«مودة ورحمة» هي إطار العلاقة بين المرأة والرجل كما أقرها الإسلام، لكن واقع قضايانا المعاصرة في السعودية ينطق بغير المودة والرحمة؛ في واقعنا مع النماذج المشرفة لرجال يحترمون المرأة جنباً إلى جنب نجد من يبيح اغتصاب صغيرة باسم الزواج، ثم يمنعها بعد الترمل من التصرف بحقها المالي معيداً إياها بقدرة قادر طفلة غرة، وعندنا أشكال العضل في الأسرة بجانب صور العنف تجاه المرأة داخل مؤسسة الزواج تحت مظلة القوامة والتأديب، انتهاء بقتلها أمام صغارها أو رميها عند أهلها سنوات تكتشف أنها طلقت خلالها من دون تبليغها. هذه التصرفات الخسيسة تدل - بعد أن تقيس مستوى مروءة أصحابها – على خلل في الصورة الذهنية للمرأة في مجتمعنا الذكوري، صورة تصنعها تفسيرات مجحفة للنص الديني تبرز في سلوك الأفراد، وفي كثير من أحكام القضاء. تحت هذا وذاك سأنشغل في ما أكتب هنا بالعودة للنص الديني الأصلي ومحاولة استخراج صورة أكثر إشراقاً وإنسانية للمرأة كياناً مستقلاً أو في علاقتها بالرجل، وما ذلك بسهل نظير ما تراكم في الوعي من تفسيرات، ولا هو بالصعب ونحن نتفق على اختلاف توجهاتنا بأن الإسلام كرّم المرأة. النص الديني الذي يبدأ العلاقة الأولى بين آدم وحواء فيخلقها منه ليحن الشق للشق، فإذا بالصورة تشوه بمحفوظات من أساطير الأولين تحمل حواء الخطيئة الأولى على رغم أن النص يشركهما في الفعل «فدلاهما/ ذاقا/ طفقا/ ناداهما ربهما» الأعراف ( 22)، وفي موضع آخر «فأزلهما الشيطان/ فأخرجهما» البقرة (36). والفعل هنا مشاركة، فإن أفرد القرآن أحدهما فهو آدم «فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد» طه (120). وفي تفسيرات النص تحوّل توجيه الرسول الكريم للرجال بالرفق بالنساء في الأذهان من «خلقت المرأة من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع رأسه» إلى «خلقت من ضلع أعوج» مع أن مراجعة مفردة العوج في القرآن لن توصل لانتقاص المرأة. هي الثقافة الذكورية تلوي النصوص فتعود بالمرأة للجاهلية الأولى، ويأبى النص الذي أمرنا بتدبره إلا أن يكون أوضح وأنقى؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع» فيعلي شأن التدين، فوق مقاييس الجمال، ضارباً في نماذجه التطبيقية نماذج رائعة من تجاوزات حسابات تكافؤ النسب، ويرتب تفاصيل العلاقة ليكون كل طرف سكناً للآخر. تستفتح العلاقة بتوجيه رسولنا الكريم «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» فكيف نفهم الرؤية ان لم يكن ما ينظر إليه هو جمال الشكل؟ هي نظرة في الروح والفكر وهذه ليست حقاً للرجل وحده، ولا تستبين من دون تفاهم مهما قصرت مدته. ويحتاط الدين الإسلامي للعلاقة فيحميها بقانون القوامة المشروط بالإنفاق، والتفاضل، ويسقط بسقوطها سير الزواج الحسن، والقوامة ليست في النص تسلطاً وتعسفاً هي اتخاذ القرارات المهمة لتسيير شؤون البيت وتحمل تبعاتها، واتخاذ القرار يتم بعد «تراض منهما وتشاور» البقرة (233)، حتى حول فطام رضيع قبل الحولين. وبقي مزيد من صور التسلط الذكوري على المرأة، عبر تحريف مقصود الوحي عن مواضعه، نناقشها في موضوع مقبل. * كاتبة سعودية.