في وقت تكافح الصحافة الورقية من أجل البقاء، عرف موقع «بوليتيكو» الإلكتروني الأميركي نجاحاً كبيراً، فتمدد من العالم الإلكتروني إلى العالم الورقي وأصدر صحيفة مجانية تنشر فيها مراسلات سرية وحوادث وإعلانات. و «بوليتيكو» يرفع عدد موظفيه من مراسلين وصحافيين وكتّاب في وقت تقلّص الصحافة الورقية أعدادهم. ويعود إنشاء الموقع إلى 2007. «كنا أول من رفع لواء النت أولاً وأرجأنا احتمال الصدور في نسخة ورقية إلى وقت لاحق. وحالفنا الحظ إذ واكبنا الحملة الانتخابية الأبرز في مسيرتنا المهنية، وهي مدت الجسور بين عالم السياسة والإنترنت»، يروي بيل نيكولز مدير التحرير الذي ترك «يو إس توداي» يوم كان في التاسعة والأربعين والتحق بالموقع الوليد. فبروز «بوليتيكو» تزامن مع ولوج الإنترنت في عالم السياسة وتعاظم الإقبال على ما يسميه خبراء الاتصالات «نيوز سايكل»، أي الدورة الإخبارية، وركنها تربع الخبر الآني محل الخبر السابق وإقصاؤه. ومردّ قوة «بوليتيكو» إلى أنه على خلاف الصحف لم يضطر إلى سلك طريق الإنترنت من أجل مواكبة العصر. فهو من بنات العالم الإلكتروني ومجبول منه. وغداة انتخابات 2008، حسِب مراقبون أن عهد «بوليتيكو» ولّى مع طي المواعيد الانتخابية، وأن وسائل الإعلام التقليدية ستستعيد مكانتها. لكن هذا الحسبان لم يكن في محله، ويرى بن لابولت، الناطق السابق باسم حملة باراك أوباما لولاية ثانية، أن «بوليتيكو» مدين في بقائه حيّاً إلى كونه سبّاقاً في مضمارين ترتّبا على بدء أفول الصحافة التقليدية: تعدد المنشورات في مجال معين ونمو صحافة الرأي. وتخفف «بوليتيكو» من التقارير الصحافية المتحدرة من «مدرسة (الصحافة) القديمة» و «الحياد»، ولم يبخل في إبداء رأي في الحوادث. ويوم أبصر الموقع النور، اقتصر عدد العاملين لديه على 12 مراسلاً، واليوم ارتفع العدد إلى 300، أي نصف عدد مراسلي «واشنطن بوست» التي عمل لديها كل من جون إف. هاريس وجيم فاندهي قبل مغادرتها لتأسيس «بوليتيكو». وعلى سبيل المثل، يتولى 8 مراسلين نقل أخبار قانون «أوباما كير» (مشروع إصلاح القطاع الصحي الأميركي)، وتسليط الضوء على جوانبه وإعداد تحقيقات عنه. وفي الأعوام السبعة الماضية، ارتقى «بوليتيكو» مؤسسة رائدة لا تمتنع عن نشر أخبار مشاجرات ثانوية وتافهة فتنشر، على سبيل المثل، مقالة عنوانها «هل نانسي بيلوسي (زعيمة الديموقراطيين في الكونغرس الأميركي) مستاءة من هيلاري كلينتون؟». ويروي مارك ليبوفيتش، من «نيويورك تايمز»، عن أبرز مُستشاري البيت الأبيض دان فايفر، أنه ينام في الحادية عشرة إثر تبادل رسالة إلكترونية مع مايك آلن، رائد الثرثرة السياسية في موقع «بوليتيكو» ويصحو في الرابعة وعشرين دقيقة للاطلاع على «بلايبوك»، رسالة آلن اليومية التي تنتظرها واشنطن كلها. وفي الولايات «الحمر» (الجمهورية) والزرق (الديموقراطية) على حد سواء، يتابع الراغبون في الاطلاع على تفاصيل فصول السياسة الأميركية، «بوليتيكو»، و10 في المئة من زوار الموقع هم من خارج أميركا. والموقع هو بمثابة حبل سرة يربط المغتربين الأميركيين بوطنهم الأم. وتعود ملكية الموقع والصحيفة الملحقة به إلى روبيرت ألبريتون، وريث أسرة تملك سلسلة قنوات تلفزيونية محلية. و «بوليتيكو» لا يفصح عن أرباحه، ويُقدّر عدد زواره ب4 ملايين شهرياً. ويبدو أنه لم يحقق أرباحاً تُذكر، إلا بعدما بادر إلى نشر محتوى» غير مجاني يتناول قطاعات محددة مثل الدفاع والطاقة والمالية العامة والتجارة، إلخ. واشترك أكثر من ألف مؤسسة في هذه الخدمة، على رغم كلفتها الباهظة (بين 3 آلاف ومئة ألف دولار). «فإذا كان المرء محامياً في قطاع الطاقة أو ناشطاً في أحد اللوبيات، تمس حاجته إلى معرفة خبر قرار رئاسي عن الغاز الطبيعي فور ذيوعه، وهو يريد الإلمام بكل تفاصيل الخبر وموقف الكونغرس إزاءه». خدمة «بوليتيكو برو» توفر مثل هذه المعلومات، ويعمل فيها 80- 300 صحافي. وينشر الموقع إعلانات باهرة لقطاع الدفاع، وأخبار تجمعات اليسار والمتقاعدين. ويوزع «بوليتيكو» كميات كبيرة من الصحف في حي البيت الأبيض والكابيتول، مقر الكونغرس، وفي كاي ستريت، شارع مقار اللوبيات (مجموعات «الضغط»). واليوم، قبيل ذكرى 7 سنوات على صدوره، يسعى الموقع في تنويع محتواه. لذا، ينشر في مطبوعة ورقية نصف شهرية «مقالات مطولة ومعمقة» أبرز مموّليها «بنك أوف أميركا». وانتخب الموقع نيويورك مقراً له، وهو يعد لإغلاق محتواه الشهر الجاري، وجعله في متناول المشتركين فقط. «فإثر أزمة الصحافة الورقية، تقوّضت نوعية الصحف المحلية وقل توزيعها. وأدرك الأميركيون أن الصحافة النوعية هاجرت إلى الويب، وأنها غير مجانية». * مراسلة، عن «لوموند» الفرنسية، 29/1/2014، إعداد منال نحاس