"أَوَ مُخْرِجيّ هُم؟" كان هذا رد نبينا على ورقة بن نوفل في إرهاصات النبوة، فقد كَرِهَ - صلى الله عليه وسلم - إخراج قومِه له من وطنِه، رغم أن مكة كانت غارقة في الشرك وعبادة الأوثان، ولكنها وطنه الذي غص بالذكريات، فكل طرقاتها ونواديها وبيوتاتها سجّلتْ لحظةً تَبْقى، واحتضنتْ شعوراً لا يُنسى، فمحبةُ الأوطانِ فطرةٌ سليمةٌ، وفراقُها غصةٌ أليمةٌ. كل شعوبِ العالمِ بمختلفِ مشاربِهم وعلى مرِّ التاريخ كانت أرواحهم ترخصُ لأوطانِهم، وأصواتُهم تهتفُ بحبها، ولم يستثنَ منهم إلا خائنًا بائعًا لشرفه. ونحن في بلاد الحرمين على أثر الشجعان الأوفياء الذين سبقونا في تضحياتهم لإعلاء راية التوحيد، وأسهموا في بناء وطنهم، فوضعهم التاريخ في سجل الشرف والسؤدد. الفسادُ يؤدي إلى الخيانة، مهما كان نوع الفساد فالنتيجة -إن لم يتب الفاسد- هي الخيانة، فمن فسدتْ عقيدته؛ خان وإن لبس عباءةَ الدين، ومن فسدَ خُلقه؛ خان وإن تدثّرَ بشعاراتِ الفضيلةِ، ومن فسدَ عقله؛ خان وإن حاز شهادات عليا. يؤكد ذلك كل من خرج يستعدي وطنه وولاة أمره، فعند البحث في أحوالهم نجدهم هربوا بعد أن عمّ فسادُهم، وكُشفت أوراقهم. ثم تركوا الفضيلة في وطنهم، وراحوا يدْعون إلى فضيلةً فقدوها في بلادٍ تحاربها، وأصبحوا يسوقون الأعذار، ويبررون لهم. أيها الخائن! أنت وصمة عار على أهلك ومكونك الاجتماعي وذريتك وأصدقائك، ولن تجد مؤيداً لك إلا أراذل الخلق وأعداء وطنك الذي تدّعي حبه، أتظن أن دعمهم لك حباً لوطنك؟ أُنظر في أعينهم كيف فرحوا بأداة هدمٍ، وقصةٍ جديدةٍ يلوكونَ بها عِرض وطنك.