تضجّ عمّان هذه الأيّام بقضيّة جديدة، مثارة حول موسى حوامدة الذي يتخوّف بعض المثقّفين من أن يتحوّل ضحيّة جديدة على مذبح حريّة التعبير، أسوة بالمفكّر المصري نصر حامد أبو زيد الذي وجّهت إليه تهمة الردّة، وصدر حكم بالتفريق بينه وبين رفيقة دربه ابتهال يونس، ما اضطرّه للهجرة إلى هولندا... وسبب الحملة التي تخوضها ضدّ الشاعر الاردني جهات مقرّبة من الاسلاميين، قصيدة بعنوان "يوسف"، تضمنها ديوانه الجديد "شجري أعلى" الصادر قبل أشهر في بيروت، عن "المؤسّسة العربية للدراسات والنشر"، والذي تم توزيعه في الاردن في الفترة الأخيرة. وقد نشرت الصحف الاردنية مقالات تهاجم القصيدة، وتعتبرها بمثابة "كفر" بما ورد في النصّ المقدّس عن النبي يوسف، كما تعرّض بعض خطباء الجمعة في الأردن للكاتب واعتبروه "مرتداً" وطالبوا ب "اقامة حد القتل عليه"! أما حوامدة 41 عاماً، فرفض من جهته التهم الموجّهة إليه جملةً وتفصيلاً. وقد صرّح الشاعر، الفلسطيني الأصل، لوكالة الأنباء الفرنسيّة: "أنا مسلم، وايماني عميق، واحترم الكتب السماوية جميعها". كما أكّد أنّه لم يسعَ من خلال القصيدة المذكورة إلى نفي قصة النبي يوسف، قبل أن يضيف أن "من حق الشاعر ان يستقي رموزاً تاريخية ويسقطها على الواقع الحالي، والدليل انني تحدثت عن المخابرات الاسرائيلية الموساد في القصيدة". ويوضح أن كل ما أراده هو التعبير بالرمز عن رفضه "لأن تكون المراة العربية مصدر اغواء، ورفضه المنطق القائل بأن "الاسرائيلي هو النموذج الأرقى"! ودان حوامدة الهجوم العنيف عليه معتبراً أنه لا يجوز لأي شخص لا يملك ثقافة شعرية حديثة أن يوجه اتهامات بالكفر. واستنكر عدد من المثقفين في عمّان والعالم العربي ما يجري من محاولات لزجّ السجال الأدبي في خانة ضيّقة، ولمصادرة الابداع انطلاقاً من اعتبارات دخيلة عليه. كما تخوّف كثيرون من أن تؤدّي هذه الحملات العشوائيّة التي لا تولي الشعر اهتماماً، بل تتعامل مع النص الأدبي انطلاقاً من مقاييسها إلى نوع من "الحجر على الفكر والثقافة". ووجّه وزير الاعلام الأردني صالح القلاب، تحذيراً صارماً إلى الذين يتجرّأون على محاكمة المواطنين، مذكّراً أن الدولة - بأجهزتها وقضائها - هي المرجع الوحيد الذي يسهر على تطبيق القوانين. وقال إنّه لن يسمح لأي جهة حزبية أو غير حزبية ان تنصّب نفسها وصيّة على القانون، وتحلّ مكان العدالة والشرعيّة.