إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    جمعية حرف التعليمية تنفذ فعالية الرصد الفلكي للخسوف الكلي للقمر بجازان    نمو الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.6% في الربع الثاني من 2025    المرور يحذر من سحب أو حمل أشياء عبر الدراجات    تقرير لمركز أبحاث يكشف عكوف الولايات المتحدة على استعمار العقول    مراقبون توقّعوا أن تكون الزيارة أهم حدث دبلوماسي في 2025 ترمب يدعو ولي العهد إلى زيارة واشنطن.. نوفمبر القادم    الأميرة أضواء بنت فهد تتسلم جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز «امتنان» للعمل الاجتماعي    حين يتحدث النص    توقيع شراكات مع القطاعين الحكومي والخاص الأمير سعود بن نهار يطلق أعمال المؤتمر العالمي للسياحة العلاجية بالطائف    بنجلادش تكافح موجة متصاعدة من حمى الضنك وحمى شيكونجونيا    جامعة حائل تحقق إنجازًا علميًا جديدًا    ارتفاع أسعار النفط    ولي العهد يهنئ رئيس وزراء تايلند    «مؤتمر الاستثمار الثقافي».. الوصول للاستدامة    مشروعات وجسر بري إغاثي سعودي لسورية    صوت العدالة    أمريكي يصطاد ابنته بدلاً من «الطائر»    شرطة لندن تضبط «نصابة» المواصلات    إجراءات عراقية حاسمة ضد مهددي الأمن    932.8 مليار ريال قروضاً مصرفية    الأخضر السعودي يختتم استعداده لمواجهة التشيك    في مهرجان ولي العهد.. تألق سعودي في سباق الهجانة للرجال والسيدات    بعد أول خسارة في التصفيات.. ناغلسمان يعد بتغييرات على تشكيلة ألمانيا    قبل خوض جولة جديدة من التصفيات.. ماذا تحتاج مصر وتونس والجزائر للتأهل إلى كأس العالم؟    التعاونيون لن ينسوا خماسية النصر    مدافعون لا يقودون أنفسهم    استعداداً لكأس العالم .. الأخضر تحت 20 عاماً يكمل جاهزيته لمواجهة تشيلي    التجارة: «تطبيق بلاغ» يحمي المستهلكين    51 طلب طرح شركات    الجوازات تواصل استقبال ضيوف الرحمن    مهربو القات المخدر في قبضة الأمن    يعتمد على تقنيات إنترنت الأشياء.. التعليم: بدء المرحلة الأخيرة للعمل بنظام «حضوري»    «تواصل» تنهي إجراءات الجوازات إلكترونياً    صيف عسير.. حالات ضبابية ولوحات طبيعية    "موانئ" تحقق ارتفاعًا بنسبة 9.52% في مُناولة الحاويات خلال أغسطس 2025    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    النسور.. حماة البيئة    راغب علامة يلاحق «المسيئين» بمواقع التواصل    «صوت هند رجب» يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية    «الإعلام» : استدعاء 5 منشآت لدعوتها معلنين من الخارج    السمكة العملاقة    السعودية تحمي النسور ب«عزل خطوط الكهرباء»    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    رقائق البطاطس تنقذ امرأة من السرطان    «الصحة» تستكمل فحص الطلاب المستجدين    إعادة السمع لطفلة بعمر خمس سنوات    وفدٌ من كلية القيادة والأركان للخدمات الدفاعية البنغلادشية يزور "التحالف الإسلامي"    المملكة التاسعة عالمياً في إصابات السكري الأول    خسوف طويل يلون القمر باللون الأحمر ويشاهده أكثر من 7 مليارات نسمة    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ أكثر من 28 ألف جولة رقابية على الجوامع والمساجد    أمير القصيم يستقبل سفير كندا لدى المملكة    عشرات الجهات والخبراء يناقشون مستقبل المزارع الوقفية بالمدينة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير شرطة المنطقة ويطلع على التقرير الإحصائي السنوي    مصر تتصدر عالميًا بالولادات القيصرية    حين تتحول المواساة إلى مأساة    أربعون عاما في مسيرة ولي العهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موت الأبد... من جيل الصمت إلى جيل الثورة
نشر في الحياة يوم 03 - 11 - 2012

في لقاء جمعني قبل حوالى ستة أشهر مع خالد غزال ومحمد أبي سمرا وعقل العويط في مكتب الأخير في «النهار»، كان بيننا حديث طويل حول الثورة السورية التي كانت ولا تزال جرحنا النازف وهمنا اليومي وشاغلة وقتنا وافكارنا كما لم يكن شيء من قبل. إلى ذلك، جمَعنا بالضرورة وفي ذات الجلسة ذلك الحضور البالغ الحساسية والمركزية للثورة السورية في خطابات المثقفين اللبنانيين والكتّاب المستقلين عن الخطاب السياسي اليومي والسطحي السائد في لبنان.
هو حضور قديم يتجدد اليوم وبشكل مختلف وأوضح مع إعلان الشعب السوري ثورةً شعبيةً مختلفة ومتمايزة عن الكتابات النخبوية في زمن الصمت وجيله. يستمر الرفض اليوم وتعاقُب ما قام به جيل الصمت وتوسعه إلى نطاق ثورة شعبية عارمة من دون ان يعني ذلك انقطاعاً بين جيل الصمت قبل الثورة وجيل الثورة الذي ولد صوته معها من جديد. نعيش في زمنين مختلفين جمعهما هم التغيير والانتقال إلى سورية الحرة. الأول صنعه المثقفون والكتّاب السوريون بمندتياتهم وصالوناتهم في ربيع دمشق، وقبلها عبر مقارعة نظام الأسد بالعمل السياسي والحزبي في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته، والثاني يصنعه الشعب السوري اليوم بثورته الغراء.
هنا، وعوداً على بدء، يأتي كتاب الكاتب والروائي «السوري» و «المتلبنن» محمد أبي سمرا «موت الأبد السوري - شهادات جيل الصمت والثورة» والصادر عن منشورات رياض الريس، 2012، ليجمع بعنوانه بين جيلين: جيل الصمت، أي جيل ما قبل الثورة، وجيل الثورة.
لا قيمة للعمر هنا وانحناء الظهر أمام نائبات الزمن ومنها النائبة الكبرى ممثلة بالنظام السوري، ذلك أن ما اعتمده أبي سمرا في فرزه مقارعة النظام إلى الضفتين الآنفتي الذكر هو الحقبة الزمنية والسياق التاريخي لكل منهما، وذلك لا يعني أن جيل الصمت لم يطلّق صمته ويعلن نفسه لاحقاً واحداً من جيل ما بعد 15 آذار (مارس) 2011، ناهيك أنه اصلاً لم يكن صامتاً يوم كان السكون والصمت سمةً لازمة لمملكة الصمت، يحضر ذلك عبر الشهادات الموثقة، لخمس شخصيات كسرت حاجز الصمت ورفعت الصوت بالمواجهة والرفض، منها شهادة لناشط لبناني منتمٍ إلى «التيار الوطني الحر»، اعتقل في زمن الوصاية السورية على لبنان في أحد مراكز الاعتقال لسورية في لبنان، وهو يتحدث بسخرية عن حديث الضابط السوري له قائلاً: «سورية الأسد قدر لبنان».
يغيب الجانب التحليلي السياسي في الكتاب الذي خطه صحافي لامع في «ملحق النهار» وروائي على قدر كبير من الثقافة، إلا أن ذلك الغياب يبدو متعمداً من قبل المؤلف، وهو يبتعد عن تقديم وجهة نظره ورأيه مباشرةً بمسار الاحداث والشهادات التي قدمها له شهود عيان على الواقع، بمن فيهم من رافقوه في رحلته السرية وقتها والمعلنة على صفحات الكتاب إلى سورية، وإلى حمص تحديداً، حيث كانت صفحات طويلة توثق وعلى لسان شهود من حمص، الخالدية وغيرها، وعلى لسان الكاتب ومشاركته في اعتصامات الخالدية. تلك الصفحات والشهادات المقدمة في شكل روائي وسردي مؤثر هي الرأي العلني والانحياز الذي لا يملك المرء إلا ان يتبناه ويعلنه موقفاً مبنياً على تحليل مضمر خلقته الرواية، رواية شعب في مواجهة الموت اليومي وتمسكه بالحياة حتى في آخر لحظاتها الغاربة، غناءً وهتافاً وصموداً وتظاهراً وتجمعات. إنه ذات الشعب الذي تتكرر اليوم مقتلته في حماة قبل ثلاثين عاماً وفي خضم ثورة الكرامة والحرية التي أعلنها ثورة لا رجعة عنها. إذاً تتالى الذاكرة الجمعية كفيلم يسير شريطه ببطء كي لا ينسى المشاهد المقطع السابق لما يشهده في اللحظة تلك، وعن ذلك يقول الكاتب: «تكرار المقاتل يومياً في هذه البؤر المنتفضة، أحيا في ذكريات السوريين وروعهم المقتلة الأسدية الكبرى في حماة وسواها من مقاتل صغرى او جزئية تناسلت في الديار السورية ما بين 1979 و1985.
لكن هذه المقاتل لم تكن منسية أو مندملة، بل حاضرة حضوراً راعفاً ومروعاً في ذاكرة السوريين الجمعية... فما فعله حافظ الاسد وأخوه رفعت ورهطهما الامني والعسكري في حماة، رُفع امثولة – معلماً في تاريخ سورية البعثية التي نصب الاسد الاب تماثيله وصوره الصنمية الضخمة في شوارعها وساحاتها العامة. هذا يفسر من أي عمق هتف الشعب السوري المنتفض على جمهورية الطغيان والصمت الأسديين، صارخاً تلك الصرخة التوراتية «يلعن روحك يا حافظ» التي تبدو صرخة «الربيع العربي» المشتركة والعامة «الشعب يريد اسقاط النظام»، أهزوجةَ أطفال مقارنة بها.
واستطراداً، وفي سياق تتابع الأحداث والموت اليومي للسوريين، وفي زمن الأسد الابن الذي لا يزال يعيش على وهم الأبد السابق للأب، صار موت الأبد واقعاً لم يستوعبه الابن بعد، كما لم يستوعب أن الثورة السورية هي موضوعياً ثورة على الأبد بمفهومه العام، كما هي ثورة عليه كشخص يختزِل بشخصه نظاماً فاسداً وطاغياً ومستبداً. عن ذلك يقول محمد أبي سمرا: «ليست الثورة السورية، إذاً، ثورة على الحاكم، بل هي خروج على عبادة الوثن الواحد المتجدد، الى التعددية الانسانية التي لا يفاضل فيها ما بين البشر المختلفين الذين يريدون العيش متساوين في حياة دنيوية خالية من ذلك الإله المتجسد في وثن مقدس، انتقلت روحه الخالدة الى وثن يماثله في القداسة والخلود».
وطالما ان الكتاب يترفع عن السياسي المحض ليدخل في السياق الأدبي الروائي المنحاز إلى الحرية كقيمة، فإننا لم نكن ننتظر منه تحليلاً وقراءة لما بعد الثورة والمخاطر التي قد تتهدد البلد والنسيج الاجتماعي السوري. لكن من المؤكد أن نجاح الثورة السورية في كسر الصنم وإماتة الأبد الذي ارتفع صنماً منذ 1970 وحتى 15 آذار 2011، ليغدو أبداً سابقاً، سيفتح المستقبل على احتمالات لم يكن ليفتحها إلا موت الأبد السوري الكريه، وهي احتمالات تتضمن إلى جانب الفوضى والتفكك والاحترابات التي ترفع رايتها عالياً من تحت الركام، احتمالات الحرية والولادة السورية من جديد معلنة زمناً لا أبد فيه لأحد، وهي البداية المهمة والوحيدة للسير على طريق البناء من جديد.
فتحية إلى محمد أبي سمرا.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.