كشفت وثائق ومستندات رسمية (حصلت «الحياة» عليها) عن تجاوزات مالية وإدارية وقانونية في لجنة التنمية الاجتماعية في العاصمة الرياض، التي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية وبإشراف مباشر من مراكز التنمية الاجتماعية، يأتي بينها مخالفات قانونية في عقود عمل معلمات مدارس رياض الأطفال، إضافة إلى الحسم من المرتبات الشهرية من دون أسباب منطقية، والتلاعب بالتسجيل في التأمينات الاجتماعية، وتضارب الدور الإشرافي بين وزارتي التعليم والشؤون الاجتماعية، وعدم اكتمال تسجيل المدارس في نظام «نور». وتوضّح الوثائق أن رواتب المعلمات والإداريات في هذه المدارس لا تتجاوز 3 آلاف ريال، أما المستخدمات فلا تصل رواتبهن إلى 1500 ريال في مخالفة لأنظمة العمل السعودية. فيما يتم إبرام العقود مع عدد منهن بطريقة غير نظامية، يُكتفى فيها بتوقيع الطرف الثاني من دون أن تتم المصادقة عليها ومن دون توقيع الطرف الأول. وتشرف وزارة الشؤون الاجتماعية عبر لجنة التنمية الاجتماعية على 7 مدارس في الرياض، يدرس فيها ما يقارب 500 طفل وطفلة، ويعمل فيها ما يزيد على 100 موظفة ومعلمة، في مبانٍ قديمة ومستأجرة وغير مهيأة للتعليم، ولا تتوافر في عدد منها وسائل السلامة. وتقول مديرة إحدى المدارس (فضلت عدم الكشف عن اسمها): «أن اللجنة حسمت من رواتبنا في يوم الإجازة التي منحها الملك سلمان لجميع الموظفين بعد وفاة الملك عبدالله، إضافة إلى حرماننا من راتب الشهرين الذي صدر أمر ملكي بصرفها لجميع موظفي الدولة، فلجنة التنمية الاجتماعية لا تعترف بالأنظمة، إلا في ما يتوافق مع مصلحتها، فجميعنا نعمل بلا عقود، وعدد من الموظفات تجاوزت فترة عملهن ثلاثة أعوام بلا عقود رسمية، وبرواتب متدنية»، مشيرة إلى أن معاناتهن وصلت إلى قيامهن بشراء مُستلزمات الروضة من حساباتهن الخاصة، بسبب تجاهل اللجنة لتوفيرها. وأشارت إلى أن راتب المديرة لا يتجاوز 3400 ريال، بينما يقل راتب المستخدمات عن 1500 ريال، على رغم أنهن سعوديات، وعلى رغم تحديد الحد الأدنى من الرواتب بما لا يقل عن 3 آلاف ريال، مبينة أن صرف رواتبهن يتم من طريق مسيرات ورقية تُرسل لهم نهاية كل شهر للتوقيع عليها. وأفادت بأنه خلال فترة الإجازة بين الفصلين الدراسيين يتم إيقاف صرف رواتبهن، والحال ذاته خلال إجازة نهاية العام الدراسي، لافتة إلى أنه عند طلبهن التسجيل في الموارد البشرية أو التأمينات الاجتماعية بدأت اللجنة بالمماطلة، وبعد إصرارهن بدأ المحاسب بحسم 9 في المئة من رواتبهن بحجة التسجيل، إلا أنهن بعد شهرين استفسرن ليجدن المفاجأة بعدم وجود أي بيانات لهن لدى مؤسسة التأمينات، ليكون رد المحاسب (من جنسية عربية) «سيتم تسجيلكن بأثر رجعي!». بدورها، أوضحت موظفة (فضلت عدم الكشف عن هويتها) أنه عندما تقرر الإشراف على المدارس من وزارة التعليم، أصبحت الموظفات في متاهة بسبب الازدواجية، لافتة إلى أن مشرفات التعليم يطالبن بتطبيق العديد من الأنظمة ولا يجدن التجاوب اللازم من اللجنة. وذكرت أن المشرفات التربويات طالبن بالتسجيل في نظام «نور»، إلا أن الروضة لا يوجد فيها أجهزة حاسب آلي أو شبكة اتصال بالإنترنت، مشيرة إلى أنه عند إرسال الطلب للجنة، تمّت مطالبتهن بالبحث عن حل بأنفسهن، مبيّنة أنهن أحضرن أجهزتهن الخاصة وشبكة الإنترنت. وأفادت إحدى مديرات رياض الأطفال (تحتفظ «الحياة» باسمها) بأن مشرفات رياض الأطفال في وزارة التعليم يطالبن بأن تكون الخطابات مختومة بختم رسمي للروضة، بيد أن اللجنة تتجاهل هذا الطلب، ويتم إرسال الخطابات إلى اللجنة للتصديق عليها، مبينة أن اللجنة لا تعلم الكثير من الأمور ذات العلاقة بالعمل في الروضة، إذ تقوم بحصر أسماء الطلاب المسجلين وتحصيل الرسوم المالية، مضيفة: «هذا التجاهل يجعلنا نتساءل أين تذهب رسوم التسجيل؟ خصوصاً وأن الموازنة المقررة لكل روضة لا تتجاوز 3 آلاف ريال». بدورها «الحياة» تواصلت مع المتحدث الرسمي في وزارة الشؤون الاجتماعية خالد الثبيتي، وقامت بإرسال عدد من الاستفسارات، إلا أن رد المتحدث بعد أربعة أيام كان برسالة نصية «تم إحالة الاستفسارات إلى الجهة المختصة وفي انتظار الرد»، ولم يصل «الحياة» أي رد حتى إعداد هذا التقرير. مشرفات تربويات: بقاء رياض الأطفال تحت مظلة اللجنة خطأ! طالبت مشرفات تربويات في تعليم الرياض بضرورة تحويل الإشراف على مدارس رياض الأطفال التابعة للجنة التنمية الاجتماعية، إلى وزارة التعليم، مفيدات بأن المدارس تفتقد للاهتمام المطلوب من اللجنة، ما يؤدي إلى ضعف العمل الذي تقوم به، مشيرات إلى عدم اهتمام اللجنة بالاستقرار الوظيفي لمنسوبات الروضة، وعدم وضوح الرؤية إن كانت تلك الروضات قطاعاً خاصاً أم حكومياً، خصوصاً في ظل تحصيلها رسوماً مالية في مقابل الدراسة. وأوضحت مشرفة تربوية (تحتفظ «الحياة» باسمها) أن هذه المدارس تُعاني إهمالاً من لجنة التنمية الاجتماعية، لافتة إلى أن اللجنة لا تجيب على طلباتهن، إذ تحرص على زيادة أعداد الطلاب المُسجلين في روضاتها، من دون مراعاة للمعايير والضوابط الواجب توافرها من حيث سلامة وجودة المبنى، وعدد الأطفال في الفصل الواحد، والأساليب التعليمية التي يتم تطبيقها في مناهج الروضة، مبينة أن الملاحظات التي يتم إرسالها للجنة لا يتم الرد عليها. وأشارت مشرفة تربوية أخرى إلى أن معلمات الروضة يعانين التهميش من اللجنة المشرفة عليهن، لافتة إلى أن المستلزمات الأساسية لا يتم توفيرها بسهولة، مضيفة: «على رغم حرص مراكز الإشراف على تأهيل المنسوبات، إلا أننا نتفاجأ بين حين وآخر بتغيير المعلمة أو تركها للعمل، بسبب عدم توقيعهن لعقود رسمية، فيما أن البديلة عادة ما تكون غير متخصصة». وفي الوقت الذي يحرص فيه عدد من أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بمدارس رياض الأطفال لأسباب عدة، منها الاستفادة من الفرصة التي أطلقت عليها وزارة التعليم «مرحلة التجاوز» والتي تسمح للأطفال دون الست سنوات الالتحاق بالصف الأول الابتدائي، شريطة أن يسبق له الدراسة في الروضة، بما لا يقل عن فصلين دراسيين، إلا أن غياب التواصل بين وزارتي التعليم والشؤون الاجتماعية حرم العديد من الأطفال ممن تقل أعمارهم عن ست سنوات من الاستفادة من هذه الفرصة. ويقول نايف السالم: «بعد فصلين دراسيين في إحدى الروضات التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية دفعت خلالها مبالغ مالية تصل إلى 4 آلاف ريال، فوجئت بعدم إتمام تسجيل ابنتي في إحدى المدارس الحكومية في الرياض، بسبب عدم وصولها للسن النظامي، وعدم التحاقها بروضة معتمدة لدى وزارة التعليم، فبعد أن التحقت ابنتي بالمدرسة لمدة تصل إلى شهرين، تلقيت اتصالاً من إدارة المدرسة يفيد بأن قبولها تم بالخطأ، وعند إحضار المستندات من الروضة أفادوا بأنها غير مُعتمدة لدى الوزارة». قانونية: عقود لجنة التنمية تحوي «سرقة» لرواتب المعلمات أكدت القانونية لطيفة الدهمش أن عقود العمل الخاصة بمدارس رياض الأطفال التابعة للجنة التنمية الاجتماعية تضم عدداً من المخالفات القانونية، وفيها إجحاف لحقوق المعلمات، مبينة أن إحدى فقراتها تشير إلى خضوعها لنظام العمل السعودي، وهو ما يتطلب التقيد بالتسجيل في نظام التأمينات الاجتماعية. وأوضحت الدهمش في حديث ل«الحياة»، أن العقد مخالف للمادة 51 من نظام العمل السعودي التي تنص على وجوب وجود نسختين لعقد العمل، يحتفظ كل طرف بنسخته الموقعة من كلا الطرفين. وأفادت بأن نظام التأمينات الاجتماعية أعطى مهلة لمدة عام واحد، يقوم من خلالها صاحب العمل بتسجيل الموظفين السعوديين غير المسجلين في التأمينات، مشيرة إلى أن ذلك يعني أن حسم اللجنة مبلغ 9 في المئة من موظفاتها يعتبر مخالفة صريحة، مضيفة: «لا يوجد أي تسجيل بأثر رجعي بعد هذه المهلة، والنظام يتيح احتساب الأثر الرجعي في المدة الزمنية من بداية العقد دون حسم من رواتب العاملين». وحول تدني الرواتب أوضحت أن وزارة العمل حددت 3 آلاف ريال كحد أقل للراتب الشهري للموظفين السعوديين في القطاع الخاص، مؤكدة أهمية تسجيل المعلمات في نظام الموارد البشرية الذي وضع عقداً موحداً للمعلمات في المدارس الأهلية بدعم من الصندوق، وأن فترة الإجازة بين الفصلين الدراسيين أو إجازة الربيع خلال الفصل الدراسي الثاني يجب أن تكون مدفوعة الأجر، إذ إنها تدخل ضمن الفترة الزمنية للعقد، والتي تم تحديدها بعام دراسي.