حطمت الطائرة X-43A، وهي انتاج مشترك لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" وشركة "بوينغ"، الرقم القياسي الذي سجلته الطائرة الأميركية X15 منذ العام 1967 وتفوقت عليها ب300 كيلومتر في الساعة لتصل سرعتها إلى 7630 كيلومتراً/ ساعة. لكن هذه الطائرة، خلافاً لطائرة X15، تم تشغيلها آلياً عن بعد، وانتهت رحلة هبوطها في مياه المحيط الهادي، بعدما قطعت 22 كيلومتراً خلال مدة لم تتجاوز عشر ثوانٍ. ومع ذلك تعتبر هذه الخطوة انجازاً ضخماً في عالم الطيران، لأن عملية الاطلاق لم تستلزم استخدام محرك صاروخ، بل اشتغلت بواسطة الأوكسيجين الموجود في الهواء للقيام بعملية احتراق الوقود، ما يبرهن على أن تزويد الطائرات بمحرك جوي يجعلها قادرة على التحليق بسرعة خارقة وعلى علو مرتفع جداً من دون الحاجة إلى حمل الأوكسيجين، ما يؤهلها لملامسة حدود الفضاء وهي محملة بشحنات ثقيلة لايصالها إلى مسافات طويلة. إن نجاح هذه التجربة لا يعني أن هذه الطائرة ستدخل قريباً حيز التشغيل، إذ لا يزال الأمر يحتاج إلى جملة من معادلات الطيران فوق الصوتي. لقد ورثت طائرة X-43A محور عملها وتصميمها الميكانيكي عن اختراع المهندس الفرنسي رينيه لورين المسجل منذ العام 1913 والقائم على استخدام المفاعل السكوني، وهو عبارة عن أنبوب فارغ وخالٍ من القطع، لكن ذلك لا يحول دون عمله كأي محرك يشتغل بالهواء المضغوط مسبقاً والممزوج بالوقود التي تؤدي عملية احتراقه إلى دفع الطائرة. وخلافاً للمحرك التقليدي الذي يحتاج في ضغط الهواء إلى جهاز خاص، يقوم المحرك السكوني باستخدام قوة الدفع فقط، مستفيداً من الدفق الهوائي الذي يدخل المحرك، وعندما يزداد الضغط ترتفع حرارة الهواء، وعندها يكفي ضخ الوقود ليحترق بشكل تلقائي بمجرد ملامسته الهواء الساخن، ثم تخرج الغازات الساخنة من الأنبوب الاسطواني الموجود في الخلف، لكن الطائرة ذات المحرك السكوني تحتاج إلى دفع قوي من الهواء كي تتحرك، ما يستدعي الدفع أثناء الطيران مع كل ما تمثل هذه العملية من مخاطر. واعترف مدير المشروع بأن الفشل الذي لاقته تجربة اطلاق هذه الطائرة في العام 2001 سببه عطل في الصاروخ الحامل. ومتى انطلقت الطائرة X-43A المزودة بمحرك سكوني، فإن سرعة الانطلاق تجاوز سرعة انطلاق الطائرة المزودة بمحرك عنفي بأكثر من الضعفين. لقد واجه المهندسون عقبة أساسية تمثلت بصعوبة تحويل مرور الهواء إلى سرعة تحت صوتية، لأن ارتفاع ضغط الهواء والحرارة يؤدي إلى صعوبات ميكانيكية. بمعنى آخر، ان احتراق الوقود في هواء مرتفع الحرارة يقلل من أداء الدفع. وقد وجدوا الحل في تخفيف الضغط بحيث يتم احتراق الوقود في دفق هوائي فوق صوتي لخلق محرك فوق سكوني. وبينت التجارب أن الهواء أو الغاز يجب ألا يمكث في غرفة الاحتراق لأكثر من واحد على ألف من الثانية، لهذا وقع الاختيار على الهيدروجين الغاز الطيار الذي يختلط بسرعة ويحترق بسهولة، على رغم الحجم الكبير الذي يستلزمه التخزين بسبب ضعف كثافة هذا الغاز وحاجته إلى حرارة تصل إلى 2700 درجة مئوية، أي أكثر من ألف درجة مئوية عن الحرارة القصوى في المحرك العنفي التقليدي. ومن هنا فإن ارتفاع درجة الحرارة يشكل معضلة حقيقية بالنسبة إلى مقاومة المواد التي يتألف منها هيكل المحرك. ولجأ العلماء إلى اختصار مدة الطيران إلى 10 ثوانٍ، احتاجت إلى 900 غرام من الهيدروجين المضغوط نظراً إلى غياب الحلول الناجعة. ولحماية هيكل الطائرة X-43A من السخونة التي يسببها احتكاك الهواء بمعدل 7 ماك، أي ما يساوي 1500 درجة مئوية في المقدمة والجانبين، تم صنع هذه الأقسام من مزيج من ألياف الكربون المعززة بالكربون الغازي وتحت تغطية المجموع بقشرة من "السليس"، أي رمل الصوان، للحيلولة دون حصول تماس مع الأوكسيجين وتجنب اشتعال الكربون. وكان هذا الاجراء كافياً لامتصاص السخونة والحرارة خلال فترة الطيران الوجيزة جداً. ولكن كيف يمكن لهذه الطائرة أن تقاوم الحرارة لعشرات الدقائق أو الساعات؟ إنه التحدي الكبير الذي يعكف الخبراء حالياً على ايجاد حلول له تتمثل في ايجاد مواد جديدة ودارة تبريد مدمجة. ويبدو أن مستقبل الطائرات فوق الصوتية يتوقف حالياً على X-43C وX-43B وX-43D وLea وهي الطائرة الفرنسية المتقدمة على X-43A نظراً إلى أنها ستكون مزودة بمحرك سكوني قابل للتحول إلى محرك ما فوق السكوني. ومن المقرر أن تقلع في العام 2010. كما يتوقف تطوير هذا النوع من الطائرات على استعداد الحكومات لتمويل المشاريع، حيث تم تخصيص موازنة تبلغ 230 مليون دولار لفترة سبع سنوات لمشروع طائرة X-43A. ويعتزم الفريق المسؤول اجراء أربع رحلات تجريبية من دون طيار، ما يدل من دون أدنى شك على أن مستقبلها عسكري، لأن وزارة الدفاع الأميركية تعتزم تطوير مقاتلة جوية قبل العام 2025 قادرة على ضرب أي نقطة في العالم في مدة لا تتجاوز الساعتين. وتندرج هذه الخطة في إطار مشروع "فالكون" الذي يهدف إلى تطوير طائرة فوق صوتية أيضاً لجعل الصواريخ وطائرات التجسس بعيدة عن متناول أي سلاح مضاد. كما يشكل هذا النوع من الطائرات ثورة حقيقية في عالم تكنولوجيا القاذفات الفضائية ستجعل حمولة المركبات تتضاعف عشر مرات على الأقل مقارنة بالصواريخ الحالية. أما على صعيد الطيران المدني، فلا أحد يعتقد بنجاح هذا النوع من الطائرات على الصعيد التجاري بعد الفشل الذي خلفته طائرة كونكورد فوق الصوتية على رغم مستواها المتواضع مقارنة بX-43A ومثيلاتها