المتتبع لحال الثورات العربية، سواء التي كتب لها النجاح في إسقاط الطغاة أم تلك التي ما زالت ترزح تحت وطأت الأنظمة الديكتاتورية، يجد أن التمكين لأي من تلك الثورات لم يتحقق بعد ولا يزال المشهد يلفه شيء من الغموض. ومع أن البلد السباق للثورة والمصدر لها حقق نجاحاً وخرج بحلته الجديدة إلى العالم معلناً تونس بلد الديموقراطية والحريات والتعايش والرأي والرأي الآخر إلا أن التظاهر الذي أعقب الانتخابات كان عملاً غير مسؤول، وضغطاً واضحاً للحيلولة دون حكم فئة معينة حصلت على الغالبية بموجب إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وارتفعت دعوات لممارسة الضغوط على الإسلاميين للعدول عن مبادئهم وبرامجهم الإنتخابية التي من خلالها حصلوا على ثقة الشعب. وأطلقت تصريحات مثيرة للجدل فبعضهم يصرح بعودة الخلافة الراشدة والبعض يطمئن العالم الغربي والشعب التونسي الى حرية المرأة وحرية الصحافة وحرية المعتقد وحرية الفكر وغير ذلك. وهنا نتساءل ألم يثق الشعب التونسي بمن انتخبه؟! ألم يعط الشعب التونسي الفرصة لهؤلاء لإثبات قدرتهم على إدارة البلاد اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وتربوياً وفكرياً والإرتقاء بالوطن التونسي إلى الأمل المنشود وفق ما رسمه المرشحون للناخب التونسي؟! ألا يجب على المعترضين والمعارضين أن يعطوا الفرصة للفائزين في الانتخابات لإثبات قدراتهم وكفاءتهم؟ أم أنه لا بد من وأد المولود وذم المحمود وإفشال المقصود حتى يستشعر الشعب الندم ويتمنى لو أن الماضي يعود. الصراحة كل الصراحة أن السياسة هي أحياناً لعبة قذرة. لا بد للعسكر في تونس من حماية إرادة شعبه ولا بد للغرب من أن يحترم إرادة الشعوب ولا بد لكل معارض تونسي من أن يكون مراقباً نزيهاً لا محرضاً، وإلا فإن الثورة التونسية تذهب ادراج الرياح فلا يعود من فرق بين سنوات ضيعها بن علي وسنوات آتية ضائعة. ولا ملامة على الضغط الغربي طالما كان مبرره تخوف بعض أبناء تونس. ولا ملامة أيضاً في حال انقلاب العسكر تحت ذريعة الفراغ السياسي والانفلات الأمني. ان الملامة كل الملامة هي على كل مواطن تونسي لم يدرك مكتسبات الثورة ولم يقدم مصلحة وطنه فوق كل مصلحة أخرى.