الخصال التي أضفوها عليه.فلما انتهى ما عندهم بما اختزنته الذاكرة، من خصال وأعمال لصاحب هذا المهد، الذي لا يُدرى عمّا قالوه فيه، عند ذلك التفت المأمون إلى بعض الخدم، فلما مثل بين يديه، أمره بأن ينزع المهاد، ويكشف عن سوءته، فإذا هو بنت وليس بغلام.. فبهت القوم ورجعوا إلى أنفسهم، وعبّر عن ذلك قاضيه الذي كان حاضراً في المجلس، وسامعاً لما قيل عن ذلك الرضيع، الذي ظنوه غلاماً.. فقال للمأمون: كذب المنجمون ولو صدقوا.. وهكذا يكثر القيل والقال، عندما تتداعى الأمور، وكل يدّعي وصلاً بليلى. ولكن المسلمين الذين مرّت بهم أحداث جسام في العام الماضي، وبرزت نحوهم نفحات إعلامية، ومعاملات استفزازية، سلم منها من سلم، ووقع فيها من وقع.. كل بحسبه..هي أمور يجب أن يحمد الله من سلم من شرورها وويلاتها، ويرتبط مع خالقه، بأن يجافي عنه، وعن بلاده وأبناء أمته: الفتن ما ظهر منها وما بطن.. في عامه الجديد.. وأن تكون العاقبة حميدة على الإسلام والمسلمين.لقد كانت تلك الأحداث، دروساً تنبّه الغافل، ويخشى منها العاقل أن تكون نذيراً لما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم عما سيحل بالناس، في يوم من الأيام، من الفتن أنها تأتي كقطع الليل المظلم، كلمّا ظنّ المرء أنه سلم من واحدة، فإذا به يقول عن الأخرى: هذه مهلكتي.. واهتم علماء الإسلام «دراسة» لهذه الفتن، وما يجب حيالها، وتوسّع في تتبع هذه الأمور، ابن كثير في كتابه النهاية.. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: «أن الصدقة تدفع البلاء، وتذهب ميتة السوء..» وأن الدعاء له دور كبير في مدافعة المصائب المحيطة بالإنسان، ومحاسبة النفس، وكثرة الاستغفار، ألم يقل سبحانه لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم مخبراً عن فضل الاستغفار: {و مّا كّانّ پلَّهٍ لٌيٍعّذٌَبّهٍمً و أّنتّ فٌيهٌمً و مّا كّانّ پلَّهٍ مٍعّذٌَبّهٍمً و هٍمً يّسًتّغًفٌرٍونّ (33)} [الأنفال: 33* . ذلك أن البلاء والدعاء يتصاعران فيرفع البلاء بالدعاء. والصدقات: تذهب ميتة السوء، وتدفع البلاء، كما جاء بذلك الحديث الصحيح الذي مرّ بنا. والمسلم مأمور بمقابلة الشدائد التي تمرّ به، بالاتجاه الصادق، إلى الله، والعمل الصالح المخلص الطيب، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.. {پًخّبٌيثّاتٍ لٌلًخّبٌيثٌينّ و الًخّبٌيثٍونّ لٌلًخّبٌيثّاتٌ و الطَّيٌَبّاتٍ لٌلطَّيٌَبٌينّ و الطَّيٌَبٍونّ لٌلطَّيٌَبّاتٌ} [النور: 26* ، ولله جنود خفيّة يدافع بها عن المؤمنين عندما يصدقون معه سبحانه.ولئن كان العام المنصرم، قد مرّ فيه شدائد ومحن، وأحداث موجهة ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان، وحرب إبادة قصدها اليهود تعمداً وبشراسة، ضد الشعب الفلسطيني المسلم في فلسطين، بزعامة المجرم شارون، الذي طغى وتجبّر، ويرى أنه بما يملك من قوة إعلامية، وقدرة في تمويه الحقائق، إلى جانب ما تحت يده من ترسانة أسلحة، بفضل الله فقد ربط على قلوب الفلسطينيين، وقابلوا جبروته بقوة إيمانية وعزم وتصميم على الاستمرار، وتصدوا لأسلحته بالحجارة التي يتخوف منها عبّاد وأحبار اليهود، حيث يجدون فيما بين أيديهم من أسفار التلمود: أنه تقاتلهم أمّة، يبدأون بالحجارة، مثلما قتل داود جالوت الطاغية بحجر، وينتهون بالحديد، يتغلبّون على اليهود في شرّ هزيمة.ولئن تمادى شارون وأعوانه، في طغيانهم الذي يعمهون فيه، فإن الحقّ، وراءه مطالب، وإن للباطل جولة، وللحق جولات، والبقاء للأصلح، ولا يضيع حق مهما طال خلفه مطالب، وخاصة عندما يكون مظلوماً كالفلسطينيين.يخبرنا الله جل شأنه، عن أمم جاء ذكرها في القرآن، وبالإشارة لأمم أخرى، اعتدّوا بقوتهم {وقالوا مّنً أّشّدٍَ مٌنَّا قٍوَّةْ } [فصلت: 15* ، فأهلكهم الله الذي هو أشد منهم قوة، وبقيت اثارهم عبرة للمعتبرين وحقٌّ على الله ما ارتفع شيء إلا وضعه.. والقرآن الكريم يخبرنا صراحة، بما صار لبني إسرائيل في السابق، وما سيحل بهم في المستقبل.إن اليهود وأعوانهم، في هذه الأيام التي هي نهاية عام انصرم، قد أقضّ مضاجعهم، وأقلق راحتهم، مشروع السلام الذي طرحه سمو ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ذلك المشروع، الذي رحّب به زعماء العالم ومفكروهم، لأنه مشروع عادل، يحقن دماء الفلسطينيين المهدرة، ويضمن الأمن والسلام في المنطقة، ويلبّي حاجة، تتطلع إليها الأفئدة المستنيرة.. اهتم بذلك قادة الفكر والساسة في العالم، لما يرون فيه من انفراج، وحدّ من تكبر وغطرسة زعماء المتطرّفين الصهاينة، ضد الشعب الفلسطيني، الذي نهبت أرضه، وسفكت دماء النساء والأطفال، في حملة غاشمة متكبرة.. وهدمت أماكن على رؤوس ساكنيها، ولم يقف اليهود الغاصبون عند هذا الحدّ، بل تمادوا إلى اقتلاع الأشجار، وإفناء المحاصيل الزراعية.. في حملات غاشمة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً. فكان مشروع سمو الأمير الذي أيقظ الههم، أملاً بعد يأس، وبشارة بانفراج الأزمة، بعد أن جاوز الحزام الطّبيين، وهكذا البشائر في ديننا، تأتي مطمئنة، حتى يثبّت الله بها القلوب، لتزداد إيماناً، ويكبر معه اليقين، وإن تأخرت النتيجة.. وهذا ما نجعله أملاً يرتقب، مع العام الجديد، الذي وضحت مسيرته.. ونتفاءل معه بالخير والنصر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم: يعجبه الفأل الحسن. وهذا مما يمتحن الله به القلوب المؤمنة لتقوى رابطتها بشعائر دينها، وتسترشد من القرآن، بنماذج مما حكى الله لذوي الألباب.. فقد فرح أبو بكر الصديق رضي الله عنه، عندما نزلت الآيات الأولى من سورة الروم، التي توضح هزيمة الروم وأنهم سينتصرون بعد هذه الهزيمة، وراهن على ذلك: لأن المسلمين يميلون مع الروم، باعتبارهم أهل كتاب، ويفرحون بهزيمة الفرس، الذين يتعاطف معهم أهل الجاهلية، لأنهم جميعاً أهل وثنية، ولذا يجب عدم اليأس، والتفاؤل مع العام الجديد ببشائر طيبة للإسلام وأهله ضد الكفر وأنصاره، لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه، والفلسطينيون، من أهل الإسلام، الذين قال الله فيهم: {يّا أّيٍَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا إن تّنصٍرٍوا پلَّهّ يّنصٍرًكٍمً و يٍثّبٌَتً أّقًدّامّكٍمً }.ووعد الله حقّ لمن نصره، بأن ينصره، ويرفع قدره ضد عدوّه، والله جل وعلا ليس في حاجة إلى العباد لكي ينصروه نصراً مادياً، كما هو في معهودهم، ولكن نصرهم لدينه، بالمحافظة عليه في نفوسهم، تعلُّماً وتعليماً، مع حسن التطبيق والقدوة الصالحة.. هذا هو نصر الله؛ امتثال أمره واجتناب نهيه. فالمصائب والفتن، وتسلُّط الأعداء، من العقاب العاجل للفئة المؤمنة، حتى تستيقظ من سباتها، وترجع إلى رشدها في الفهم والعمل.. وتنبيه الغافل وتذكير الناس.. فتستحق بذلك نصر الله الذي وعد سبحانه عباده المؤمنين به: نصراً يثبت به الأقدام، وتطمئن به القلوب. والأمير عبدالله وفقه الله لكل خير لم تكن هذه المبادرة منه، أول خطوة في قضية فلسطين، بل كانت الأوضاع للشعب الفلسطيني المعتدى عليه، نبضة من قلبه، وإحساساً متمكناً في سويداء قلبه، منذ زمن؛ فقد حاور الرئيس الأمريكي قبل أحداث 11 سبتمبر، وأخذ منه وعداً بالتدخل لإيجاد دولة فلسطينية عاصمتها القدس، تكفل حقوق الفلسطينيين في أرضهم، وتؤمن السلام في المنطقة.وتزعّم في أحد الاجتماعات مشروع صندوق القدس والمسجد الأقصى، وإعمار فلسطين وأبان مقدماً عن حصة المملكة فيه بما يمثل نصيب الأسد، ليكون اقتراحاً عملياً بالقدوة الحسنة. وقضية فلسطين هي الهاجس الأول منذ بدأت في عام 1948م الموافق 1367ه حث كان للملك عبدالعزيز رحمه الله دور ايجابي واقتراح عملي لم يسبق إليه.. وقد ألفت كتب في بيان دوره في حل قضيّة فلسطين.ثم جاء أبناؤه من بعده، يقدمون الاقتراح بعد الاقتراح لحل القضية، ويضعون الحلول، وكان لخادم الحرمين الشريفين حفظه الله عندما كان ولياً للعهد مبادرات إيجابية وعملية.. ثم ها هو ولي العهد الأمير عبدالله يسير على الدرب، لتكون مبادرته مصيبة المحزّ في الوقت المناسب، ولعل أحداث العام الجديد، ترفع من قدر هذه المحاولة الجادّة، بعد أن حظيت بتأييد دولي، لتكون عملية التنفيذ، بعد أن كانت وافرة التأييد. وعلى الصعيد الإسلامي الدولي، فرغم نفثات الحاقدين، وتشويه إعلام الأعداء للإسلام.، فإن الإسلام لا يزال، وقاعدته تتسع، حيث أبلغني رئيس أحد المراكز الإسلامية في الولاياتالمتحدة، ومثل هذا في اليابان وكندا وفرنسا في أحد اللقاءات، بأن الرغبة في معرفة الإسلام عند تلك الشعوب، رفعت من عدد الداخلين فيه أربعة أضعاف خلال الفترة الماضية.. وهذا تفاؤل خير مع العام الجديد، بل بدأ غير المسلمين يساهمون مع المسلمين، في بناء المساجد، وتيسير أعمال الخير، تعاطفاً مع المسلمين، نساءً ورجالاً. بطولة طفل: جاء عن جهاد احدى الدول العربية ضد المستعمر، هذه الصورة بقلم أمين فارس، التي تبيّن أن الغاصب لا قرار له مهما طال الزمن، وأن الحق لا بدّ أن يرجع لأصحابه. بدأ الكاتب بقوله: تأبط أحمد حقيبته المدرسية وقفل راجعاً إلى منزله، الكائن دخل سور المدينة، وكان جنود الاحتلال يومئذ، يرابطون عند جميع أبواب المدينة القديمة، ولا يدعون داخلاً أو خارجاً إلا فتشوه، تفتيشاً دقيقاً ، حتى أبناء المدارس والطلاب الصغار.وبينما كان أحمد يسير في طريقه المعتاد، إذا برجل متلفّع ببرنس يمسك بيده.. ويقول له: لا تخف يا أحمد، أنا سليمان صديقك أبيك أتعرفني؟ فردّ عليه: عميّ سليمان، ألست في الجبال؟ ماذا تبغي هنا، والحرّاس منتشرون على أبواب المدينة؟ إنهم إن يروك يقبضوا عليك، ويفتكوا بك. أجابه سليمان: لا بأس، اسمع أريد أن تساعدني، عندي مسدسات لا بد من إيصالها إلى المجاهدين داخل السور، فاحملها في حقيبتك.. ماذا..؟ أنت خائف يا أحمد؟ تردد الطفل لحظة، ثم تمتم: نعم إني لخائف، فقد يفتشني الجند، ولا أدري ما سيحدث عندئذ: ترى هل يعدمون الصغار؟.. وسرعان ما ثاب إليه رشده، وعاد إليه ثباته، فقال بلهجة هادئة: كيف؟ أنا خائف ماذا تقول يا عمّي سليمان؟ لا أبداً.. فلماذا أخاف؟ هاتها يا عمي، وحمل الطفل حقيبته المحشوَّة الثقيلة، وأحسّ بثقل ما فيها، من حديد يشدّ ذراعه إلى الأرض، لا عليه، إنه سيؤرجح الحقيبة في يديه، كما لو كانت تحوي ما تحوي عادة من كتب ودفاتر.وتمّ الأمر غير مبال بما كلّفه من جهد وعناء، لكن ذلك لم يكن كافياً، إنه سيدخل السور من بابه أمام الجنديّ الأشقر، وهو يصفّر غير مكترث بزيه العسكري، ورشاشه المخيف، المنتصب في يده؛ أليس الأطفال يفرحون حين تنتهي الدراسة آخر اليوم، ويعودون إلى بيوتهم؟ وكذلك كان مع أحمد، فما إن اقترب حتى صاح به الجنديّ: قف يا ولد. فذعر الطفل وغصّ بريقه، وأحسّ بقلبه يرتفع لحلقه ودعا: رباه كن معي، وألهمني القول، فاطمأن وتقدم نحو الجنديّ بهدوء وقال في جواب له عما في حقيبته ساخراً: إني أحمل مئات المدافع والقنابل إن كنت باحثاً عنها، استملح الجندي نكتته ودفعه قائلاً: امض في سبيلك يا جعد الشعر، وهناك داخل السور، وجد أحمد العمّ سليمان في انتظاره، كأن الأرض انشقت عنه.. *النصوص الجديدة ص 194196* وهكذا ينمو الجهاد ضد الغاصب عند الصغار مع نمو أجسامهم، مهما حاول العدوّ السيطرة وفرض نفوذه.