داخل إحدى القاعات الصغيرة في القاهرة، جلست مجموعة من الشباب والفتيات ينصتون باهتمام إلى محاضرة التشريح التي يلقيها عليهم مصطفى، وهو شاب في سنهم لم ينه بعد دراسته في قسم الفلسفة بكلية الآداب، لكنه يهوى الفن ويعشق دراسة التشريح الفني خصوصاً. ويعرض مصطفى خبرته في مجال التشريح على زملائه في مدرسة الرسوم المتحركة. فالخبرات متبادلة بين المشاركين في هذه المدرسة، التي فتحت أبوابها حديثاً في حي الفجالة الشعبي في القاهرة. تبدو الحماسة في عيون المشاركين وهم يتعرفون للمرة الأولى إلى أسرار هذا الفن، كما يبدون حرصاً على الالتزام والمواظبة على حضور الدروس والمحاضرات الأسبوعية في مجالات متعددة، مرتبطة بالرسوم المتحركة، يلقيها عليهم فنانون وأساتذة مختصون متبرعون بوقتهم وجهدهم في أول فصول هذه المدرسة الجديدة. تقدم المدرسة خدماتها من دون مقابل لأبناء حي الفجالة، كما تقدم خدماتها لكل الراغبين في دراسة فن الرسوم المتحركة. وتضم بين فصولها مجموعة صغيرة تزيد قليلاً على العشرة أفراد هم أول الملتحقين بالمؤسسة التي تعد أحد نشاطات جمعية النهضة العلمية «جزويت» في القاهرة. لا يشترط للالتحاق بمدرسة الرسوم المتحركة هذه - كما يقول الفنان إبراهيم سعد، المشرف الفني على نشاط الجمعية - أن يكون المتقدم ملماً بمبادئ الرسم أو التصوير، أو أن يكون له نشاط سابق في مجال الرسوم المتحركة، فهنا يبدأ الدارس التعرف إلى هذا الفن من نقطة الصفر. الشرط الوحيد الذي يتطلبه الانخراط في فصولها الأسبوعية، هو الجدية والرغبة في التعلم. وينخرط الآن في فصول مدرسة الرسوم المتحركة التي بدأت نشاطها قبل ما يزيد عن خمسة أشهر طلاب مدارس وجامعيون ومتخرّجون، يتلقون دروساً مكثفة في مجالات الرسم والتشريح والمونتاج والتصوير الفوتوغرافي والدراما. وعلى مدار سنة يستطيع الدارس الإلمام بتفاصيل هذا الفن ومقوماته. ويوضح سعد أن المشاركين يمضون تسعة أشهر في دراسة فن الرسوم المتحركة بما فيها أساليب التحريك المختلفة، أما الشهور الثلاثة المتبقية فتُخصص لإنجاز مشروع التخرج. كما تتيح المدرسة الأدوات والوسائل التي تُمكن الدارسين من التدرب على صناعة أفلام الرسوم المتحركة، من كاميرات ومعدّات مونتاج واستوديو مجهّز بأدوات بسيطة. هنا يمكن أن تكون بداية الطريق لمن يرغب في احتراف هذا الفن. وعلى رغم ضعف التجهيزات وبساطتها، فإن التجارب التي أنجزها الطلاب تنم عن وعي بقيمة هذا الفن وقدرته على التعبير والتأثير بعيداً من الأشكال النمطية، وتضع من يريد الاستمرار على بداية الطريق الصحيح لاحتراف هذا الفن الذي لا يفتقر - كما يقول سعد - إلى الأفكار أو الخبرات «بمقدار افتقاره إلى التمويل، ما يقف عقبة كأداء أمام إنتاج أعمال قوية نستطيع أن ننافس بها أفلام الرسوم المتحركة التي ينتجها الغرب». التجارب التي أنجزت لا تتعدى مدة عرض الواحدة منها خمس دقائق، ابتكرها المشاركون بجهود ذاتية خلال الأشهر الخمسة الأولى من الدراسة في هذه المدرسة. وهم يتهيأون للمشاركة قريباً في أحد المهرجانات الدولية للرسوم المتحركة في بغداد والذي ترعاه منظمة اليونيسيف. غالبية الأفلام القصيرة التي أنجزت في المدرسة تتميز بالبساطة والعمق، ويرتبط أكثرها بقضايا المجتمع والبيئة المحيطة، فنشاط الجمعية لا ينفصل عن المحيط القريب لها في حي الفجالة، وهو أحد الأحياء القاهرية العريقة التي يغلب عليها الطابع الشعبي، كما لا ينفصل عن محيطها الأكبر، وما يشهد من أحداث. وتشارك جمعية «الجزويت» من حين إلى آخر في تجميل الحي برسوم جدارية بالتعاون مع فنانين شباب وطلاب كليات الفنون. كما تبنت الكثير من المبادرات الهادفة إلى إعادة الوجه الحضاري لتلك المنطقة الغنية بالأبنية والكنائس الأثرية. وتنظم الجمعية سنوياً ورشاً فنية لأطفال الحي. وتتزين جدرانها بالكثير من هذه الرسوم الصغيرة التي تركها صغار، شاركوا في تلك الورش. ويشمل نشاط الجمعية نشاطات فنية أخرى كالمسرح والسينما والموسيقى والغناء.