نسبة تعثر المشاريع الحكومية لدينا وصلت إلى درجة لا يمكن السكوت عنها، ويمكن أن نقول إنها مع الأسف أصبحت ظاهرة في هذا القطاع، على رغم تصريح بعض المسؤولين لدينا بأنها موجودة في كل دول العالم، وهذا قد يكون فيه بعض الصحة، لكن أن تصل النسبة لدينا إلى ثلث المشاريع الحكومية متعثرة، فهذا يريد وقفة ومراجعة من أعلى المستويات. ذكر المهندس عبدالله البابطين وهو من منسوبي هيئة مكافحة الفساد في منتدى التشييد الذي أقيم أخيراً، أن قيمة المشاريع المتعثرة تصل إلى حوالى 40 بليون ريال بنسبة تقترب من 33 في المئة من تلك المشاريع، وهذا في الحقيقة رقم يمكن الركون إليه، لأنه صادر من جهة يفترض أن لديها إحصاءات دقيقة عن هذا الملف، وأرجع المهندس البابطين أسباب تعثر المشاريع إلى ضعف التخطيط وانعدام الرؤية عند من يخططون لتلك المشاريع وأسباب أخرى مثل ضعف الإمكانات الفنية لبعض الشركات المنفذة للمشاريع الحكومية. هذه النسبة المرتفعة من تعثر المشاريع في اعتقادي هي وجه بشع للفساد في هذا القطاع وعلى الأجهزة الرقابية التحرك والعمل بفعالية لمعالجته وإيجاد الأسباب الحقيقة ومعرفتها وطرح وتطبيق الحلول السريعة، لا نريد أن نتعود على مثل هذه الأرقام التي نتذكرها في المؤتمرات وورش العمل التي تقام من فترة إلى أخرى، ونتذكر مستوى تعثر المشاريع الحكومية عندما تطرح في أوراق علمية في تلك اللقاءات، وبعد ذلك يلفها النسيان حتى العام الذي يليه. إن السكوت عن المعالجة ومحاسبة المقصرين يشيع ثقافة الفساد في المجتمع، بل إن نسبة تعثر المشاريع ستزداد إذا لم يكن هناك وقفة حقيقة لمعالجة هذه القضية. تعثر المشاريع الحكومية بهذه النسب المرتفعة، يدفع المجتمع بأكمله ثمن ذلك في تأخر مشاريع حيوية لنا جمعياً من مدارس ومستشفيات وغيره، ويؤخر وصول هذه الخدمات إلى المواطنين، ويزيد الأعباء على الموازنة العامة للدولة التي رصدت المليارات لهذه المشاريع، والتي يضيع جزء منها في تعثر وتأخير تنفيذها. وبما أن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد قدمت لنا هذه الأرقام المفزعة، فإننا نشكرها على الشفافية، لكن باعتقادي أنه يجب ألا يقف دورها عند هذه الجزئية على رغم أهميتها، لن أطالب بإنشاء هيئة لإدارة المشاريع الحكومية، خوفاً من أن تتحول إلى جهاز حكومي مثقلاً بالبيروقراطية، لكن يجب إعطاء «نزاهة» دوراً أكبراً في عملية ترسية هذه المشاريع والدراسات المقترحة لها، وأن تكون طرفاً فعالاً في مراقبة التنفيذ بعد ذلك، فمثلاً لا يقر ترسية أي مشروع حكومي إلا بعد مروره على «نزاهة» وموافقتها عليه وعلى الشركات المنفذة لتلك المشاريع، وأن يكون لها صوت في عملية الترسية لضمان الشفافية في تلك المناقصات، وحتى لا يكون هناك احتكار من بعض الشركات المتنفذة لمعظم المشاريع الحكومية كما هو حادث الآن، إذ ذكرت بعض التقارير الصحافية المنشورة حديثاً احتكار معظم المشاريع الحكومية على خمس شركات في البلد، وهذا فيه ظلم وإجحاف في حق الشركات المتوسطة والصغيرة. إن أعطاء «نزاهة» مثل هذا الدور باعتقادي سيكون حلاً استباقياً لمنع الفساد قبل منشأه في بعض الأجهزة، وحتى يعطي صورة واضحة بجدية مكافحة الفساد، أتمنى أن يكون لهيئة مكافحة الفساد حضوراً في جميع اللجان التي تدرس المشاريع في الأجهزة الرسمية، على رغم أن الهيئة تعاني من نقص الكوادر، وهذا ليس مستحيلاً، فنحن نجد الممثلين الماليين موجودين في معظم الوزارات، لماذا لا يكون لهيئة مكافحة الفساد مثل هذا الحضور، وأن تُعطى الصلاحيات التي تضمن لها أداء دورها المأمول؟ والذي لا أشك فيه هو أن المسؤولين فيها ومن أقر إنشاءها يحملان «رسالة عظيمة»، لتخلصنا من هذا المرض الذي يستنزف قدراتنا الاقتصادية الوطنية. [email protected] @akalalakal