ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    إعلاميو «الأوفياء» يطمئنون على «فقندش»    أخبار وأسواق    أكدت رفضها القاطع إعلان الاحتلال التوغل في قطاع غزة .. السعودية ترحب بإعلان سلطنة عمان وقف إطلاق النار باليمن    نُذر حرب شاملة.. ودعوات دولية للتهدئة.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يهدد ب«كارثة نووية»    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    في ختام الجولة 30 من روشن.. الاتحاد يقترب من حسم اللقب.. والأهلي يتقدم للثالث    في إياب نصف نهائي يوروبا ليغ.. بيلباو ينتظر معجزة أمام يونايتد.. وتوتنهام يخشى مفاجآت جليمت    كتوعة يحتفي بقدامى الأهلاويين    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    الظفيري يحصل على الدبلوم    الحداد يتماثل للشفاء    11 فيلمًا وثائقيًا تثري برنامج "أيام البحر الأحمر"    إبداعات السينما السعودية ترسو في المكسيك    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. فصل التوأم الطفيلي المصري محمد عبدالرحمن    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    ليس حُلْمَاً.. بل واقعٌ يتحقَّق    لاعبو الأهلي: لم نتأثر بأفراح آسيا    الاقتصاد السعودي وتعزيز الثبات    بين السلاح والضمير السعودي    انخفاض معدل المواليد في اليابان    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    الرئيس السوري في فرنسا.. بحث إعادة الإعمار وآفاق التعاون الاقتصادي    الريادة الخضراء    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    مذكرة تفاهم لتفعيل قطاع التأمين الثقافي    "التراث" تشارك في "أسبوع الحرف بلندن 2025"    الرُّؤى والمتشهُّون    ألم الفقد    أميركا ضحية حروبها التجارية    الرياض تتنفس صحة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    أحمد الديين الشيوعي الأخير    إمارة الشرقية تنفّذ سلسلة ورش عمل لقياداتها    الجوازات تسخّر إمكاناتها لضيوف الرحمن في بنغلاديش    الخط السعودي في مدرجات الذهب.. حين يتجلّى الحرف هويةً ويهتف دعمًا    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    همسة إلى لجنة الاستقطاب    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    ريمونتادا مذهلة    القبض على يمني بالعاصمة المقدسة لارتكابه عمليات نصب واحتيال    حصيلة قتلى غزة في ارتفاع وسط أولوية الاحتلال للرهائن    تصعيد عسكري خطير بين الهند وباكستان بعد ضربات جوية متبادلة    نائب أمير الرياض يطلع على بصمة تفاؤل    الشيخ بندر المطيري يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة الخامسة عشرة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    أمير منطقة تبوك يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات    جراحة معقدة في "مستشفيات المانع" بالخبر تنقذ يد طفل من عجز دائم    أمير الجوف يواصل زياراته لمراكز محافظة صوير ويزور مركزي طلعة عمار وزلوم ويلتقي الأهالي    "زين السعودية" تحقق نمو في صافي أرباحها بنسبة 39.5% للربع الأول من العام 2025م    مؤتمر للأبحاث الصيدلانية والابتكار    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفاشية على الطريقة المصرية
نشر في الحياة يوم 05 - 02 - 2014

قبل أيام عدة أطلق شخص موتور فتوى على إحدى القنوات الفضائية يدعو فيها إلى ضرورة تطليق الزوجة «الإخوانية» باعتبارها خطراً على أمن الوطن ومصلحته، وتبعته في ذلك أستاذة للفقه المقارن بجامعة الأزهر التي رأت أن المرأة «الإخوانية» هي «أكثر شراسة وضرراً على المجتمع من اليهودية والقبطية»، وفق تعبيرها. وقبل شهور قليلة تبنى فنان شهير حملة على «الفايسبوك» تدعو للتخلص من جماعة «الإخوان المسلمين» مطالباً بإعدام أعضائها وتطهير البلاد منهم من دون محاكمات.
هذا غيض من فيض من تجليات الفاشية الجديدة التي باتت تملأ المجال العام والفضائي في مصر والتي تبدو وكأنها إحدى الأدوات الرئيسة للثورة المضادة التي بدأت في الثالث من تموز (يوليو) الماضي وتعمل بكل طاقتها من أجل تثبيت أركانها وكسب أنصار جدد تحت يافطة «محاربة الإرهاب». يدرك نظام 3 يوليو أن بث الخوف والرعب من عدو كان بالأمس القريب «حليفاً» أساسياً في ترتيبات ما بعد 25 يناير هو السبيل الوحيد للبقاء وتثبيت شرعيته. وهو في ذلك لا يختلف عن نظام حسني مبارك إلا في الجمهور الذي يخاطبه. فمبارك كان دائماً يستخدم فزاعة الإسلاميين من أجل ترهيب الغرب وتخويفه من أجل دعم حكمه السلطوي، وهو ما أتاح له البقاء في السلطة ثلاثة عقود كاملة. الطريف في الأمر أن المعادلة انقلبت حيث أن نظام 3 يوليو قد نجح نسبياً في تسويق الحرب على الإرهاب إلى قطاع من الجمهور المصري، في حين يقف الغرب متشككاً من هذه المسألة ومدركاً أنها ليست سوى أداة في الصراع بين «الإخوان» والعسكر ليس أكثر.
ولا تخلو النزعة الفاشية الناشئة في مصر من طرائف، فقبل أسابيع قامت سيدة باتهام ابنها بانتمائه إلى حركة «6 إبريل» ما أدى إلى اعتقاله، وقبل أيام قام رجل بالتبليغ عن زوجته واتهامها بأنها «إرهابية»، وذلك من أجل التخلص منها. ورغم تناول بعضهم هذه الحوادث بقدر من السخرية إلا أنها تعكس مدى تهافت الفاشيين الجدد في مصر وتكشف مدى التردي والانحطاط الذي وصلت إليه الأوضاع في مصر منذ 3 يوليو وإلى الآن.
معضلة النزعة الفاشية التي يحاول نظام 3 يوليو الاستثمار فيها وتغذية مشاعرها من أجل المداراة على إخفاقه السياسي لا تكمن في كونها متهافتة وسطحية ولا تؤسس لنظام فاشي حقيقي، وإنما لتداعياتها المجتمعية على المدى الطويل. ذلك أنها تجذر لمشاعر الكراهية والانقسام والانتقام داخل المجتمع وبين فئاته وتياراته الرئيسة. ومن يتابع خطاب الكثير من قواعد الإسلاميين وشبابهم يكتشف الشعور المتزايد لديهم بالاغتراب والعزلة ما يغذي مشاعر المظلومية والميل للانتقام. ولا يبخل الإعلام المصري بكل أشكاله المرئية والمسموعة والمقروءة عن تقديم وجبات فاشية شبه يومية يختلط فيها الحابل بالنابل إلى الدرجة التي تشعر فيها بأنه لا يوجد نظام ولا دولة في مصر على عكس ما يحاول هذا الإعلام ترويجه.
وفي ظل افتقاده لأدنى معايير المهنية والالتزام الأخلاقي، تحول هذا الإعلام من أداة للوعي والتنوير والبناء إلى معول تفتيت وتشتيت وهدم للمجتمع الذي يحاول تحالف 3 يوليو السيطرة عليه وإعادة توجيهه.
تاريخياً شكلت الفاشية إحدى تجليات الأنظمة القوية بالمعنيين الدولتي والإيديولوجي، في حين تعبر النزعة الفاشية الصاعدة الآن في مصر عن مأزق الدولة ومشروعها الجديد/القديم الذي تحاول من خلاله إعادة تأسيس نفسها. إن ارتفاع وتصاعد معدل الفاشية هو بحد ذاته دليل على «خواء» واهتزاز أطروحة نظام 3 يوليو حول هيبة الدولة وتماسكها وقوتها. فمن جهة ورغم ارتفاع مستويات القمع والعنف الدولتي غير المميِّز (بكسر الياء) فإن ذلك لم يردع التحركات الثورية في الشارع، ولم يثنِ فئات كثيرة عن الخروج للتعبير عن غضبها ورفضها الوضع القائم. ومن جهة ثانية فإن فشل هذا النظام (والمتوقع أن يستمر حتى بعد تولي العسكر الحكم رسمياً) في الحد من الهجمات النوعية التي تقوم بها جماعات صغيرة مجهولة العدد والتكوين والهوية على غرار ما تفعل ما تسمى جماعة «أنصار بيت المقدس» يجعل من الفاشيين الجدد أضحوكة أمام قواعدهم ومؤيديهم. ومن جهة ثالثة فإن اتكاء النظام الجديد/القديم على الشوفينية الوطنية كأداة للتعبئة والحشد لن يدوم كثيراً بمجرد الوصول إلى السلطة والبدء في مواجهة الأزمات البنيوية اقتصادياً واجتماعياً. حينها سوف تنتهي النزعة الفاشية وتحل محلها الفوضوية ويصبح الصراع مفتوحاً من دون قدرة الأطراف على العودة إلى الخلف.
ويظل موقف مثقفي السلطة أو من يسمون النخبة العلمانية من صعود النزعة الفاشية إحدى دلالات المأزق الأخلاقي والسياسي للسلطة التي يعاد تأسيسها حالياً. فبعض هؤلاء يلعب دوراً مهماً في تغذية هذا النزوع الفاشي قولاً وكتابة، سواء كان ذلك عن قناعة أم موالسة ورغبة في حصد المزيد من المكاسب وتثبيت ولائه للنظام الجديد، في حين صمت بعضهم الآخر وكأن على رأسه الطير. بيد أن الطريف في ذلك كله هو تبدل المواقف بين العلمانيين وخصومهم الإسلاميين. فخلال التسعينات عانى العلمانيون من قضايا الحسبة التي كان يرفعها بعض الإسلاميين الموتورين ويطالبون فيها بتطليق الزوجة من زوجها العلماني بسبب آرائه ومعتقداته، مثلما جرى مع الراحل الدكتور نصر حامد أبوزيد، في حين يصمت هؤلاء العلمانيون الآن وهم يسمعون نفس اللغة ويرون نفس المواقف ولكن في الجهة الأخرى، بحيث يبدو أننا قد دخلنا عصر «الحسبة العلمانية» التي تحاول إقصاء خصومها بأي ثمن.
لن تستمر الفاشية الجديدة في مصر طويلاً، فمصير الفاشيات عبر التاريخ معروف. بيد أن السؤال سيظل حول الثمن الذي قد يدفعه المصريون إلى أن تزول هذه المحنة.
* كاتب وأكاديمي مصري
تويتر @Khalilalanani


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.