شبكة الانترنت ليست شراً مطلقاً كما يعتقد البعض، فعن طريقها عرف قبطان مصري متقاعد ان له ابناً من سيدة اميركية تزوجها، وانفصل عنها بعد فترة وجيزة، قبل 40 سنة. بدأت الحكاية باعلان نشره وبثه طبيب اميركي، اسمه الأول اندريا، عبر الانترنت متضمناً عنوانه في نيويورك ليتصل به من يعرف أي معلومات تساعده في الوصول الى قبطان مصري متقاعد يدعى أحمد ابو سمرة. ولعبت المصادفة دورها عندما قرأت الاعلان احدى قريبات القبطان المذكور وأبلغته بمضمونه، الا أنه شكك في أن يكون هو المقصود واعتبر ان الأمر ينطوي على لبس أكيد. لكن السيدة طالعت الاعلان مرة اخرى بعد فترة ولاحظت ان هناك اصراراً على نشره، فدفعها الفضول الى الاتصال بأندريا هذا وأبلغته انها تمت بقرابة للقبطان ابو سمرة ففاجأها بقوله انه يبحث عنه لأنه والده، ورجاها ان تحيطه بأي معلومات عنه ليتصل به فوعدته بأن تخبر قريبها بالأمر ليتصل بنفسه به. حتى ذلك الحين، كان اقرباء ابو سمرة واصدقاؤه يعتقدون انه لم يتزوج مطلقاً وبالتالي لم ينجب. لكن قريبته قررت، رغم ذلك، ان تفي بالوعد وأخبرته بما سمعته من الطبيب الاميركي ورجته ان يتصل به ليحسم الامر. وحتى ذلك الحين ايضاً كان ابو سمرة، الذي تخطى السبعين من عمره، يصر على عدم التطرق، حتى مع أقرب المقربين اليه، لحكاية اقترانه في العام 1956 بفتاة اميركية تعرف عليها خلال احدى رحلاته الى نيويورك. ولكنه قرر الاتصال بصاحب الاعلان وفي ذهنه انه على الارجح شخص محتال، لكن الاخير فاجأه بمجرد ان اتصل به هاتفياً بأنه على علم بأدق تفاصيل تلك العلاقة القديمة التي لم تستمر طويلاً. بعد ذلك الاتصال لم يعد لدى ابو سمرة أدنى شك ان الانترنت هدته الى ابنه الذي لم يدر بخلده على مدى 40 سنة انه يمكن ان يكون له وجود، فالابن حكى له على الهاتف ما حدث بالضبط، وهو انه بعد مرور فترة وجيزة على اقترانه بتلك الفتاة الاميركية بعقد مدني سافر الى مصر ليحصل على مباركة والديه لهذا الزواج على ان يعود الى نيويورك سريعاً ليصطحب زوجته لتعيش معه وسط أهله. وهناك جزء من الحكاية لم يكن ابو سمرة يعرف عنه شيئا قبل ان يتصل بالدكتور اندريا هاتفياً، وهو انه بعد ان طال انتظار الفتاة لعودته من مصر دون جدوى اعتقدت انه تخلى عنها نهائياً، ودعمت والدتها لديها هذا الشعور خصوصاً بعد ان اكتشفت انها حامل. واشارت عليها بأن تتزوج من شخص آخر لتنسب اليه مولودها. وبالفعل تم الزواج وسافرت الاسرة الى باريس باعتبارها مقر عمل الزوج وهناك ولد اندريا ثم عاد الجميع مرة اخرى الى نيويورك بعد سنوات قليلة. ولم تخبر الام ابنها بأمر ابيه الحقيقي الا قبيل وفاتها في بداية العام الحالي. اما الجزء الآخر فيتلخص، كما قال ابو سمرة لابنه خلال اتصالهما الهاتفي في انه لم يتمكن من العودة الى اميركا في الموعد المتفق عليه بسبب ظروف العدوان الثلاثي على مصر في 1956، وانه توجه الى نيويورك بعد ان هدأت الاوضاع لكنه لم يجد فتاته ولم يجد من يدله على المكان الجديد الذي يمكن ان تكون قد انتقلت اليه. وفاء حتى النهاية وبصرف النظر عن مدى دقة رواية ابو سمرة لما حدث، الا ان ما يثبت صدق حبه لفتاته وتمسكه بها هو انه رفض الزواج من اي فتاة اخرى وآثر ان يعيش وحيداً يستأنس بين الحين والآخر بأقاربه وخصوصاً ابن شقيقه المهندس ممدوح ابو سمرة الذي كان يلازمه في شكل شبه دائم في شقته في مدينة الاسكندرية. ويروي المهندس ممدوح تفاصيل ما حدث بعد الاتصال الهاتفي، فيؤكد ان عمه بدا وكأنه شاب في الثلاثين من عمره من فرط فرحته بمعرفة ان له ابناً من صلبه وانه له ثلاثة احفاد من هذا الابن المتزوج من طبيبة مثله. ويضيف ان الابن اصر على دعوة ابيه للحضور الى نيويورك ليتعرف على اسرته عن قرب، الا ان الاب اخبره بأنه يفضل ان يرسل اليه والى زوجته واولاده تذاكر للسفر من نيويورك الى القاهرة لأنه يعاني من بوادر اعتلال في القلب وقد لا يحتمل السفر الطويل من مصر الى اميركا، وتفهم الدكتور اندريا الموقف واخبر والده بأنه سيحضر اليه هو واسرته واتفقا على موعد محدد لذلك. وجمع ابو سمرة افراد عائلته المقربين والموزعين بين مدن مصرية عدة هي المنصورةمسقط رأسه والقاهرةوالاسكندرية واخبرهم بالامر، الذي لم يكن من السهل عليهم ان يصدقوه، ولم ينس بأن يتشاور مع اقرب اصدقائه القبطان محمد الشناوي في الاسلوب الامثل لاستقبال الابن الغائب والاحتفاء به وبزوجته واولاده. ويقول القبطان محمد الشناوي: ان القبطان ابو سمرة كان زميل عمري في مهنة ركوب البحر، وكان اضافة الى ذلك أعز اصدقائي بل كان صديقا لكل معارفه وزملائه ولم يكن يتأخر مطلقا في المساهمة في حل اي مشكلة تواجه ايا منهم، وهو ما كان يفعله ايضا مع اقاربه، وسعادتي باكتشافه ان له ابنا من صلبه كانت بلا حدود رغم ان الامر كان بالنسبة إلي مفاجأة كبيرة وشيئا اقرب الى الخيال، فمع ان علاقتي بأبو سمرة ترجع الى فترة الشباب الا انه لم يذكر لي ابدا اي شيء عن علاقته بأم ولده. ويؤكد المهندس ممدوح ابو سمرة ان عمه كان يقول له دائما انه لا يهاب الموت وان كل ما جمعه من اموال سيتركه لاقاربه عن طيب خاطر فضلا عن انه كان لا يتردد اساساً في تقديم المساعدة المالية لكل من يحتاجها وبعد ان عرف ان له ابنا واحفادا صار يدعو الله ان يمد في عمره حتى يراهم. استقبال حافل ويضيف المهندس ابو سمرة ان عمه طلب منه ان يرتب حفلة استقبال كبرى لابنه واسرته في احد اكبر فنادق القاهرة وان يرتب كذلك رحلة لهم تشمل المناطق السياحية المصرية الشهيرة في الاقصر واسوان والغردقة وسيناء. وما ان حل موعد وصول الدكتور اندريا وزوجته واولاده حتى توجه القبطان ابو سمرة ومعه عدد كبير من افراد اسرته واصدقائه الى مطار القاهرة ليكونوا في استقبالهم بمجرد هبوطهم من الطائرة الآتية من نيويورك. واعتقد الجميع ان لا بد ان تواجهم مشكلة حقيقية في التعرف على اندريا لذلك رفعوا لافتة كبيرة عليها اسمه ليتجه نحوهم بمجرد ان يراها. ولكن المفاجأة هي ان الجميع اتجهوا بأنظارهم نحو شخص معين يشبه الى حد كبير القبطان ابو سمرة ونادوا عليه، ولم يكن هذا الشخص سوى الدكتور اندريا الذي وجد نفسه يجري بلهفة واضحة نحو والده وكأنه لم يجد اي صعوبة تذكر في التعرف اليه رغم انه لم يسبق لأي منهما ان رأى الآخر مطلقا. تعانق الاب وابنه طويلا وانخرط الاثنان في بكاء تجاوب معه بعواطف شرقية مشبوبة كل الذين قدر لهم ان يروا ذلك المشهد في صالة الوصول في مطار القاهرة والذي تكرر في صالة المغادرة بعد 20 يوما فقط قضاها الدكتور اندريا في ضيافة والده التي اتسمت بكرم حاتمي. وخلال فترة الضيافة هذه فاتح ابو سمرة ابنه في انه يرغب في ان يوصي بأن تؤول اليه بعد وفاته وديعة محفوظة باسمه في احد المصارف المصرية الا ان الدكتور اندريا رفض ذلك بشدة واوضح لوالده انه ليس في حاجة الى هذا المال لأن عمله في مهنة الطب وفي التدريس في بعض الجامعات الاميركية يدر عليه دخلاً وفيراً. وقبل مغادرة اندريا قال لوالده انه سيعود مرة اخرى الى مصر قريباً ليصطحبه معه الى اميركا ليجري هناك فحوصاً طبية وذلك بعد ان لاحظ انه يصاب بإرهاق واضح من اقل مجهود يبذله. اما القبطان ابو سمرة فقد كان يشعر - كما يقول صديق عمره القبطان محمد الشناوي - بأنه لن يلتقي مرة اخرى بولده وقد عبر عن هذا الشعور عقب توديعه لابنه واسرته في المطار مباشرة. والغريب انه لم تمض ساعات على سفر الابن حتى اصيب الاب بأزمة قلبية نقل على اثرها الى مستشفى قريب من مسكنه في مدينة الاسكندرية وما ان علم صديقه القبطان الشناوي بالخبر حتى هرع اليه حيث ادركه في غرفة العناية الفائقة قبل دقائق من وفاته متأثراً بتلك الازمة التي فسرها الاطباء بأنها نجمت عن انفعال شديد في حين رأى اقارب واصدقاء القبطان المتقاعد ابو سمرة ان قلبه لم يحتمل احساسه الكبير بالسعادة للعثور على ابنه الذي لولا الانترنت لما عرف اصلا أنه موجود .