وزارة الرياضة تحقق نسبة 100% في بطاقة الأداء لكفاءة الطاقة لعامي 2023 -2024    الصين تؤكد تفاصيل الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    الهلال يضرب موعدا مع السيتي في مونديال الأندية    انزاغي: أهداف الهلال كبيرة في مونديال الأندية    الهلال يتأهل إلى دور ال 16 في مونديال الاندية    طقس حار الى شديد الحرارة على معظم مناطق المملكة    ماكرون: "السيناريو الأسوأ" يتمثل بخروج إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    دول أوروبية بلا حدود داخلية    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    ترمب يصعّد معركته ضد باول.. حرب الفائدة تربك الأسواق الأميركية    الأمونيا الصديقة للبيئة ووقود الطيران المستدام يسرعان معدلات النمو للصناعات النظيفة    كرة القدم الحديثة.. عقل بلا قلب    القادسية.. موسم ذهبي وأرقام قياسية في موسم مثالي    أخلاقيات متجذرة    القبض على وافدين اعتديا على امرأة في الرياض    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    الأسيرة الفلسطينية.. حكاية الألم    اختتام فعاليات المؤتمر العلمي الثاني لجمعية التوعية بأضرار المخدرات    رسميًا.. رونالدو مستمر مع النصر حتى 2027    البدء بتطبيق"التأمينات الاجتماعية" على الرياضيين السعوديين ابتداءً من الشهر المقبل    نجران ترسم مستقبلها الإستثماري بنجاح مبهر في منتدى 2025    أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    القبض على (31) إثيوبياً في عسير لتهريبهم (465) كجم "قات"    أمير الشرقية يُكرِّم "مجموعة مستشفيات المانع" لرعايتها الطبية منتدى الصناعة السعودي 2025    موعد الظهور الأول لكيليان مبابي في مونديال الأندية    شبكة القطيف الصحية تطلق مبادرة "توازن وعطاء" لتعزيز الصحة النفسية في بيئة العمل    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    تحسن أسعار النفط والذهب    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مرور العام    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملك عبد الله الثاني ل "الوسط": هكذا عرفت أنني سأكون الملك لا عودة مع "حماس" إلى الوضع السابق
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 1999

تعلّم الملك عبد الله الثاني من والده الراحل الملك حسين درسين أكدت التجارب الطويلة والمريرة صحتهما. الأول هو أن سلامة الأردن تبدأ بسلامة العلاقة بين الملك والمواطن العادي وهي الضمانة لنزع فتيل الأزمات. والثاني أن الدول الصغيرة المقيمة على خطوط تماس قابلة للاشتعال تدافع عن نفسها بنسج شبكة واسعة من الصداقات وأحياناً بالعثور على دور اقليمي ودولي يفوق حجمها وقدراتها. وبعد تسعة أشهر على توليه الملك قطع الملك عبد الله الثاني شوطاً كبيراً في تأكيد الدرسين. ففي موازاة ذهابه المباشر إلى المواطن وهمومه واهتمامه بترسيخ التجربة الديموقراطية يتحرك الملك الشاب لصيانة أرث الصداقات في العالم ولفتح صفحات جديدة مع العواصم التي شابت الصداقة معها جروح أو خدوش.
لم تكن مهمة ملك الأردن سهلة يوماً.. فالسلام المبرم مع اسرائيل ينذر بالانتكاس ما لم يخيم السلام الشامل على كل المسارات. ومفاوضات الوضع النهائي بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية تعني الأردن ليس فقط من زاوية اللاجئين بل أيضاً من زاوية ما يمكن أن يطرحه قيام الدولة الفلسطينية ومستقبل العلاقة بينها وبين الأردن ومستقبل العلاقات داخل العائلة الأردنية حيث تتشابك المصالح والمصائر الفلسطينية والأردنية. ولا يغيب الهم العراقي عن أذهان المسؤولين الأردنيين، ليس فقط بسبب العراقيين المنتشرين في بعض شوارع عمان بل لأن أي مفاجأة في بغداد تعني الأردن قبل غيره.
في مجلس النواب ورئاسة الوزراء ووزارة الخارجية كما في الحلقات التي لا تغيب عنها الانتقادات يشعر الزائر أن البلد خرج من صدمة غياب الملك حسين وان المؤسسات تعمل لمواجهة التحديات المطروحة.
وجاءت الأزمة مع "حماس" لترسخ الاعتقاد بان الأردنيين تعلموا من التجارب وان المؤسسات قادرة على صيانة الاستقرار بقوة القانون.
أسئلة كثيرة حملتها "الوسط" الى العاهل الأردني وهو كشف، للمرة الأولى، عن موعد الإشارة الأولى التي تلقاها من والده وأفادت بأنه سيكون الملك المقبل للأردن، وكان ذلك في تشرين الأول أكتوبر 1998 خلال وجود الملك حسين في أميركا للعلاج.
في موضوع "حماس" أكد الملك عبد الله الثاني ان "لا عودة أبداً إلى الوضع كما كان سابقاً" مشيراً إلى أن القضية تسير الآن في اتجاه التسوية النهائية. وقال ان العلاقة مع السلطة الفلسطينية هي علاقة "شراكة وتكامل" لافتاً إلى أن موضوع الكونفدرالية يمكن ان يبحث بعد قيام الدولة الفلسطينية. وأشار الى ان الأردن معني بمفاوضات الوضع النهائي خصوصاً من زاوية مشكلة اللاجئين. ودعا الى استئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني من حيث توقفت. وأكد متانة الصفحة الجديدة في العلاقات السورية الأردنية مشيداً بالدكتور بشار الأسد "الذي تعلم من والده الكثير من الحكمة وبعد النظر والاستعداد لخدمة شعبه وأمته". وقال أن مصر هي "الشقيقة الكبرى التي لا ينكر أحد عليها دورها أو ينافسها عليه". وهنا نص الحوار:
متى عرفتم من الملك حسين، رحمه الله، انكم الملك المقبل للأردن؟
- في تشرين الأول اكتوبر 1998 أبلغني جلالة المغفور له والدي قائلاً: "اريدك يا عبدالله ان تلعب دوراً مهماً لأنني مرتاح تماماً إلى ادائك خصوصاً انك عملت منذ البداية من دون اسناد مني". كانت تلك الاشارة الأولى منه وحين شاهدته في "واي" بعد أيام عرفت ان تغييراً سيحصل لكن لم اعرف كيف. حاول بعضهم ان يفاتحني بالموضوع لكنني امتنعت عن الخوض فيه وقلت ان أي كلام في هذا الأمر يأتي من الملك وحده.
عندما توقف المغفور له في لندن آتياً من اميركا قال لي: "يجب ان نعثر على بضع ساعات لأبحث معك موضوعاً مهماً". لم نتمكن من العثور على هذا الوقت بسبب زيارات الاصدقاء والمحبين فأبلغته انني يجب ان ارجع الى عمان. حين وصل الى عمان سلّم عليّ بصورة سريعة وكانت تلك اشارة جديدة. مررت عليه لاحقاً فقال لي: "انا مريض وللأسف هناك تراجع في صحتي وأريدك ان تتسلم المهمة". الحقيقة انني تبلغت رسمياً حين صدور الكتاب وامتنعت قبله عن الدخول في هذا الموضوع، فقد كان القلق على صحة والدي هو الموضوع الأول الذي يشغل تفكيري.
ألم تكن تتوقع خلال توليك مناصبك العسكرية أن تكون ملكاً ذات يوم؟
- طوال حياتي تعلمت من والدي التركيز على خدمة البلد. كنت مشغولاً بالواجب الذي أوكله اليّ. مسؤولياتي العسكرية وقربي من الملك ضاعفت من شعوري بضرورة القيام بالمهمة على افضل وجه وزودتني بخبرة مفيدة. وهنا أقول صادقاً انني لم احلم ان أصير ملكاً. كان شعورنا الدائم هو ان الوالد باق معنا وكنت احلم ان يشهد ذات يوم تخرج ابني من الكلية العسكرية. ثم انني لا أحبذ الاحلام والتطلع الى المواقع الاخرى وأعتبر ان على المرء ان ينجح قبل كل شيء في الموقع الذي يشغله.
ماذا كان شعوركم لحظة تبلغكم بالمسؤولية الجديدة؟
- شعوران تلازما لديّ في تلك الساعة. حجم المسؤولية وما يرتبه عليّ الواجب، والشعور الآخر القلق الذي تضاعف لديّ على صحة الوالد فقد كنت مطلعاً على تدهور احواله الصحية.
ماذا يعني ان يكون المرء ملكاً؟ وما هي خصوصية ان يكون ملكاً في الأردن؟
- ان تكون ملكاً فهذا يعني انك امام مسؤوليات وتحديات كبيرة، أبسط صور هذه المسؤولية هو الشعور بأن شعبك هو أسرتك، وانك مسؤول عن جميع شؤون هذا الشعب تماماً مثلما انت مسؤول عن أسرتك الصغيرة، زوجتك وأبنائك. كنت مسؤولاً عن أسرتي التي لا يزيد عدد افرادها عن أربعة أفراد، وأنا اليوم مسؤول عن أسرة عدد أفرادها اكثر من أربعة ملايين.
توليتم الحكم قبل تسعة أشهر وفي ظل تعاطف داخلي وإقليمي ودولي مع الأردن وملكه الجديد، كيف تقومون هذه الفترة؟
- الظروف التي مررنا بها لم تكن سهلة أبداً، فقد كان رحيل الحسين، طيب الله ثراه، صدمة كبيرة لنا وللعالم من حولنا، ولكن عندما رأينا العالم كله يقف الى جانبنا، ويشارك الأردنيين احزانهم بهذا المصاب الكبير، ورأينا القادة من الاشقاء العرب والأصدقاء من الدول الاجنبية يحضرون الى الأردن للمشاركة في تشييع الراحل الكبير، ويعربون عن وقوفهم الى جانبنا، ادركنا كم كان الحسين عظيماً، وكم هي كبيرة المسؤولية والواجب الذي ينبغي ان ننهض به، وقد ترك لنا الراحل الكبير مساحة هائلة ننطلق من خلالها لإتمام المسيرة التي بدأها رحمه الله، والأهم من ذلك كله هذا الالتفاف الشعبي الأردني، الذي عبّر عنه الأردنيون من مختلف اصولهم ومنابتهم، والذي اكد لي كم كان هذا الشعب عظيماً وصلباً، كما عرف عنه في المواقف الصعبة. وهذه العزيمة التي استمديتها من ارادة الشعب الأردني، جعلتني مطمئناً الى المستقبل والى تطلعي لاتمام مسيرة الراحل الكبير.
ولقد كان لوقفة الاشقاء العرب الى جانبنا، ومبادراتهم الأخوية الصادقة تجاه الأردن، اثر قوي عزز قناعاتنا وإيماننا الراسخ بانتماء هذا البلد الى امته العربية اولاً وأخيراً، وكانت قيادة هذا البلد وستظل بعون الله، تؤمن ان علاقة الأردن بأشقائه العرب هي الأساس، ولن تتقدم أي علاقة له مع أي دولة على علاقاته بأمته العربية.
أظهرت الشهور الماضية حرصكم على اقامة علاقة مباشرة مع المواطن الأردني العادي والاطلاع على همومه اليومية، كيف تنظرون الى هذه العلاقة؟
- علاقة الشعب الأردني مع قيادته علاقة حميمة ومتميزة، ولم تكن أبداً علاقة حاكم بمحكوم، ولذا فقد وجدت نفسي منذ اليوم الأول الذي تحملت فيه أمانة المسؤولية الأولى في الأردن، إبناً لهذا الشعب وقريباً منه ومن همومه وتطلعاته، وعلى هذا الأساس اردت ان ألمس عن قرب الهموم اليومية للمواطن الأردني، من خلال بعض الزيارات المفاجئة للمؤسسات التي لها صلة بالتعامل مع المواطنين مباشرة، ورأيت عن كثب كيف يعيش المواطن الأردني، وكيف تتعامل المؤسسات الحكومية معه، وبحمد الله كان اثر هذه الزيارات ايجابياً، فقد بادرت بعض المؤسسات التي لمست فيها بعض التقصير او الخلل الى اصلاحه، والى التعامل مع المواطنين بكل شفافية وبعيداً عن البيروقراطية. وقبل ذلك، خدمت ضابطاً في الجيش، وعشت بين الجنود في معسكراتهم، وقد عرفت من خلال هذه التجربة، التفاصيل الدقيقة لحياة الجندي والمواطن العادي، ومستوى هذه الحياة.
الديون... والاستثمارات
في ضوء هذه التجربة، ما هي اولوياتكم الداخلية اليوم؟
- الحقيقة لقد تركت لديّ هذه التجربة هامشاً كبيراً لدراسة مواقع الخلل كافة وطرحها امام المسؤولين في الحكومة والدوائر المعنية لتصحيح الخلل، والبدء بتعديل العديد من القوانين والتشريعات والتخلص تدريجياً من البيروقراطية والترهل الاداري، وهي تعيق حركة تقدم المجتمع، والنمو الاقتصادي الذي وضعناه على رأس اولوياتنا الوطنية.
في أول جولة خارجية لكم كنتم تأملون في شطب مليارين من اصل 7 مليارات هي حجم الديون الخارجية المترتبة على بلدكم، كيف ترون الوضع اليوم؟ وهل حصلتم على مساعدات عربية؟
- لم تكن الجولة التي قمنا بها الى الدول الشقيقة والصديقة لمجرد شطب الديون عن الأردن وحسب، بل كانت في الأساس للالتقاء بقادة هذه الدول والإبقاء على صلات الصداقة والتعاون التي أرسى دعائمها الحسين، رحمه الله، ولذلك فقد لمست تفهماً كبيراً لدى قادة الدول الذين التقيتهم لطبيعة القضايا التي طرحتها، سواء القضايا التي تتعلق بالشأن الأردني، او تلك التي تتعلق بالمنطقة بشكل عام، كعملية السلام وقضية التنمية، ومن بين هذه القضايا أعباء الديون المترتبة على الأردن. وقد اسفرت زياراتي للدول العربية وبشكل خاص دول الخليج العربي، عن نتائج ايجابية، وبخاصة في مجال معالجة البطالة والعمالة الأردنية، وقيام تعاون بناء في مجال الاستثمار والتبادل التجاري. وفي مجال المياه، كان تجاوب الاشقاء في سورية وليبيا ودولة الامارات العربية المتحدة تجاوباً مثمراً، حيث طرحنا امامهم مشكلة المياه في الأردن، وقدم الاخوة السوريون ما يقارب ثمانية ملايين متر مكعب من المياه، وعرضت ليبيا والامارات تقديم المساعدة في انجاز مشاريع مائية، ومصادر مياه جديدة.
اما بالنسبة إلى قضية اعباء الديون، فقد كان هناك تجاوب من قبل "نادي باريس" لجدولة الديون الأردنية، كما كان هناك تفهم من قبل الدول السبع الصناعية لقضية هذه الديون، التي طرحت خلال القمة التي عقدت في كولون، وإن لم يكن هذا التجاوب آنياً وعلى قدر آمالنا، فإن طموحاتنا ما زالت قوية لإبداء تجاوب اكبر مع الأردن الذي قدم وأعطى الشيء الكثير من اجل السلام والاستقرار، ليس على صعيد المنطقة وحسب، بل على صعيد العالم أيضاً.
دعوتم الشعب الأردني الى الصبر حتى نهاية العام في انتظار تحسن الأوضاع الاقتصادية، هل هناك مؤشرات الى تحسن؟
- اعتماد الأردن أولاً وأخيراً سيكون على قدرات شعبه وعطائه اللامحدود، ونعتقد باننا بدأنا نحث الخطى نحو الاعتماد على قدراتنا الذاتية وامكانات شعبنا الكبيرة، وبالفعل العمل جار الآن على تعديل التشريعات والقوانين، لتتواءم مع انفتاحنا على العالم، وإزالة جميع القيود التي تحول دون دخول الاستثمارات العربية والاجنبية الى الأردن، وقد بدأنا بالسير باقتصادنا نحو الخصخصة، وقمنا بالفعل بخصخصة بعض المؤسسات، وشهد هذا العام توقيع العديد من الاتفاقات مع شركات عالمية للاستثمار في قطاعات الاسمنت والفوسفات والاتصالات والنقل. التحسن الاقتصادي لا يأتي بين ليلة وضحاها، فلا بد أولاً من ايجاد المناخ الملائم لتحفيز الاستثمارات وتوطينها في الأردن، وإن لم تكن نسبة النمو الاقتصادي الآن ضمن المعدلات المعقولة، فإننا نأمل ان تشهد السنوات المقبلة نمواً مطرداً، ينسجم مع تطلعاتنا نحو الاعتماد على الذات، والانطلاق بالاقتصاد الأردني نحو آفاق عالمية أرحب. ثقتنا بالمستقبل وفي قدرة شعبنا على تجاوز الصعاب التي يمر بها ثقة كبيرة، ونأمل من خلال ما يوفره تحقيق السلام الشامل في المنطقة من مناخ الأمن والاستقرار ان نؤسس البنية التحتية المرتبطة بحاجات الناس وتطلعاتهم نحو المستقبل الواعد الذي يطمحون اليه.
تجري الحكومة حواراً حول قانون الانتخاب بهدف تحسين نظام الصوت الواحد، ما هو السقف الذي يمكن للحكومة ان تتحرك تحته؟
- قانون الانتخاب الحالي لم يكن سيئاً بالصورة التي يطرحها بعضهم، ورغم ذلك رأينا ان نتحاور في كل القضايا الخلافية لإيجاد الطريقة المناسبة التي يتوافق عليها رأي الناس، وتجد قبولاً من جميع ألوان الطيف السياسي. والأمر الآن مطروح امام الحكومة والبرلمان والأطياف السياسية المختلفة لايجاد الصيغة المناسبة التي تحقق العدالة، وتنسجم مع نهج الديموقراطية والتعددية السياسية الذي اختطه الأردن.
الجدل حول قانون الصحافة دائم في الأردن، كيف ترون هذه المسألة في عهدكم؟
- لقد انتهينا من وضع قانون مطبوعات عصري وحديث، يتواءم مع توجه الأردن الديموقراطي، وحماية الحريات الصحافية وتعدد الآراء، والانفتاح الاعلامي بدون قيود او معوقات، وقد شاركت الأسرة الصحافية في الأردن في وضع مسودة هذا القانون، فالصحافة المحلية تكتب ما تشاء وفي اي قضية كانت بدون قيود او حواجز، ولا قيود عندنا او رقابة على الصحف التي تصدر في العالم وتدخل الى الأردن.
ألم يكن امام الأردن صيغة اكثر هدوءاً في التعامل مع "حماس"، وهل طلب من "حماس" المغادرة قبل الاجراءات وماذا كان الجواب؟
- قضية "حماس" في الأردن اخذت بعداً اعلامياً وسياسياً اكثر من اللازم، وقد يكون هذا عائد للحرية الصحافية التي يتمتع بها الأردن، او للطريقة التي تعاملت بها وسائل الاعلام في الخارج مع هذه القضية. نحن نحترم الاخوة في حركة "حماس" ونقدر نضالهم كحركة تحرير فلسطينية. مدير المكتب السياسي لحركة "حماس" مواطن أردني، ينتمي الى تنظيم غير أردني، وأي تنظيم سياسي او حزب اذا أراد ان يعمل داخل الأردن، لا بد له من ترخيص او موافقة من السلطات الأردنية، حتى لو كان أردنياً، فما بالك اذا كان هذا التنظيم غير أردني! وببساطة، الحكومة الأردنية قامت بواجبها واستخدمت حقها المشروع في التعامل مع هذه القضية، ولكن الاخوة في "حماس" اصروا على موقفهم، فكان لا بد من اتخاذ هذا الاجراء لحماية أمن الأردن أولاً، وللحفاظ على مصالحنا الوطنية ومصالح اشقائنا. وعلى أية حال، فالقضية الآن باتجاه التسوية النهائية.
هل راهنتم في هذه المسألة على تفهم "الاخوان"؟ وما هو الحل امام مطالبة "حماس" بحق العمل الاعلامي والسياسي على الأراضي الأردنية في ظل اعلانكم ان لا عودة لفتح مكاتب "حماس"؟
- الحكومة لم تطرح هذا الأمر على "الاخوان"، لكن "الاخوان" طرحوا جهود الوساطة في هذه القضية، وقبلت الحكومة ذلك من منطلق رغبتها بحل هذه القضية بالحوار والتفاهم. لم نكن نراهن على احد، والمسألة مسألة مبدأ واحترام لقوانيننا والتزاماتنا، ومراعاة مصلحتنا الوطنية وأمننا واستقرارنا. ولا عودة ابداً للوضع كما كان سابقاً، وكما ذكرت فالقضية الآن تتجه نحو الحل المناسب الذي يحقق الأهداف والمصالح الأردنية.
قلتم إن للأردن مصلحة في مفاوضات المرحلة النهائية، ما هي تلك المصلحة؟ وهل انتم شركاء تفاوض ام توقيع؟
- كما تعرف، الأردن يستضيف اكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين، وقد نصت قرارات الشرعية الدولية على حقهم في العودة والتعويض، وقد تحمل الأردن الكثير نتيجة لوجود هذا العدد الكبير من اللاجئين على ارضه، ولذلك لا بد ان يكون لنا دور عند بحث هذه المسألة.
ايضاً، هناك مسألة المياه، وهي مسألة لا يمكن التعامل معها الا من منظور اقليمي أوسع. ايضاً هناك موضوع المقدسات.
كيف تنظرون الى منع الوفد النيابي الأردني من دخول الحرم الابراهيمي في الخليل؟
- لقد فوجئت بهذا الأمر، وشعرت بالاستياء لحصوله، وقدمت الحكومة احتجاجاً رسمياً على هذا التصرف الذي قام به المستوطنون الاسرائيليون، والذي لا ينسجم مع المواثيق والتقاليد الدولية، ويفتقر الى ادنى حد من الشعور بالمسؤولية او حتى اللياقة والأعراف، وقد قدمت الحكومة الاسرائيلية اعتذارها عن هذا التصرف، ونأمل بعدم تكرار مثل هذه الاحداث التي تعيق تقدم مسيرة السلام، وتزعزع الثقة فيها.
كيف يمكن المواءمة بين أردنية اللاجئ الفلسطيني في الأردن وحقه في العودة الى فلسطين؟
- اللاجئون الفلسطينيون في الأردن هم مواطنون اردنيون، وقد كفلت لهم المواثيق الدولية حق العودة والتعويض. ولا ارى ان هناك اي تعارض بين مواطنتهم وحقهم في العودة الى وطنهم الذي شردوا منه. وهذه الجنسية والمواطنة الأردنية التي منحها لهم الأردن لن تحرمهم من هذا الحق أبداً. وهم الآن أردنيون لهم حقوق تتوازن مع الواجبات الملقاة على عاتقهم.
شرط الكونفيديرالية
قلتم ان الكونفيدرالية ليست واردة في قاموسكم الآن، ما هي الشروط لقيامها او البحث فيها؟
- الكونفيديرالية تقوم عادة بين دولتين مستقلتين، وتجرى على أساس الاختيار الحر بين الشعبين. وعلى ذلك، بعد ان تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة، يصبح بامكان الشعبين الأردني والفلسطيني ان يتفقا بكامل الحرية على أية صيغة وحدوية تلبي طموحاتهما.
ما الهدف من الاعلان الأردني عن التخلي عن رعاية الأماكن المقدسة في القدس لمصلحة السلطة الفلسطينية؟
- لقد كان هدفنا من هذا الاعلان بالدرجة الأولى، هو ترك المجال امام الأشقاء الفلسطينيين للتحرك بحرية، خصوصاً وهم على مشارف الدخول في مرحلة المفاوضات النهائية، ونحن نعرف انهم الأقرب الآن الى الواقع الذي تمر به الأماكن المقدسة، والى الرؤية المناسبة لتحديد مستقبل هذه الأماكن، بحكم وجودهم على الأراضي هناك.
لقد كانت الأماكن المقدسة وديعة لدى الهاشميين، حافظوا عليها ومكنوا عباد الله من الوصول اليها بكل حرية وأمان. والآن نحن نضع امكاناتنا وطاقاتنا في تصرف الأشقاء الفلسطينيين، ونساندهم للوصول الى حقوقهم كاملة، ولا تنس ان هذه المقدسات تقع على ارض القدس، والقدس مدينة فلسطينية ينطبق عليها ما ينطبق على سائر الأراضي الفلسطينية.
كيف ترون العلاقة مع السلطة الفلسطينية؟
- العلاقة مع السلطة الفلسطينية علاقة شراكة وتكامل في كل ما يتعلق بهموم وتطلعات الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني، ونحن كما ذكرت لك ندعم الأشقاء الفلسطينيين بقيادة الأخ الرئيس ياسر عرفات بكل طاقاتنا وامكاناتنا، حتى ينالوا حقوقهم المشروعة واقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني الفلسطيني، وعاصمتهاالقدس الشريف. ونرى ان القضية الفلسطينية هي لب الصراع في المنطقة، ولا سلام من دون حل هذه القضية حلاً جوهرياً وعادلاً.
ومن هذا المنطلق، فإنني أدعو جميع الأشقاء العرب للوقوف الى جانب هذا الشعب الصامد المكافح، لأننا لا نستطيع ان نتركه وحيداً في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها من دون ان نقدم له الإسناد والدعم اللازمين.
بذلتم جهوداً من اجل استئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني، ما هي العقبات؟
- الإرادة السورية واللبنانية بالسعي نحو تحقيق السلام العادل، الذي يعيد الأرض، كل الارض، في مقابل السلام، لمستها من خلال لقائي بقادة هاتين الدولتين الشقيقتين، كما لمست تجاوباً لدى الإسرائيليين بأنهم يريدون استئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني، وآمل ان تلتقي الارادتان للوصول الى مخرج ملائم لإنهاء كل القضايا العالقة، والبدء باستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها. وأعتقد بان الأمر يحتاج الى جهود مضاعفة من قبل الولايات المتحدة والأطراف الدولية الاخرى المعنية، لتقريب وجهات النظر واستئناف المفاوضات على هذين المسارين المتلازمين، اللذين لا يمكن الفصل بينهما.
قبل شهور بدت العلاقات الأردنية - السورية دافئة وقوية، فهل لا تزال محتفظة بهذا الدفء؟ وكيف تصفون علاقتكم بالرئيس حافظ الأسد وبالدكتور بشار الأسد؟
- العلاقات مع الشقيقة سورية عادت الى افضل مما كانت عليه سابقاً، وتمكنا من خلال اللقاءات التي أجريت مع فخامة الأخ الرئيس حافظ الأسد من حل جميع الاشكالات العابرة التي كانت تعكر صفو علاقات الاخوة المتميزة. نحن والسوريون نلتقي عند جوامع كثيرة، والعلاقة الآن في نمو واطرّاد على مختلف الصعد والميادين، وهذا هو الوضع الطبيعي.
اما اخي الدكتور بشار، فهو مثال للنشاط والحماس والتطلع للمستقبل بعقلية منفتحة واستشراف للمستقبل، وأرى فيه مثالاً للشاب العربي الذي يحمل هموم أمته وتطلعات شعبه، لقد تعلم من والده الكثير من الحكمة، وبُعد النظر، والاستعداد لخدمة شعبه وأمته.
تردد ان ظلاً من التنافس على دور في عملية السلام يخيم على العلاقات المصرية - الأردنية، فهل هذا صحيح؟
- الأردن ومصر يشتركان في التطلعات والآمال نحو تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، وبزوغ فجر جديد يسود فيه الأمن والاستقرار والرخاء لشعوب المنطقة عامة. واذا كان هناك دور للأردن في عملية السلام، فهو دور مكمل للدور الذي بدأه الأشقاء المصريون، الذين كان لهم الدور المركزي والرئيسي في بناء السلام الذي نشهده الآن، ومصر هي الشقيقة الكبرى، التي لا ينكر احد عليها دورها او ينافسها عليه. وقد التقيت بأخي سيادة الرئيس محمد حسني مبارك اكثر من مرة، وذلك للتنسيق والتشاور حول مساعينا المشتركة نحو تحقيق اهداف السلام وغاياته النبيلة، ولمست لديه الحرص الشديد على التنسيق والتشاور في كل القضايا التي تتعلق بعملية السلام والوضع العربي بشكل عام.
التقيتم رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك، كيف رأيتم نهجه في موضوع السلام ودرجة استعداده للتقدم نحو السلام الشامل؟
- حين ظهرت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وفاز السيد باراك برئاسة الحكومة الإسرائيلية، قلنا آنذاك إن نتائج هذه الانتخابات كانت استفتاء على رغبة الشعب الإسرائيلي بالتوجه نحو السلام. والتقيت رئيس الوزراء الإسرائيلي ولمست لديه رغبة حقيقية في الوصول إلى السلام، وتجاوز العقبات التي كانت حكومة نتانياهو قد وضعتها في طريق استئناف عملية السلام. وإنني اعتقد ان الفرصة المواتية الآن لتحقيق السلام فرصة تاريخية لا بد من الإمساك بها، وان تطبيق الاتفاقيات المبرمة التي شهدناها خلال الأسابيع الماضية يدعونا إلى التفاؤل، ومساعدة الأطراف المعنية على تحقيق المزيد من التقدم باتجاه السلام.
كان الملف العراقي حاضراً في محادثاتكم الأخيرة مع الرئيس بيل كلينتون وأحاط الغموض بقصة الرسالة العراقية، هل يمكن إيضاح ذلك؟ وكيف تنظرون إلى الوضع الحالي في العراق وسبل الخروج منه؟
- معاناة الشعب العراقي، والحصار المفروض عليه كانت حاضرة في وجدان الشعب الأردني وضميره، ونرى أنه لا بد لهذه المأساة التي يمر بها هذا الشعب العربي من نهاية، ولكن مسألة العراق أصبحت مسألة دولية، لا يستطيع الأردن أو غيره من الأقطار العربية الخروج بحل ينهي معاناة هذا الشعب، ويعيد العراق إلى محيطه ووضعه الطبيعي في المنطقة.
لم أحمل رسالة عراقية محددة خلال لقائي بالرئيس كلينتون، ولكن كما ذكرت كان الهم العراقي موجوداً دائماً، والخروج من هذا المأزق يتطلب جهداً عراقياً ودولياً يتيح للشعب العراقي الخروج من هذه المحنة.
لبنان ولحود والحريري
ما هي الانطباعات التي تركتها لديكم زيارتكم للبنان؟
- زيارتي الأولى للبنان كانت في 1964 وكنت صغيراً ولم تستغرق سوى ساعات. وكنت أتشوق دائماً إلى زيارة هذا البلد الشقيق. كانت الزيارة ممتازة على كل الصعد ونحن نكن لهذا البلد الشقيق مشاعر الاخوة والحب.
لوحظ ان علاقاتكم في لبنان تشمل الرسميين وغير الرسميين؟
- نعم التقيت فخامة الرئيس اميل لحود وكان اللقاء ممتازاً، ولعل الخلفية العسكرية لكل منا سهلت التفاهم والتقارب. كما كان اللقاء طيباً مع المسؤولين الآخرين.
لوحظ أيضاً ان علاقة تربطكم بالرئيس رفيق الحريري، وهو الآن في المعارضة؟
- العلاقة مع الرئيس الحريري سابقة وهي علاقة عائلية فقد كان أحد أبنائه يدرس مع ابن عمي في أميركا وكنت هناك وحصل تعارف واستمرت العلاقة. هنا اريد أن أقول إننا لا نتدخل مطلقاً في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى، وعلى هذا الأساس نقيم علاقاتنا. ونحن لن نتأخر في تقديم أي دعم للبنان.
هناك مخاوف في المنطقة من تصاعد موجة اليأس والأصوليات، هل لديكم مثل هذه المخاوف؟
- فقدان السلام الحقيقي والعادل، وفقدان الأمن والطمأنينة والاستقرار، والحرمان من العدالة والديموقراطية، وضياع الحريات وعدم احترام حرية الفرد وكرامته، كلها أمور تؤدي إلى اليأس والاحباط، وتكون مكاناً خصباً للجوء إلى العنف. ولكن المنطقة الآن تشهد توجهاً نحو ازدهار الحريات، وتوفير الأمن والاستقرار والرخاء، ولهذا فإنني متفائل بأن موجة اليأس والتطرف التي تتحدث عنها ستؤول إلى زوال بإذن الله. وبالمناسبة، لا بد لنا من التفريق بين الاصولية والتطرف، فالاصولية بمعنى من المعاني هي العودة إلى الأصل والجوهر والصفاء، ولذلك لا بد من التفريق بينها وبين التطرف أو الانغلاق والتعصب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.